الصمت الأميركي على ما يحصل في سورية وتداعياته


آلاء عوض

منذ بداية الثورة السورية، لم يكن الموقف الأميركي حازمًا أو جديًا، ولم يتلاءم هذا الموقف مع أهمية الولايات المتحدة كقوة عُظمى، يتوجّب عليها التدخل في الأزمات والحروب، وعلى الرغم من تحوّل القضية السورية إلى حروب مصالح علنية بالوكالة، وبروز قوى تُهدّد الأمن الدولي كـتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما لم يتغيّر موقفها إلا بالحدود الدنيا، ولم تقبل حكومة أوباما ربط القضاء على الإرهاب في المنطقة بالتخلص من نظام الأسد، لعوامل عدة في مقدمتها عدم رغبة أميركا في استنزاف طاقاتها العسكرية في صراع تكلفته أعلى من أرباحه.

أوباما… من لا يعمل لا يُخطئ

منذ وصول الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، إلى سدّة الحكم مطلع 2009، تحولت الولايات المتحدة إلى دولة عظمى مُحتوية وغير مُتدخّلة، تحاول إدارة الشؤون والمصالح الدولية عن بعد، وسعى أوباما إلى الابتعاد -قدر الإمكان- عن منهج تيار القوة (الهيمني) ورواده المحافظين من أنصار الحزب الجمهوري، والذي يقول بضرورة التدخل العسكري الأميركي لتأكيد هيمنة الزعامة الأميركية، وفضّل إدارة الأزمات بأقل تكاليف ممكنة، وخصوصًا الأزمات التي لا تُزعج مصالحه، ولا تأتِ صوبها، في حين طالب أنصار تيار القوة الإدارة الأميركية بالتدخل العسكري ودعم قوى المعارضة المعتدلة، إلا أن خوف الرئيس الأميركي من تكرار سيناريو الحرب في العراق ومآلاته السلبية على الولايات المتحدة، منعه من الخوض في التجربة، كما ساهمت الفوضى التي عمّت أرجاء بعض بلدان الربيع العربي بعد سقوط حُكّامها ومنها ليبيا في إعطاء أميركا مبررًا لعدم الانخراط في الصراع السوري بصورة واسعة، يضاف إليه عدم وجود كتلة مُعارضة وفاعلة وذات شرعية واسعة، تنسجم مع المصالح الأميركية لسدّ الفراغ في المنطقة، علمًا أن أميركا لا تريد أن تتحمل أعباء سدّ الفراغ الذي سينجم عن رحيل الأسد؛ لأن تكلفته عالية، وهي ليست بصدد تغطيتها في الوقت الراهن.

في هذا الإطار، قال الصحافي ماهر علي لـ (لجيرون): “ترتكز أميركا على كثير من الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة حليفتها تركيا، واستطاعت فرض اتفاقيات مُلزمة على العراق، والأردن وإسرائيل تحت قبضتها، لذلك لا تعنيها سورية كثيرًا ولا يُشكّل الصراع السوري بالنسبة لها أي عقبة، بل على العكس استطاع في مراحله الأخيرة، مساعدتها على توريط روسيا أكثر”.

وكان أوباما قد أكد -في أكثر من خطاب له- أن الحلول العسكرية ليست دائمًا مُجدية، معبّرًا تعبيرًا صريحًا عن عدم رغبته في الانخراط العسكري في الشرق الأوسط، وعدم الخوض في معارك بريّة مُكلفة وواسعة النطاق.

(داعش) قوة صغرى

تعدّ أميركا أن تنظيم الدولة (داعش) الذي امتدّ في رقعة واسعة من الأراضي السورية لا يزال تحت السيطرة، وأنه لم يصل بعد لمرحلة تهدّد أميركا، لذلك لا تسعى لتقويضه والقضاء عليه عسكريًا، وإنما يكفيها إزعاجه، وهو ما عبرّت عنه أميركا بدعم ميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية، وبعض فئات المعارضة المعتدلة التي تحارب التنظيم، وعدت أن هذا التدخل الجزئي يفي بالغرض في هذه المرحلة، وربطت استجابتها العسكرية للتدخل في سورية بمستوى التهديد لمصالحها في المنطقة؛ فخلُصت النتيجة إلى أن تنظيم (داعش) لا يُشكّل -إلى الآن- خطرًا أو تهديدًا أمنيًا مباشرًا عليها، وفي هذا المعنى، قال علي: “الولايات المتحدة كانت تشعر أن تنظيم (داعش) ومنذ تشكّله في العام 2012 قوة صغرى، لا يشبه تنظيم القاعدة على الإطلاق، فبنيته وتركيبته المتعدّدة والمُتشرذمة، وتنوع تلاوينه الأيديولوجية وعدم ثباتها، تجعله آيل لوحده إلى السقوط في نظر أميركا، كما استطاع التنظيم في بعض الأحيان أن يخدم مصالحها، ويشرعن تدخلاتها في المنطقة ويكسبها صفة محاربة الإرهاب عند مناوئيه، ولكنها متأكدة أنها تستطيع التخلص منه عندما ترغب، وأحداث دحر فصائل المعارضة المسلحة لـ (داعش) الأخيرة شمالي حلب ومعركة الموصل تبرهنان على ذلك”.

مع اقتراب تبدّل الإدارة الأميركية الحالية يراهن كثير من المحللين السياسيين والعسكريين على تغيّر الموقف الأميركي إزاء القضية السورية، في حين يعتقد علي أن “هذا التفاؤل مبالغ فيه؛ لأن أميركا لن تتدخّل، ولن يعنيها المزيد من الدمار والقتل في سورية، إلا في حال برزت مستجدّات تربطها مصلحيًا بتبدل رأس الحكم في سورية واستئصال (داعش)”.




المصدر