on
تنافس على معركة الرقة: مفاوضات لحسم القوة المشاركة
مع عودة الحديث عن معركة كبرى يدعمها التحالف الدولي لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من الرقة، لا يزال التنافس على تلك المعركة يأخذ منحيين، الأول محلي يتمثّل في تنافس الأطراف المتصارعة في سورية على الفوز بدعم دولي لخوض المعركة وملء الفراغ الذي سيتركه “داعش” ومن أجل اعتماده كحليف دولي في محاربة الإرهاب، أما المنحى الثاني للتنافس فهو دولي تسعى من خلاله الدول المتدخلة في الشأن السوري لتحقيق مصالحها من خلال هذه المعركة، كما تسعى لتعويم الأطراف التي تدعمها من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن حظوظ “قوات سورية الديمقراطية” في خوض هذه المعركة هي الأقوى، إلا أن فصائل الجيش السوري الحر المنضوية ضمن عملية “درع الفرات” لا زالت تمتلك حظوظاً في أن تكون القوة المعتمدة على الأرض. وعلمت “العربي الجديد”، من مصادر عسكرية مطلعة في الجيش الحر، أن ضغوطاً أميركية تُمارس عليه من أجل القبول بدخول المعركة بالمشاركة مع “قوات سورية الديمقراطية”، وهو أمر لم يقبل به الجيش الحر حتى الآن. وفي الجانب الآخر، يسعى النظام السوري عبر حليفه الروسي كي يدخل على خط معركة الرقة، التي تشكّل له أهمية كبرى لجهة اعتماده رسمياً من قِبل التحالف الدولي كشريك في محاربة الإرهاب، الأمر الذي يساعده في استعادة جزء من شرعيته على المستوى الدولي. كما يمكّنه ذلك من استعادة السيطرة على سد الفرات الذي يغذي جزءاً كبيراً من الأراضي السورية بالطاقة الكهربائية، خصوصاً أن قوات النظام تمتلك مواقع محصنة ومتقدّمة على الطريق الواصل إلى مدينة الطبقة التي يقع عليها سد الفرات.
وأعلن المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، العقيد جون دوريان، أمس الجمعة، أن حوالى 40 ألف مقاتل على استعداد لعزل مدينة الرقة تمهيداً للبدء بتطهيرها، قائلاً خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو، إن هناك “قوات كافية” للعملية، وأن ما يقارب من 30 إلى 40 ألف مقاتل، تدعمهم الولايات المتحدة، هم على استعداد لحصار المدينة التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” منذ العام 2014. وأوضح دوريان أن هناك محادثات مستمرة بين الولايات المتحدة وشركائها في التحالف، ليقرروا من سيدخل المدينة ويسيطر عليها، بعد الانتهاء من عملية عزلها.
فيما أكد عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني المعارض فؤاد عليكو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن موضوع الفصائل التي ستخوض معركة الرقة لم يُحسم بعد، على الرغم من تصريحات مسؤولين في “قوات سورية الديمقراطية” بأنها من ستخوض المعركة، وعلى الرغم من تصريحات المتحدث باسم التحالف، فتركيا لا زالت ترفض بشكل قاطع مشاركة “قوات سورية الديمقراطية”، فيما تحاول الولايات المتحدة بقوة إشراكها، والحوار لا يزال مستمراً بينهما، وروسيا أصبحت تقف إلى الجانب التركي.
وحول إمكانية دخول النظام على خط معركة الرقة، قال عليكو: “هو احتمال ممكن، وقد يكون مخرجاً للصراع بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، لكن التحالف الدولي لن يدخل لصالح النظام، إلا أن هذا الأمر قد يحصل في حال حدث تفاهم أميركي روسي بشأن دخول قوات النظام”.
واستبعد عليكو أن يشارك الجيش السوري الحر إلى جانب “قوات سورية الديمقراطية” في معركة السيطرة على الرقة، موضحاً أن الجيش الحر لا يقبل بالمشاركة مع هذه القوات، وبالتالي ستكون المفاضلة بين القوتين تبعاً لما سيتوصل إليه الحوار التركي الأميركي، معتبراً أن الأميركيين مرتبكون في هذه المفاضلة، فهم من جهة لا يريدون خسارة الأتراك ومن جهة أخرى يسعون لإشراك “قوات سورية الديمقراطية” في المعركة. وحول استعجال واشنطن لحسم معركة الرقة، قال عليكو إن “الإدارة الأميركية الحالية تسعى لإظهار الرئيس باراك أوباما بأنه انتصر على داعش من دون خسارة للجيش الأميركي أثناء فترة ولايته”.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تركيا لا تزال مصرة على أن يكون الجيش الحر هو الذراع العسكري لعملياتها المغطاة بالتحالف الدولي والدفاع الجوي التركي وبعض القوات التركية على الأرض، فيما لا تزال الولايات المتحدة مصرة على أن تكون قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية هي الذراع العسكري للعمليات حتى لو اضطرت للاستغناء عن تركيا، لافتاً إلى أن الواقع الجغرافي يقول إن كل الطرق المؤدية إلى الرقة تمر بمواقع يسيطر عليها الأكراد بحكم الجغرافيا، مشيراً إلى أن هذه المناطق هي مناطق ليست كردية وإنما يسيطر عليها الأكراد، وحتى الآن لم يُحسم الأمر ما بين أنقرة وواشنطن.
وأوضح رحال أن تركيا تعتبر أن مشاركة الأكراد هي اعتراف رسمي بها، وهذا الكلام مرفوض تركياً، لأنها تعتبر الوحدات الكردية فصيلاً إرهابياً، متوقعاً أن يحصل توافق على تقسيم الجبهات إلى قطاعات وكل جهة تحارب في قطاعها بشكل مستقل، بحيث يحارب الأكراد في قطاع يُغطى من التحالف الدولي، والجيش الحر يحارب ضمن قطاع يُغطى من الطيران التركي والتحالف الدولي. وكشف أن “هناك تسريبات وصلت إلينا وقد لا تكون حقيقية، بأن تركيا تطالب بمعرفة حجم السلاح الثقيل الذي سيُقدّم للأكراد ونوعيته على أن يُعاد للولايات المتحدة الأميركية بعد انتهاء معركة الرقة”. ولفت إلى أن الجيش الحر سينسحب في حال فُرضت عليه المشاركة مع “قوات سورية الديمقراطية” كون موقفه كموقف تركيا باعتبار الوحدات الكردية فصيلاً إرهابياً لا يمكن القتال معه ولا يمكن المشاركة معه في أي معركة، مؤكداً أن تركيا تقوم حالياً بتكوين “درع الجزيرة” في منطقة تل أبيض ومحيطها على غرار “درع الفرات”.
وعن احتمال مشاركة النظام في المعركة، قال رحال إن “هناك ضغوطاً من موسكو ومن نظام دمشق لكي تكون لهما مشاركة في المعركة كي لا يخسرا نظرية محاربة الإرهاب، لكن الولايات المتحدة الأميركية لن توافق على مشاركة موسكو والنظام السوري في تلك المعركة”.
أما عن القوة التي ستسد الفراغ عند طرد “داعش” من الرقة واحتمال بقاء القوات الكردية فيها، قال رحال: “لن يكون للأكراد موطئ قدم في الرقة، كما الطبقة ومنبج، هذه مناطق عربية لن يُسمح للأكراد بالسيطرة عليها”، مضيفاً: “يمكن أن يُسمح لهم بالمشاركة في الحرب، ولكن شرط الانسحاب من هذه المناطق بعد المعارك، كما سينسحبون من منبج الآن مجبرين، وحتى الآن لا يمكن أن تكون هناك قوات تحالف دولية في المنطقة”، شارحاً أنه “قد تكون هناك قوات تحالف عربية، لكن في مرحلة لاحقة في الحلول النهائية في سورية، أما وجود الخوذ الزرقاء فهذا احتمال غير وارد، لأن المجتمع الدولي يعلم أن الخوذ الزرقاء غير مرحب بها في هذه المجتمعات”.
صدى الشام