درعا والسويداء بين المصالح المشتركة وفتن النظام


souidaa23423

مضر الزعبي: المصدر

اعتمد النظام خلال العقود الماضية على العبث ببنية الشعب السوري بهدف ضمان استمراريته، فشجّع على ظهور النعرات الطائفية والمناطقية، بالإضافة للنعرات العشائرية، ومنذ انطلاق الثورة السورية في شهر آذار/مارس من العام 2011، استغل النظام هذه النعرات التي عمل على تعزيزها على مدار العقود الأربعة الأخيرة.

وفي الجنوب السوري مرت العلاقة بين محافظتي السويداء ودرعا بمجموعة من التحولات، وذلك نتيجة محاولات النظام زرع الشقاق بين أهالي المحافظتين، ولكن كان للغة المصالح المشتركة دور في ضمان استمرارية العلاقات.

مع انطلاق الثورة

ولم يتأخر النظام في العمل على زرع الشقاق والنعرات بين أهالي محافظتي السويداء ودرعا، ففي 25 آذار/مارس من العام 2011 كانت أولى نقاط التحول في هذه العلاقة.

وقال الناشط عمر المسالمة لـ “المصدر” إنه في ثاني جمعة من الثورة السورية بتاريخ 25 آذار/مارس، عندما كانت أعين العالم والسوريين على وجه الخصوص تتوجه إلى خريطة توزع المظاهرات، كونها الجمعة الأولى التي شهدت تنسيقاً على مستوى سوريا، خرج الشيخ “عبدالسلام الخليلي” في مدينة الحراك بريف درعا الشرقي المجاور لمحافظة السويداء، و بدأ بتوجيه الإساءات لأهالي محافظة السويداء، ولاسيما فيما يتعلق بالأمور العقائدية، وكان هذا الشيخ للمرة الأولى يخطب في صلاة الجمعة، وعقب انتهاء الخطبة تم طرده من المدينة التي شهدت في نفس اليوم مظاهرة تجاوز عدد المشاركين فيها 25 ألف، طالبت للمرة الأولى بإسقاط النظام، مشيراً إلى أنه في مساء اليوم ذاته تم توزيع آلاف النسخ من خطبة الخليلي، وتوزيعها في شوارع محافظة السويداء.

وأضاف المسالمة بأنه تبين أن الخليلي يعمل في مكتب اللواء “رستم غزالي”، وقد قدم وجهاء محافظة درعا مجموعة من الوثائق للوجهاء في السويداء ليتمكنوا من تجاوز أولى محاولات النظام لزرع الشقاق.

وأشار إلى أنه في نفس الفترة كان عملاء النظام في محافظتي درعا والسويداء يعملون على تخويف الحاضنة الشعبية، حيث بدأوا بنشر الشائعات عن هجمات يتم التحضير له، فتم الترويج عن استعداد مجموعات من السويداء لاقتحام المناطق الثائرة بدرعا، وكذلك الحال في السويداء.

الخطف والخطف المتبادل

ومع فشل النظام في التجييش على أساس طائفي، انتقل بالتعاون مع المجموعات التابعة له للعمل على ملف الخطف والخطف المتبادل.

وقال الناشط  سامي الأحمد لـ “المصدر” إنه في العام 2012 بدأ الجنوب السوري يشهد نقلة نوعية في العلاقات بين محافظتي درعا والسويداء، فالثوار في المحافظتين تمكنوا من تنسيق جهودهم على مختلف الأصعدة، ولا سيما الإغاثية، فثوار السويداء تكفلوا بتأمين المستلزمات الإغاثية والمستهلكات الطبية لثوار درعا، وعلى الصعيد العسكري تم تشكيل فصيل يضم العشرات من أبناء محافظة السويداء المنشقين عن قوات النظام، عندها أدرك النظام حجم الخطر، لذلك بدأ بالعمل على ملف الخطف والخطف المتبادل، فشهدت المنطقة عشرات عمليات الخطف في الفترة الفاصلة بين عامي 2012 – 2013، كان منها خطف رجال دين، وكان من العمليات خطف خوري بلدة صما غرب السويداء مطلع العام 2013، والذي كان من أوائل من استقبل المهجرين من محافظة درعا، و كانت الكنسية سباقة بتقديم الدعم الإغاثي للأهالي.

وأشار إلى أن قوات النظام بدأت في الفترة نفسها تزج بأبناء السويداء في الصفوف الأمامية في عمليات الاقتحام التي كانت تستهدف المناطق الثائرة في محافظة درعا، بهدف توجيه رسائل بأن أبناء السويداء هم من يقاتلون على جبهات محافظة درعا، مشيراً إلى أن الهدف كان جر ثوار درعا لعمليات انتقامية في محافظة السويداء.

مشايخ الكرامة

وشهد العام 2014 نقطة تحول جديدة في العلاقات في الجنوب السوري، بالتزامن مع ظهور جماعة مشايخ الكرامة بقيادة “وحيد البلعوس”، والتي وجدت المظلة لعشرات الآلاف من أبناء محافظة السويداء الذين لا يرغبون بالتطوع في قوات النظام، أو من الذين يريدون الفرار، فالجماعة شجعت الشباب على عدم الالتحاق بقوات النظام وعدم القتال خارج محافظة السويداء، ليفقد النظام ورقة مهمة، وهي زج أبناء السويداء في الخطوط الأمامية.

وقال الناشط خالد القضماني لـ “المصدر” إن عدد القتلى من أبناء محافظة السويداء في صفوف قوات النظام انخفض مع ظهور جماعة مشايخ الكرامة، وبدأ التوتر وعمليات الخطف المتبادل بين محافظتي درعا والسويداء تنخفض، فالجماعة اتهمت رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية “وفيق الناصر” بالوقوف خلف هذه العمليات.

وأضاف بأن النظام أقدم على اغتيال مؤسس الجماعة “وحيد البلعوس” في شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي، بعد أن شكلت ظاهرة مشايخ الكرامة تحدٍ حقيقيٍ لقوات النظام ومخططاتها في محافظة السويداء.

مصالح مشتركة

وكانت لغة المصالح المشتركة هي الضامن الأكبر خلال السنوات الماضية، وكان لها دور في إفشال مخططات قوات النظام.

وقال الناشط سامر الرفاعي لـ “المصدر” إن محافظة السويداء كانت الملجأ لعشرات الآلاف من أبناء محافظة درعا الفارين من بطش قوات النظام، لذلك كان ثوار درعا حريصون على عدم إشعال أي فتنة، كما أن محافظة السويداء شكلت السوق البديل لتصريف المحاصيل الزراعية لفلاحي محافظة درعا، والمصدر الأساسي للمواد الغذائية التي أمنت العمل لآلاف العمال في ريف درعا الشرقي، ولسيارات النقل.

وأشار إلى أنه في المقابل كانت أسواق درعا المنفذ الأبرز لفلاحي وتجار السويداء، لذلك كانت العلاقة التجارية هي الضامن الأكبر، كما أن معظم الأسر التي انتقلت للعيش من درعا إلى السويداء هم من المرتاحين مالياً بسبب اغتراب أبنائهم، مما ساعد على نشاط الحركة التجارية في أسواق محافظة السويداء.

وأضاف بأنه نتيجةً للعلاقات الجديدة والتي اعتمدت على أساس تاريخي، كان واضحاً حرص الأهالي والثوار على ضمان الهدوء، والذي كان ظاهراً لا سيما في الآونة الأخيرة، فتشكيلات الثوار بدرعا بدأت عقب مناشدات أهالي وفعاليات السويداء حملة تستهدف عصابات الخطف والسرقة العاملة بين محافظتي درعا والسويداء، ونصبوا الحواجز لهذه الغرض.

وفي المقابل لا تزال مجموعات تعمل لحساب قوات النظام والميلشيات الموالية له، تنشط في المناطق الفاصلة بين محافظتي درعا والسويداء، فمنذ بداية شهر أيلول/سبتمبر الماضي تم تفجير عدد من العبوات الناسفة في ريف درعا الشرقي، استهدفت عدداً من قادة الحراك الثوري، ومن ضمنهم نائب قائد ألوية العمري الدكتور “ملوح العياش”، وتبنّت قوات النظام هذه العمليات، فالميلشيات الموالية له هي من زرع العبوات الناسفة.





المصدر