"رويترز" تجري تحقيقًا يرصد المرتزقة الروس في سوريا


أجرت وكالة "رويترز" للأنباء تحقيقًا كشفت فيه عن وجود قويٍّ للجنود الروس في سوريا، مؤكدة أنهم مرتزقة جنَّدتهم الحكومة الروسية، وليسوا جنودًا نظاميين.

ومن الناحية الرسمية لا تشارك روسيا في سوريا إلا بقوة جوية وعدد صغير من القوات الخاصة على الأرض، وتنفي موسكو انخراط قواتها في عمليات قتالية برية منتظمة، لكن من خلال مقابلات أجريت مع أكثر من 12 شخصًا على دراية مباشرة بنشر القوات، خلص التحقيق إلى أن المقاتلين الروس يلعبون دورًا أهم بكثير في القتال على الأرض من الدور الذي يقول الكرملين إن الجيش النظامي الروسي يقوم به في سوريا.

ووصفت المصادر المقاتلين الروس بأنهم متعاقدون أو مرتزقة عيّنتهم شركة خاصة وليسوا قوات نظامية، لكن على رغم دورهم غير الرسمي وفقًا لهذه الروايات فإنهم يعملون بالتنسيق مع الجيش الروسي ويحصلون على امتيازات في روسيا تمنح في العادة للجنود النظاميين.

وكشفت الوكالة عن مقتل مكسيم كولجانوف البالغ من العمر 38 سنة قرب حلب، وسيرغي موروزوف (38 سنة) قرب تدمر، وفي جنوب روسيا تسلّمت عائلتا المقاتلين ميدالية "الشجاعة" وشهادة موقعة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأكد التحقيق الذي أجرته "رويترز" أن كولجانوف وموروزوف لم يعملا لدى الدولة الروسية، وكان كل منهما في سوريا بصفة متعاقد خاص، وهم جزء من قوة نشرها الكرملين سرًّا في سورية.

ولم يعلن عن مقتل كولجانوف وموروزوف وآخرين غيرهما، وتقول عائلات هؤلاء إنهم تلقوا معلومات قليلة، وطلب منهم عدم مناقشة الأمر، وفي إحدى هذه الحالات حصلت عائلة مقاتل قتل في سوريا على نحو مئة ألف دولار كتعويض.

ولم تتمكن "رويترز" من تحديد عدد هؤلاء الروس المرتزقة الذين يقاتلون في سورية، ولا العدد الإجمالي للقتلى والجرحى من بينهم، لكن ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر قالوا إن هناك وحدات كثيرة لها نفس قوام الوحدة التي كانت تضم كولجانوف وموروزوف.

وقال ثلاثة أشخاص كانوا يعرفون موروزوف وكولجانوف، إنهما قاتلا في صفوف نفس الوحدة في أوكرانيا، وانتهى بهما الحال في سوريا، وذكر أحد المصادر أن الوحدة كانت بقيادة رجل يستخدم اسمًا مستعارًا هو "فاغنر"، وأصبح قائدًا للمرتزقة الروس في سوريا، ولا يعرف الكثير عن هوية الرجل الحقيقية، ويقول اثنان من رفاق "فاغنر" إنه سافر بالفعل إلى سوريا كمقاتل من المرتزقة في 2013، قبل أن يقود مجموعته من المقاتلين الروس في شرق أوكرانيا، ثم عاد "فاغنر" إلى سوريا، حيث بدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر في أيلول/سبتمبر 2015.

وقال أحد قادة المتمردين الأوكرانيين، وكان مقربًا من مجموعة "فاغنر" في شرق أوكرانيا، إن مقاتلين كثيرين انجذبوا للقتال في سوريا، لأنهم وجدوا أن من الصعب عليهم العودة للحياة المدنية، وأضاف: "ألتقي بهم الآن وأرى كيف تغيّروا، ليس لدي ببساطة ما أناقشه معهم، لا يمكنهم تصوّر أي حياة أخرى بخلاف الحرب، ولهذا السبب يذهبون للقتال في سوريا".

ويقول ضابط روسي سابق يدعى "كابا" إنه "تم تجنيد المحاربين الروس القدامى في الصراع الأوكراني للقتال على الأرض في سوريا، عندما اتضح أن السوريين لن يتمكنوا من الحفاظ على الأراضي من دون مساعدة، رغم الدعم الجوي الروسي".

وقال كابا: "العرب (في إشارة إلى قوات اﻷسد والميليشيات العراقية واللبنانية) ليسوا محاربين بالفطرة، لكنهم يتلقون تعليمات باقتحام أراض مرتفعة، وهم لا يعرفون كيف يقتحمون، فما بالك بهزيمة غرائزهم والتحرك صوب الرصاص، كيف يمكنك أن تجعلهم يفعلونها؟ ليس أمامك سوى أن تقدم نفسك كمثال".

وردًّا على سؤال عما إذا كان مقاتلو المجموعة ينسقون مع وزارة الدفاع الروسية قال كابا: بالطبع.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 55 عامًا، إن زوجها قتل هذا العام أثناء عمله لصالح متعاقد عسكري في سوريا، وطلبت عدم ذكر اسمها ولا اسم زوجها لأنها تخشى الانتقام. وأضافت: "لم يبلغوني بالأمر إلا بعد مقتله، اتصل بي شاب وأبلغني، وهددني أيضًا حتى لا أخبر أي شخص بالأمر".

وعلى الطرف الآخر تقر السلطات الروسية بسقوط بعض القتلى أثناء القتال في صفوف أفراد الجيش، لكنها تعلن الأمر متأخرًا في كثير من الأحيان من دون أن تقدم حصيلة رسمية.

وقال كابا إن الوحدة الصغيرة التي كانت تضم كولجانوف وموروزوف فقدت أربعة من مقاتليها منذ بدء الحملة الروسية في سورية، بما في ذلك قائدها الذي قتل إلى جانب موروزوف في نفس تبادل إطلاق النار، وأصيب العشرات.

وقالت "رويترز" سابقًا إن الميجر الروسي سيرغي تشوبوف قتل في سورية في الثامن من شباط/فبراير، وقال شخص كان يعرفه إنه كان أيضًا جزءا من مجموعة فاغنر.

وقال طبيب في مستشفى عسكري روسي إن قسم الجراحة الذي يعمل فيه عالج ستة أو سبعة مقاتلين روس، عادوا من سوريا مصابين بجروح نتيجة قتال ولم يكونوا جنودًا روسًا في الخدمة، وأضاف أن العدد الإجمالي للمتعاقدين الجرحى الذين تلقوا العلاج في المستشفى قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وتابع أنه يعلم بوجود مستشفيين اثنين على الأقل في موسكو وسان بطرسبرغ، يعالج متعاقدون فيهما.