الاقتصاد عند الدرجة صفر سياسة


علي العائد

الاقتصاد هو مكثف السياسة. وعندما تكون السياسة قريبة من الصفر علينا أن نتوقع أن حال البلاد، بمؤسساتها، وأفرادها، ستكون تحت الصفر؛ حتى لو نجا بعض هؤلاء من أزمة انسداد الأفق السياسي – الاقتصادي.

في الحالة السورية، قبل الثورة، ساهم غياب السياسة عن الفضاء العمومي للناس، في شيوع الفقر، والهجرة الداخلية، والفساد المعمم، بل وانحطاط حالة القضاء في محاكم البلاد، التي لا تستحق اسم “محاكم”، في معايير العدالة.

أما في سنوات الثورة، ثم الحرب، فأصبح الوضع، على سوئه، منطقيًا.

وإذا كانت طبقة الفقراء معينة دائمًا، وثابتة تقريبًا، بمعنى أن الفقير فقير مؤبد، فإن من استطاع الإفلات من لقب فقير استخدم سلاح الفساد وبرع فيه. مع ذلك، كانت طبقة الفقراء تتسع؛ بسبب فقدان مبدأ تكافؤ الفرص، وانضمام كثير ممن كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى إليها.

تاريخيًا، نهضت الأمم وتقدمت على أكتاف الطبقة الوسطى، وقدمت تلك العقول والسواعد، معظم المنجزات العلمية والفكرية والتقنية. لكن الأنظمة العربية، عامة، وفي سورية خاصة، أسهمت في تراجع التعليم، وفي تراجع الدخل الناتج عن النشاط الاقتصادي الحر، فانعدمت كل حوافز هذه الطبقة، وبالتالي؛ تراجعت إنجازاتها.

على مستوى الاقتصاد الكلي، انخفض إجمالي الناتج المحلي في سورية بنسبة 7 بالمئة عام 2015، بحسب (أسكوا)، وهي منظمة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة غرب آسيا، كما توقعت المنظمة أن ينخفض المؤشر بنسبة 5 بالمئة عام 2016.

هذا التراجع، وفق المنظمة نفسها، أقل من انكماش السنوات الثلاث (2012 – 2013 – 2014)، حيث انخفض المؤشر في هذه الأعوام بنسبة 30.9 بالمئة، 36.5 بالمئة و10.5 بالمئة، على التوالي.

سلبية الانكماش المطلقة، وإيجابيته النسبية، مسألة طبيعية؛ فالقاعدة تقول: إن السلعة، المعمرة خاصة، تخسر الجزء الأكبر من قيمتها في السنوات الأولى من عمرها الافتراضي. وأوضح مثال على ذلك هو السيارة، حيث تخسر ثلث قيمتها في السنة الأولى من استعمالها، لتتناقص الخسارة في السنوات الثلاث التالية، ويثبت سعرها على قيمة تتفاوت بحسب درجة الاستعمال، إلى أن يصبح سعرها ثمن الحديد والمعادن المصنوعة منها.

تشذ عن هذه القاعدة السلع ذات القيمة التاريخية، أو المعادن الثمينة والنادرة.

المثال المعكوس هو الخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة إلى الرواج والنمو، فالاقتصاد العراقي نما عام 2004 بنسبة 50 بالمئة، لكن من أي درك، وما هي قيمة الزيادة المطلقة التي ولدتها نسبة النمو المذكورة!

لم ينجُ قطاع اقتصادي في سورية من التراجع، بما فيها قطاعات النفط والغاز والصناعات الاستخراجية، ليس لأنها واقعة في مناطق ساخنة عسكريًا فحسب، في دير الزور، والرقة، والحسكة، وريف حمص وتدمر، بل لأن عنصر الاستهلاك تراجع كثيرًا أيضًا؛ بسبب تراجع القوة الشرائية لليرة، والتضخم الفاحش؛ نتيجة فقدان السلع من الأسواق. وساهم عامل النزوح واللجوء والنزوح، وشلل حركة المواصلات بين المدن والمحافظات، في فقدان عنصري التبادل والتوزيع قدرتهما على رفد الاقتصاد بأهم عناصر نموه.

تعد الزراعة بفقدان عنصر التوزيع، حتى لو كان الإنتاج وفيرًا، أهم القطاعات المتراجعة؛ فالمساحة الزراعية الكبرى تقع في الجزيرة، وحلب، وإدلب، المتنازع عليها، بين الكر والفر، بين عدد غير محدد من الفصائل العسكرية، من الفصائل المعارضة، إلى النظام، إلى داعش.

ساهم تقطع الطرق بين المدن والأرياف السورية في فقدان ميزة الإنتاج الوفير من الحبوب في موسم 2014، كما يساهم هذا العام ارتفاع إنتاج التفاح إلى تلفه، ورخص أسعاره؛ نتيجة ارتفاع أجور التخزين في البرادات الخاصة والعامة.

هذا انعكس -تراجعًا- في تجارة التجزئة؛ نتيجة ارتفاع التكاليف، وبالتالي؛ ارتفاع الأسعار، فانعكس ذلك على المستهلك في المناطق غير المنتجة.

حتى قطاع الصناعات التحويلية، الواقع في مناطق يحكمها النظام في الساحل، أو المنطقة الصناعية في عدرا، لم يساهم في تحسين الأرقام الكلية للاقتصاد، على الرغم من الضخامة التاريخية للقطاع في الاقتصاد السوري.

التوقعات متشائمة في الأشهر والسنوات المقبلة، استنادًا إلى مبدئية المعارضة في مطلب إسقاط النظام؛ فالنظام -هنا- مكافئ لمنظومة الدولة المخابراتية، وانهيار تلك المنظومة يعني انهيار “الدولة”، لأن “اقتصاد رفعت الأسد” القائم على الفساد والمحسوبية، لا يزال معمولًا به حتى اليوم، حيث تحتل الأتاوة والرشوة محل القوانين والأنظمة.

أما الدولة، كمستثمر، فلا محل لها في اقتصاد الحرب، ولا تختلف هذه الدولة في “رشدها الاقتصادي” عن “رشد الأفراد” الذين يشترون العقارات في الشوارع التي تسيل فيها الدماء.




المصدر