كيف لنا أن نصدّق؟

6 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
3 minutes

إبراهيم صموئيل

عديد من نزلاء سجن تدمر الشهير، خلال زمن طغيان الأسد الأب، كانوا يمتنعون عن رواية كلّ ما جرى معهم وما عانوا منه خلال سنوات اعتقالهم. أو كانوا ـ إذا ما ألحَّ الأصدقاء والمعارف وأصرّوا ـ يروون “من الجمل أذنه” على حدّ المثل السائر.

سألت أحد أقرب أصدقائي -وكان سجينًا هناك- عن السرّ في تكتم البعض منهم على تفاصيل ما جرى معهم، فقال: لا تكتّمًا، ولا شيء من هذا القبيل؛ كلّ ما في الأمر أن ما شهدناه وعانينا منه هناك أعصى من أن يُصدّقه عقل. ولذا، ينتقي البعض، أو يقتصر على المعقول والقابل للتصديق من الوقائع والأهوال، كي لا يخال السامع أن ما نرويه تلفيق بتلفيق.

وبسبب من كونه صديقي القديم، كان قد حكى لي التجربة كاملة، بأصغر دقائقها، وأعجب وقائعها، وأغرب مشاعر السجناء المتولّدة جرّاء الهرس الخرافي الواقع على أرواحهم. ولأكون صادقًا أقول بأنني -في لحظات، وإزاء مشاهد يحكي عنها- كنتُ أجد نفسي على تخوم التكذيب، إذ لا يُعقل حقًا أن يجري ذلك مع سجناء كلّ ذنوبهم أنهم جهروا برأي آخر.

لكنني، وبسبب تجربتي للسجن -وإنْ لم يكن في تدمر بالذات- فقد كنتُ أصدّق ما لا يُصدّق، وأتفهّم تمامًا تجنّب عدد من السجناء الحديث عن وقائع بعينها جرت في سجن تدمر، وعن مشاعر بذاتها انتابت نزلاء ذلك السجن الرهيب.

أتفهم خشية السجناء من ظنّ بعض مَنْ يستمع أن الكلام مبالغ به، والحال أنّ التجربة ألعن وأمرّ وأقسى بما لا يُقاس من الكلام عنها.

والآن، إذا ما أضفنا أنّ ذلك كلّه قد حدث قبل سنوات كثيرة على قيام الثورة، أيام كان الطغيان الحاكم في أوج استقراره، واطمئنانه إلى ثبات قمعه، ورعب الناس من بطشه.. فكيف لنا أن نتخيل -وبالتالي أنْ نصدّق- ما عسى أن يكون عليه المخطوفون السجناء في المجاهل بعد أن هبّوا، وقامت الثورة، ومرّغوا وجوه الطغاة بالعار، وزعزعوا بنية طغيانهم؟ ما عساه جرى ويجري -حتى اللحظة- في تلك المجاهل؟!.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]