لاجئون سوريون في متاهة “أتاتورك”


كانت تركيا إلى وقت قريب تحظى بأنظار الاستحسان والإعجاب، على انتهاج حكومة أنقرة سياسة “الباب المفتوح” اتّجاه اللاجئين السوريين بداية موجات النزوح السورية العام 2011، إلا أن ذلك الباب بدأ يوصد تدريجيًا منتصف العام 2015 بدءًا من إغلاق الحدود البريّة في وجه القادمين إليها، وصولاً إلى فرض تأشيرة دخول على القادمين جوًا، وإغلاق المطارات وراء المغادرين.

في الأشهر الأخيرة توقفت تركيا عن استقبال السوريين، وتناقلت وسائل إعلام عربية وغربية أنباءً عن سقوط قتلى في صفوف مجموعات من المدنيين حاولوا عبور الحدود البرية هربًا من القصف، في ظلّ الحملات الروسية المتكرّرة على الشمال السوري، في حين قامت أنقرة لمرّات قليلة بفتح حدودها أمام حالات طارئة، تزامنًا مع قرارها مطلع العام الجاري فرض تأشيرة دخول على السوريين القادمين إليها، كما بات الخروج من البلاد صعبًا أيضًا، فعلى الرغم من استقبال كندا وفرنسا على وجه الخصوص لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين عبر السفارات ومفوضية الأمم المتحدة، إلا أن العديد من السوريين اشتكوا من منعهم من السفر من طرف الحكومة التركية، خصوصًا المصرّحين بحصولهم على شهادات عليا.

الصحافي المختص بالشأن التركي عبو حسو، أكّد في حديث إلى “جيل”، وجود توجيهات بمنع سفر الكفاءات السورية من حملة الشهادات العلمية العليا أو أصحاب المواهب الفنيّة، وأضاف حسو “بدأت الحكومة التركية بمنع الكفاءات السورية من السفر رغم حصولهم على لجوء وتأشيرة وبطاقة طائرة، حيث تتمّ إعادتهم من المطار دون مبرّرات، إلا في حال وجود “حالات إنسانية صعبة”، وأوضح حسو أن اللاجئ السوري يجب أن يحمل بطاقة الإقامة السياحية أو إقامة العمل، أو بطاقة الحماية المؤقتة “كيملك” كي يستطيع المغادرة بدون دفع غرامة لكن بلا عودة”.

وتتجسّد الخطوات القانونية لسفر السوريين الذين يحملون فقط بطاقة الحماية المؤقّتة، بالتوجّه إلى مركز الهجرة في مكان إقامتهم، والتقدّم بطلب التنازل عن الحماية المؤقّتة بسبب مغادرتهم لتركيا، ليحصل على ورقة تثبت أنه بات خارج نظام الحماية الذي تعتمده تركيا، وبحسب الحقوقي السوري غزوان قرنفل، إن هذه الخطوات تجنّب المسافر دفع غرامة مخالفة التأشيرة في المطار، إلا أن محمد الحاج وهو صحافي سوري غادر تركيا منذ فترة لم ينج من دفع مبلغ 270 دولارًا أميركيًا هو وشقيقته المرافقة له، ويؤكّد الحاج لـ “جيل” أن التعامل في المطار كان سيئًا، مع أنه قام بكل الإجراءات القانونية وسلّم بطاقة “كيملك” لـ “مركز الهجرة في غازي عنتاب” كما تقول التعليمات، ومع ذلك تم تغريمه وتغريم شقيقته المخالفة لإقامة الستة أشهر، بسبب توقّف الحكومة التركية عن منح بطاقات الحماية المؤقتة، وأضاف الحاج: “يخيّرك موظف المطار بين الدفع أو المنع من دخول تركيا، وتصل عقوبة المنع من الدخول إلى 5 سنوات”.

حالات أخرى من السوريين لديهم ظروف مختلفة؛ فهم لا يحملون ثبوتيات سورية لأسباب سياسية أو لفقدانها في القصف وقد دخلوا تركيا عبر الحدود بشكل غير شرعي، وهؤلاء لم تقم السلطات التركية بتنظيم إقامتهم أو منحهم ثبوتيات تركية كما ينصّ القانون الدولي للاجئين، إنّما تركتهم يعيشون في تركيا بشكل طبيعي ثم غرّمتهم عند المغادرة مثل كفاح عباس؛ وهو ناشط سياسي يحمل وثيقة سفر فرنسية لعدم امتلاكه ثبوتيات سورية قال في حديث إلى “جيل”، إنه دفع 500 دولار أميركي؛ لأنه مسافر بالوثيقة الفرنسية ولا يملك وثيقة سورية، في حين دفعت زوجته 200 دولار أميركي مع أنها دخلت تركيا بطريقة شرعية، وتحمل بطاقة “الحماية المؤقتة”. ويرى عباس أن مطار أتاتورك في إسطنبول يتعمّد التضييق على السوريين عكس المطارات التركية الأخرى.

ويظنّ بعض السوريين، أن الحظ يلعب دورًا كبيراً في ما يحدث معهم، كما يُؤخذ بعين الاعتبار مزاج الموظف ورغبته في تسيير الأمور، حيث تشير عليا حسن وهي سيّدة سورية غادرت تركيا مؤخرًا برفقة نجلها الشاب، إلى أن الإجراءات كانت طبيعية جدًا بدون أيِّ تضييقات أو غرامات، وعلّقت عن حالها بالقول: “لم نشعر مطلقاً أننا سوريون”، وأضافت عليا أنه سمعت تحذيرات العديد من الأصدقاء من الغرامات التي يمكن أن تدفعها، لكن الأمور سارت بشكل طبيعي أكثر من المتوقّع، رغم أنها وابنها تجاوزا مدة تأشيرة الدخول ويحملان فقط بطاقات “الحماية المؤقتة”.

الإجراءات التركية في المطارات، تأتي بحسب مراقبين كورقة ضغط على الحكومات الأوروبية للالتزام بالاتفاق التركي الأوروبي، والذي ينصّ على إعادة عدد من اللاجئين إلى أوروبا، مقابل منح المواطنين الأتراك حقّ دخول منطقة “شينغن” دون تأشيرة، وفي الوقت ذاته فتحت هذه الإجراءات على الحدود البريّة بابًا واسعًا لسوق التهريب بمبالغ مرتفعة، حيث وصلت تكلفة تهريب الشخص من سورية إلى تركيا إلى حوالي 1000 دولار أميركي، بحسب فادي صواف السوري الذي يحاول أن يجلب شقيقته للعيش معه في غازي عنتاب.

مصاعب السفر في تركيا لا تنحصر فقط في المغادرين خارج البلاد أو القادمين إليها؛ بل تطاول أيضًا المقيمين في المناطق الجنوبية والمضطرّين للحصول على إذن سفر، يوضّح هذا الإذن مكان السفر وأسبابه ويمتدّ لأسبوع فقط، ولا يحقُّ بعدها لحامله البقاء خارج الولاية القادم منها، تحت ذريعة سحب بطاقة الحماية المؤقتة.

كل الروايات تعكس عدم وجود قانون واضح يضمّن حقوق اللاجئين السوريين وينظّم معاملتهم في تركيا، والتي على الرغم من كل التسهيلات التي تقدمها، ما زالت تعتبر السوريين “ضيوفاً” أو “مهاجرين”، مجرّدةً إيّاهم من كل حقوق اللاجئين المنصوصة في اتفاقية جنيف 1951 والبروتوكول المُعدل عام 1967.



صدى الشام