موسكو وطهران تفكران بالخطوة التالية في حلب


الشرق الأوسط

بينما يحبس العالم أنفاسه انتظارا لما سيحدث لاحقًا في مدينة حلب، عاصمة شمال سورية، يتساءل المحللون عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قضم أكثر مما يستطيع مضغه؟ لقد واصلت روسيا، على نحو متقطع، قصفها حلب لما يزيد على السنة في حالة نموذجية لـمحاولات كسر إرادة العدو، وإضعاف عزيمته ورغبته بمواصلة القتال. في هذه الحالة النموذجية، نصل حتما إلى النقطة التي يدرك فيها العدو أنه لم يعد ثمة مبرر لمواصلة اللعب، فيبدأ، بالتالي، في البحث عن سبيل للفرار.

وفي هذا الوقت، بالتحديد، تفتح أمامه طريق للهرب، تمامًا كما صنعت روسيا في حلب من خلال وقف إطلاق النار الموجز لمدة 10 ساعات فقط، والذي تمكنت القوات المعارضة للأسد خلالها من الفرار إلى بر الأمان والسلامة. غير أن المشكلة هنا تكمن في أن المعارضة لم تتقبل فقط الدعوة للخروج الآمن، بل استغلت فرصة الساعات العشر لشن ثلاثة هجمات على الجزء الغربي من المدينة الذي لا يزال خاضًعا لسيطرة قوات الأسد. أوين بينيت – جونز، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) كان يوم الأربعاء الماضي قدم سؤالًا إلى وليد المعلم، وزير خارجية النظام السوري، هو «متى تتوقعون أن تسقط حلب؟» فأجابه المعلم «الله أعلم، قد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا للغاية». ولقد أوضح المعلم أيضًا أن ليس لدى حكومة النظام وحلفائها مخططات للاشتباك مع مسلحي تنظيم داعش الإرهابي المتطرف؛ ما من شأنه أن يعيد إحياء التكهنات بشأن وجود تفاهم ضمني بين نظام الأسد والتنظيم المتطرف الذي يتخذ من مدينة الرقة السورية عاصمة لـ«خلافته» المزعومة. كذلك، عندما ُسئل المعلم عما إذا كانت للرئيس الأسد أي خطط لمهاجمة الرقة من أجل مضاعفة الضغوط الممارسة على «داعش» الذي يعاني الهجمات الشرسة حاليًا في الموصل وضواحيها، أجاب المعلم بنفي قاطع معتاد. وقد تكون الأولويات التالية، كما قال وزير الخارجية السوري، ناحية محافظتي الحسكة وإدلب، وهي المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد والعرب السنة من غير الموالين لـ«داعش».

في هذه الأثناء، من خلال التنقل بين مختلف التغطيات الإعلامية الإيرانية والروسية حول الحملة العسكرية في حلب يتضح الأمر بجلاء أن القوتين اللتين تدعمان نظام الأسد لا تتوقعان انتصارًا سهلًا وسريعًا هناك؛ إذ قال مراسل وكالة أنباء «فارس»، المؤسسة الإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني، في تقريره الصادر من قلب مدينة حلب «لقد استغل التكفيريون الفرصة لشن الهجمات». ووفقًا له، فإن قوات المعارضة المناهضة للأسد قد شنت نحو خمس هجمات انتحارية في اليوم وسيلة لتلطيف العمليات الاعتيادية اليومية التي يستخدمون فيها الأسلحة الحديثة.

وخلال الأسبوع الماضي، كما هو معروف، استضافت موسكو اجتماعا عقد في عجالة ضم وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسورية لمناقشة حالة الجمود الراهنة في حلب. ووفقا لوكالة «سبوتنيك» الإخبارية الروسية فإن الوزراء عكفوا على دراسة مختلف الخيارات المتاحة من أجل ضمان إحراز المزيد من التقدم في حلب، وهي طريقة ملتوية للإعلان عن أن الاستراتيجية الحالية لم تلفح في تحقيق الأهداف المطلوبة على الأرض هناك. وأشارت وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية إلى أن التركيز قد تحّول من تحقيق النصر السريع في حلب إلى «الحملة الطويلة الأجل ضد الإرهاب» و«وسائل وقف المساعدات الخارجية من الوصول إلى الجماعات الإرهابية في الداخل».

ووفقًا للمتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، مايا زخاروفا، فإن موسكو وطهران تعكفان على وضع الخطط الرامية إلى «تسوية المشكلات الإنسانية في سورية، وتمهيد الطريق للوصول إلى حل سياسي للنزاع القائم»؛ مما يشير مرة أخرى إلى أن آمال الانتصار السريع قد ذهبت أدراج الرياح. ومن الإشارات الأخرى الدالة على أن الأوضاع في حلب لم تكن تسير بسلاسة بالنسبة لروسيا وإيران، أن طهران أعلنت عن إعادة نشر عدد من مستشاريها في سورية بنقلهم إلى مواقع أكثر أمانًا. وجاء ذلك الإعلان في أعقاب الإعلان عن مقتل ثاني جنرال من قوات الباسيج الإيرانية، الجنرال محمد عتابه، في حلب التي مزقتها الحرب الضارية؛ ما يرجح بأن عدد كبار الضباط الإيرانيين الذين لقوا حتفهم في سورية قد تجاوز 500 ضابط أو يزيد.

«كان الأمل المنعقد لدى موسكو وطهران هو إحكام السيطرة على حلب أثناء انشغال الولايات المتحدة الأميركية بحملة المحلل الإيراني ناصر زماني يقول معلقً الانتخابات الرئاسية الجارية فيها، إلا أن هذا الأمل قد تلاشى تماما. وتحاول إيران حالًيا ألا تجذب مزيًدا من الانتباه إليها كي لا تتحمل اللوم حيال أي فشل محتمل في المستقبل. ومن شأن ذلك أن يدفع بالرئيس الروسي بوتين للمفاضلة بين تكثيف حدة القتال أو البحث عن وسيلة للخروج».

بعض المحللين يعتقدون هنا أن بوتين يفكر في مصير على طراز غروزني بالنسبة لحلب؛ ما قد يعني تحويل المدينة السورية إلى كومة من الركام والأنقاض كما فعل تماما في العاصمة الشيشانية قبل عشر سنوات أو نحوها. مع ذلك، فإن خيار كهذا، وهو المعروف في الاصطلاحات العسكرية الروسية باسم «الإعدام»، ليس من السهولة تنفيذه في حلب. ذلك أن بوتين بات في مواجهة المعضلة الكلاسيكية المفترضة في أي حرب غير متناظرة؛ إذ عليه أولا أن يسيطر على الأرض، ثم يعمد إلى تطهيرها من القوات المسلحة المعادية، وبعد ذلك المحافظة عليها. وكان هذا الأمر سهلًا عليه تنفيذه في عاصمة الشيشان؛ نظرا لأنها تحتل مساحة ضئيلة من الأرض ومحاطة بالأقاليم المعادية والعاجزة عن الحصول على التعزيزات من الخارج.

ولقد نجح «سيناريو» غروزني من قبل بسبب تمكن بوتين من حشد القوة البشرية الكافية للسيطرة على المدينة بعد تدميرها بالكامل. وليس هناك عامل من هذه العوامل متاح في حلب أو في سورية على وجه العموم. ومن ثم، فما يبدو شبه مؤكد هو أن بوتين قد أدرك أن خطة حلب لن تكون سهلة ويسيرة كما تصور في بادئ الأمر. من ناحية ثانية، جاءت التحذيرات بشأن هكذا نتيجة من قبل الجنرال إسماعيل قاآني، الرجل الثاني بعد الجنرال قاسم سليماني في قيادة «فيلق القدس» بالحرس الثوري الإيراني، وهو الفيلق المسؤول عن الدور الإيراني الكبير في الحرب الأهلية السورية؛ إذ صرح قاآني في بيان أصدره يوم أمس بـ«إن ما يجري في سورية حرب حياة أو موت. وستستمر هذه الحرب، على الرغم من أن العام المقبل سيكون عام الحسم بالنسبة لهذه الحرب». ثم أضاف في انتقاد خفي للطريقة التي أدارت بها كل من إيران وروسيا هذه الحرب «إن هذه الحرب تتعلق بهويتنا، إنها مسألة وجودية بالنسبة لنا. وإننا اليوم في سورية في حاجة إلى قادة يمكنهم فرض إرادة الجمهورية الإسلامية على الأعداء».

من ناحية ثانية، وفقا لموقع «ديكربان» الإخباري الإيراني، فإن استراتيجية طهران في سورية جلبت عليها الكثير من الانتقادات من جانب الكثير من القادة في الجيش النظامي، والمهتمين للغاية بالخسائر المتزايدة في أرواح الجنود والضباط الإيرانيين. ولقد أصدر قاسم سليماني، ردًا على هذه الانتقادات، بيانا مقتضبًا دعا فيه «الإخوة والأخوات الأعزاء إلى عدم الاهتمام بالانتقادات المعنية بجوانب معينة من سياساتنا في سورية». ومع ذلك، وجهت الأوامر إلى سليماني لأن يبقى بعيًدا عن سورية، خلال الوقت الراهن على أقل تقدير، والتركيز على معركة الموصل، حيث يمكن لطهران تحقيق نتائج أفضل هناك. ومن الأمور المؤكدة: أن الرئيس بوتين والمرشد الإيراني الأعلى يتساءلان حول ما يجب القيام به بعد ذلك في تلك الحرب التي أثبتت أنها أصعب بكثير مما كانا يتصوران.




المصدر