الآخرون هم الجحيم .. الآخرون هم أنتم


ناصر علي – ميكروسيريا

من مكتبك يمكن أن تتخيل أو تفترض، ولكن من الشارع أو المعمل أو السجن حتى يمكن أن تكون صادقاً أكثر، ولكن أن تجلس وراء جهاز الكمبيوتر في مكتبك الرتيب، وتنتظر قهوتك من سكرتيرة جميلة، ومن ثم تبدأ بكتابة حياة السوريين جملة جملة على أنها أمنياتهم فتلك هي الكارثة التي جلبت لنا رهطاً من الصحفيين لا يعرفون عن بلدهم سوى الطريق إلى بيوتهم الآمنة ومكاتبهم المكيفة.

صاحبة الجلالة الموقع الالكتروني (يبظ) كل يوم مجموعة من المقالات التي توصّف الوضع السوري على مقياس واحد حيث يبلغ النقد مستوى (اللحمسة) باللهجة السورية، وفقط يطال منظومة الفساد والتجار والقليل من حرية الرأي، لكنه يصل إلى حتمية السلاح الشرعي كنتيجة تبعدنا عن المأساة وتقربنا إلى حضن الوطن .. الأسد.

تحت عنوان (الآخرون هم الجحيم) يتنقل بنا عبد الفتاح العوض بين أمنيات السوريين البسطاء حسب تعبيره (ما قبل الأزمة) من حلمهم بسورية على هيئة ماليزيا أو دبي…فهل سأل الرجل سكان العشوائيات التي لا تبعد عن مكتبه أكثر من 2 كيلو متر…والذين حلموا بالماء والكهرباء كما البشر في أفريقيا الفقيرة.

الحلم الثاني البيت والسيارة، وأن أكثر ما يضايقهم هو ارتفاع سعر المازوت من 15- 25 ليرة، وهنا يبدو الفصام الزمني في أن الرجل يعيش في عقد آخر، ونسي أن السوريين كانوا مثالاً للطوابير التي تحتاج لملء قارورة ماء سعة لتر واحد قبل (الأزمة)، وأنهم ذاقوا أنواع الذل من قسائم المازوت إلى دور المخابرات أولاً في (الأزمة).

الحلم الثالث وهنا يرفع العوض من مستوى النقد عندما يتحدث عن (لا حياة سياسية ولا كثير من حرية إبداء الرأي، وكثير من الفساد وجملة من المحسوبيات الفجة)…وهذه نكتة سمجة من الرجل الذي يعرف جيداً الإصلاح أكذوبة الفساد الذي سحب القانون من أنفه لصالحه، وأن الحياة السياسية كانت تعني الأب الخالد والرئيس الخالد، وسيدي رئيس الفرع، و(الله سورية وبشار وبس).

الحلم الرابع هو تبدل الأماني مع بداية (الأزمة)…وأن القصة بدأت بدعوات رومانسية للإصلاح ثم تحول الأمر إلى خلافات بوجهات النظر ثم تطور بخلافات بالنظر نفسه.. وافترقنا)..ببساطة افترقنا هكذا تنتهي القصة….ألم توجه العصي والبنادق إلى صدور الناس كوجهة نظر، وقتل الناس في الشوارع وجرهم إلى السجون فقط من أجل وجهة نظر، وجز الحناجر فقط لمجرد أغنية…وأطفال مدينتك ألم تقلّع أظافرهم لأنهم أرادوا حرية على شكل لعبة أولاد؟.

ثم تتحول وجهات النظر إلى أدعية، أدعية بوقف الدم وعمار البيوت وعدم التقسيم ومن ثم استمرت الخيبات…هكذا “تُمرر” السنوات الخمس في أقل الكلمات فقط لأن بينها ملايين المهجرين والقتلى، واقتصاد بلد ينهار، واستدعاء شياطين الأرض ليقفوا مع الأسد ونظامه…تُمرر كما لو أنها ملحمة نقد لناجي العطري ومدير مكتبه كما اعتادت فرقة عزف (الوطن) في مشروع ابتزازها الذي يعرفه كل من عمل في الصحافة السورية.

الأمنية العامة للسوري هي أن تنتهي الحرب…وما بينهما من دم  وموت ودموع وبلد محطم يسهل ترقيعه ببعض الخطب والمنشورات، والمسامح كريم وتبويس اللحى، وماذا عن الإيراني واللبناني والأفغاني ودعوات الانتقام السوداء، والعتبات المقدسة؟.

وبعد تعداد سلسلة الأماني والانكسارات وتصاعد الفساد والتخلي عن حلم ماليزيا وتأشيرة دبي …يأتي السؤال الكبير: (أمام هذه الحالة التي يعرفها معظم السوريين لماذا حتى الآن لم نصل إلى تشكيل تجمع سوري مجتمعي يضغط معنوياً على الدول التي تدعم استمرار الحرب)؟.

السبب هو أ السوريين وحدهم من يعنيهم إيقاف الحرب، ومن ثم العبارة المقدسة (وأي حديث عن سلاح مقدس خارج الشرعية هو استمرار لإشعال النار الملتهبة أصلا) .

الآخرون هم الجحيم…عبارة حكيمة ولكن من هم الآخرون…هم من حملوا السلاح ضد شعبهم، ويُطالب العوض بهم كشرعية فقط تملك سلاح القتل، الآخرون هم من والاهم، ويستمر في موالاتهم، ومن يبرر لهم.

الجحيم يا سيدي…هم القتلة والمجرمون الذين يرمون البراميل على المدنيين بحجة أنهم حاضنة إرهاب، وهم من قصفوا بالأمس روضة أطفال حرستا.