‘الجنود الأشباح: الروس يموتون سراً في سوريا من أجل الكرملين’

7 نوفمبر، 2016

برهنت بداية هذا العام أنها بداية مميتة لإحدى الوحدات الروسية التي تضم قرابة 100 مقاتل لدعم قوات الرئيس بشار الأسد في شمال سوريا. ففي الثالث من شهر فبراير/ شباط، لقي “مكسيم كولغانوف” البالغ من العمر (38 عاماً) مصرعه أثناء تبادل لإطلاق النار مع الثوار قرب مدينة حلب، وذلك عندما اخترقت رصاصة درعه الواقي لتستقر في قلبه.

 

وبعدها في يوم ٩ مارس/ آذار، تعرضت الوحدة ذاتها لنيران القذائف قرب مدينة تدمر، ليُصاب “سيرغي موروزوي” الذي يبلغ من العمر أيضاً (38 عاماً) ليموت بعدها أثناء نقله إلى المستشفى. وفي جنوب روسيا، سُلِّمَت الأوسمة لعائلاتهم: وسام الشجاعة إلى جانب شهادات موقعة من الرئيس فلاديمير بوتين. وكانت الأوسمة، التي اطلعت عليها رويترز، يُراد بها تكريم وتمجيد التضحية التي قدموها لبلادهم. إلا أن كولغانوف وموزوروف لم يكونا موظفين لدى الدولة الروسية، إنما كانا متعاقدين مع القطاع الخاص، وهو جزء صغير من الجيش يتألف من أشخاص كهؤلاء ينشرهم الكرملين سراً في سوريا. كما لم يعلَن عن مقتل كولغانوف وموزوروف وآخرين غيرهم. وتقول أسرهم أنهم لم يحصلوا إلا على معلومات قليلة وطُلِب إليهم ألا يناقشوا في هذا الموضوع. وفي واحدة من الحالات القليلة التي كشفت عنها رويترز، تلقت عائلة أحد المقاتلين الذين قتلوا في سوريا تعويضاً بقيمة 100 ألف دولار أمريكي تقريباً.

رسمياً، لا تشارك روسيا إلا في الحرب الجوية في سوريا مع عدد وجود عدد قليل من القوات الخاصة العاملة على الأرض. كما تنكر موسكو تورط قواتها في عمليات قتالية برية منتظمة. لكن من خلال المقابلات التي أجريَت مع ما يزيد عن عشرة أشخاص ممن هم على معرفة مباشرة بعمليات الانتشار هذه، تأكدت وكالة رويترز من أن المقاتلين الروس يؤدون في المعارك البرية دوراً أكبر من الدور الذي تدعي الكرملين أن الجيش الروسي النظامي يقوم به. كما وصفت المصادر المقاتلين الروس بالمتعاقدين أو المرتزقة، الموظفين بواسطة شركة خاصة، بدلاً من وصفهم بالقوات النظامية. لكن على الرغم من وضعهم غير الرسمي، وفقاً لهذه الحسابات، إلا أنهم يعملون بالتنسيق مع الجيش الروسي ويحصلون على الامتيازات المتاحة عادة للجنود النظاميين وحسب. وقال الأشخاص الذي أجرت الوكالة مقابلات معهم أن أولئك المرتزقة  يسافرون إلى سوريا على متن الطائرات العسكرية الروسية التي تهبط في القواعد الروسية.

وفي حال تعرضهم للإصابة، يتلقون العلاج في المشافي المخصصة للجيش الروسي ويحصلون على أوسمة من الدولة. ولم تكن رويترز قادرة على تحديد الرقم الدقيق لهؤلاء المرتزقة الروس الذين يقاتلون في سوريا، كما لم تسطع تحديد العدد الكلي للخسائر التي تكبدوها. لكن أولئك المطلعين على عمليات الانتشار المذكورة أفادوا بوجود العديد من الوحدات بالحجم نفسه لتلك الوحدة التي ضمت كولغانوف وموزوروف. أما الكرملين ووزارة الدفاع لم تردا على الأسئلة التي طرحتها الوكالة، كما لم تتمكن الأخيرة من الحصول على أي تعليق من مسؤولين سوريين حول مسألة المرتزقة الروس. وبذلك لم تستطع رويترز تحديد الشركة، أو الشركات، التي استأجرت المقاتلين ولا حتى مصدر المدفوعات المقدمة للمقاتلين أو لعائلاتهم.

عطاءات الكرملين بموجب القانون الروسي، إنه من غير القانوني أن تعمل بصفة متعاقد عسكري خاص في بلد آخر. لكن المواطنين الروس، على الرغم من ذلك، شاركوا في الحروب في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي خلال 25 عام منذ بدء تشكيله وحتى انهياره عام ١٩٩١. وفي عام 2014، شاركت أعداد كبيرة من الروس علناً في القتال نيابة عن الانفصاليين الموالين لموسكو في أوكرانيا. وقالت الدول الأوروبية أن موسكو كانت تنظم تلك الوحدات المتمردة وتدفع لها وتسلحها، أما الكرملين زعم أن أي روسي شارك في القتال إنما وجد هناك بصفته متطوعاً مستقلاً. وانضمت روسيا إلى الحرب في سوريا، العام الماضي، في أول صراع لها خارج حدود الاتحاد السوفييتي سابقاً منذ الحرب الباردة. وكانت الحاجة إلى وجود المرتزقة أمراً متفقاً عليه بين المحاربين القدماء في صراع أوكرانيا. وحسب ما أفاد به ثلاثة أشخاص على معرفة ب موزوروف وكولغانوف، فقد قاتل الاثنان في أوكرانيا كجزء من الوحدة نفسها التي ستأخذهم في نهاية المطاف إلى سوريا.

 

وقال أحد المصادر أن تلك الوحدة كان يقودها رجل له اسم حركي يدعى “فاجنر”، الذي أصبح قائداً لقوات المرتزقة في سوريا. ولا يعرَف إلا القليل عن هويته الحقيقية. إذ يقول اثنين من رفاق فاجنر أنه سافر بالفعل إلى سوريا بصفته أحد المرتزقة عام 2013، وذلك قبل قيادة جماعته من المقاتلين الروس في شرق أوكرانيا. وبعدها قفل عائداً إلى سوريا، حيث بدأت روسيا بالتدخل فيها في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2015. وقد نشر موقع باللغة الروسية صورة لما يقول بأنها الصورة الوحيدة المعروفة له، صورة لرجل أصلع في زي عسكري يسير بالقرب من طائرة هليوكبتر. وذكر الموقع أن اسمه “ديميتري أوتكن”، ولم يتسن لرويترز التحقق من الصورة أو الاسم. وقال أحد قادة المتمردين الأوكرانيين المقربين من جماعة فاجنر في شرق أوكرانيا أن العديد من المقاتلين هناك كانوا يميلون إلى القتال في سوريا لأنهم وجدوا صعوبة في العودة إلى الحياة المدنية. وأضاف: “أنا ألقتي بهم حالياً وأرى كم تغيروا. وببساطة لا أجد أي موضوع للنقاش معهم.

لا يستطيعون تصور أي حياة أخرى دون الحرب، هذا ما دفعهم للقتال في سوريا”. فقد عاد موزوروف، المقاتل الذي لقي مصرعه بالقرب من تدمر، عاد من أوكرانيا إلى بلاده في جنوب روسيا وانخرط في السياسة المحلية. ومن ثم شغل منصب مساعد عضو في البرلمان ينتمي في الأصل لمدينته سامارا وهو “ميخائيل ديغتياريوف”. وأخبر ديغتياريوف رويترز أن موزوروف كان صديقاً له وأكد أنه قد توفي في القتال خلال معركة تدمر. أما “كابا”، وهو ضابط روسي سابق ومتطوع في الصراع في أوكرانيا طلب أن يعرَّف باسمه الحركي، كان صديقاً لموزوروف كما كان يعرف كولغانوف والعديد من الروس الآخرين الذين قاتلوا في أوكرانيا وذهبوا للقتال في سوريا مع جماعة فاجنر. وما يزال كابا على اتصال مع بعضهم. قال أن موزرزف أصيب بالإحباط بعد حضوره اجتماعاً للحزب الديمقراطي الليبرالي اليميني عندما لم يستمع إليه أحد. وعندها تخلى موزوروف عن الدخول في المشاريع التجارية المربحة للالتحاق برفاقه في مجموعة فاجنر في سوريا. وحسب قول كابا، فقد جُنِّد المحاربون الروس القدماء في الصراع لأجل أوكرانيا للمشاركة في المعارك البرية في سوريا عندما اتضح عجز القوات السورية عن الصمود دون مساعدة، على الرغم من الدعم الروسي الجوي.

وأضاف كابا: “العرب ليسوا محاربين بالفطرة، لكنهم التقوا وأخبروا أن عليهم اقتحام أراض مرتفعة. إنهم لا يعرفون كيف يقومون بذلك، ناهيك عن التفوق على غرائزهم والتحرك باتجاه الرصاص. كيف تستطيع إرغامهم على ذلك؟ سيكون ذلك عن طريق وضع نفسك مثالاً، وهذا ما دفع رجالنا إلى تعزيز وحداتهم. وعندما سئِل ما إذا كانت المجموعة تعمل بالتنسيق مع وزارة الدفاع الروسية، أجاب كابا: “بالطبع”.

وحسب ما أفاد به رجلان على معرفة بالعديد من المقاتلين، فقد وصل المقاتلون إلى روسيا عن طريق السفن التي ترسو في ميناء طرطوس الذي تستأجره البحرية الروسية. أو أنهم وصلوا إليها عن طريق الطائرات العسكرية التي تحط في قاعدة حميميم الجوية التابعة لروسيا في غرب سوريا. كما أخبر أحد الأطباء في أحد المستشفيات العسكرية الروسية وكالة رويترز أن المصابين ينقَلون إلى روسيا على متن طائرات شحن عسكرية ومن بعدها يتلقون العلاج في مشافٍ عسكرية. وقال الطبيب الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إذ يخشى فقدان وظيفته، أنه عالج شخصياً متعاقدين أصيبوا بجروح في سوريا وكان دورهم فيها واضحاً من خلال حديثهم. كما أضاف أن هذه المستشفى لا تعترف رسمياً سوى بالعاملين في الخدمة العسكرية وأفراد عائلاتهم أو بالمحاربين القدامى ممن أدوا الخدمة العسكرية لوقت طويل، وهذه المجموعة لم تكن لتناسب المرضى الذين عالجهم. وحسب ما أفد به كابا صديق موزوروف وأقاربه، كانت جثثهم تنقَل إلى روسيا على متن طائرات عسكرية وتسلَّم إلى مشرحة يستخدمها الجيش في مدينة روستوف الجنوبية. وقد شاهد مراسل رويترز وسام الشجاعة الذي قدِّم لكولغانوف بعد وفاته. إذ سُلِّم لمنزل عائلته في تولياتي، مدينة على نهر الفولغا، من قبل شخص يرتدي ملابس مدنية ولم يعرف عن نفسه، حسب أقارب كولغانوف. كما اطلعت رويترز على صورة لوسام الشجاعة الخاص بكولغانوف، الذي يحمل تاريخ 7 سبتمبر/ أيلول، 2016.

السرية لم يخبر كولغانوف أقرباءه عن المكان الذي أرسِل إليه على الإطلاق، لكن الصور التي أرسلها تحوي بعض الدلائل. فإحداها، والتي يقف فيها مستظلاً بشجرة برتقال، معلقة الأن على الحائط في منزل والديه. وقد حصلت عائلته على الإثباتات التي تدل على وجوده في سوريا، لكن بعد وفاته وذلك عندما رأوا جوازه يحمل الختم السوري. وقال أقاربه أن الأشخاص الذي أعلموا أسرته بوفاته عبر الهاتف، وأولئك الذين سلموا جثته لمشرحة روستوف، لم يشرحوا لهم مكان وفاته أو الجهة التي كان يعمل لصالحها. وأردف الأقارب أن الأشخاص الذين تواصوا مع العائلة لم يعرّفوا بأنفسهم كما أخبروا ذويه ألا يتحدثوا مع الصحفيين. وفي حالة أخرى، قالت سيدة روسية تبلغ من العمر (55 عاماً)، أن زوجها قتِل هذا العام أثناء عمله متعاقداً عسكرياً في سوريا. ولم ترغب السيدة بالإفصاح عن اسمها او اسم زوجها خشية الانتقام.

 

وأضافت: “لم يخبروني بذلك إلا بعد وفاته. اتصل بي شاب وأخبرني بالأمر، وهددني. لذلك، لن أخبر أحداً. إنهم أناس مخيفون”. وعلى النقيض من ذلك، تعترف السلطات الروسية ببعض الوفيات الناجمة عن القتال بين أفراد الخدمة العسكرية على الرغم من التأخير وعدم الاحتفاظ بحصيلة رسمية. كما لم تتمكن رويترز من تحديد عدد القتلى الروس في سوريا. ووفقاً لكابا، فقدت الوحدة الصغيرة التي ضمت كولغانوف وموزوروف أربعة مقاتلين منذ بدء الحملة الروسية في سوريا، ومن بينهم قائد الوحدة الذي قتل في تبادل إطلاق النار ذاته الذي أصيب به موزوروف والعشرات من المقاتلين.

 

وأفادت وكالة رويترز في وقت سابق أن الضابط الروسي “سيرغي تشوبوف” قتِل في سوريا في الثامن من شهر فبراير/ شباط. وعلمت رويترز من أحد الأشخاص الذين كانوا على معرفة به أنه كان ينتمي إلى مجموعة فاجنر. هذا وقد قال الطبيب العامل في المستشفى العسكري، والذي تحدث إلى الوكالة، أن قسم الجراحة الذي يعمل فيه قدم العلاج لستة أو سبعة مقاتلين روس عائدين من سوريا بإصابات جراء القتال لم يكونوا يخدمون في الجيش الروسي. وأضاف الطبيب أن العدد الإجمالي للمتعاقدين الجرحى الذين تلقوا العلاج في المستشفى قد يكون أكبر من ذلك في بعض الأحيان. كما يقول أنه يعرف مستشفيين على الأقل في موسكو وسان بطرسبرغ يقدمان العلاج لأولئك المتعاقدين.

 

رابط المادة الأصلي : هنا.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]