الراب السياسي: ثورة بلا ميدان


تداول ناشطون مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، مُؤخّراً، مجموعة جديدة من أغاني الشباب التي استخدَمت نمط الراب في التعبير عن رفضهم للنظام السياسي القائم وإجراءاته التي تقوم على الاستبداد وقمع الحريات وإهدار كل مكتسبات ثورة 25 يناير. وتعد أغاني الراب التي تقوم على الأداء السريع لجمل ذات قافية دون الالتزام بلحن معين؛ جديدة نسبياً على الذائقة الفنية العربية التي اعتادت الطرب وفق الأنماط الموسيقية الصريحة.

الراب والثورة
ومع انتفاضة الشباب العربي في 2011، وبوادر تعرف العالم العربي على الديمقراطية، ثم الانقلاب على تلك الثورات وتمكن الدولة العميقة من العودة بشراسة في أكثر من بلد عربي، ظهرت موجة من الشباب العربي الذين اتخذوا من الراب وسيلة للمقاومة والتعبير عن الوعي السياسي والاجتماعي.
ربما كان المغرب العربي أكثر قرباً من أغاني الراب من بلاد المشرق. وفي تونس، غيرت الثورة من نظرة المجتمع لموسيقى الراب. وبعد أن كان الآباء يعتبرونها موسيقى للبلطجية وأفراد العصابات ويسعون بشتى السبل لتثبيط أبنائهم وإثنائهم عنها، أصبحت شعارا لشباب الثورة، وصار مطربو الراب طبقة جديدة في المجتمع الفني تحظى باحترام شعبي. يقول الناس: “إن هؤلاء الشباب هم من خرجوا للشوارع يهتفون عندما صمت الجميع. وفي ظل شعور الجيل القديم بالذنب لسكوته على الظلم أصبح الراب الشبابي يحظى بالاحترام، بل إن راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي نفسه صرح بأنه يفضل الراب على الموسيقى الشعبية التقليدية المسماة “مزويد”.

الراب المصري
عرفت أغاني الراب في مصر منذ 2006. ولكن بحلول 25 يناير 2011، كثف مطربو الراب من موسيقاهم السياسية التي أخذت شكلاً حاداً، بالرغم من أن الراب السياسي في مصر لا يزال يعمل في الخفاء بسبب الحكومة العسكرية واضطهادها لكل أنوع المعارضة الفنية. الآن، أصبح مغنو الراب يوجّهون موسيقاهم ضد العسكر بوصفه العدو الأول، وأصبح الراب السياسي سلاحاً رئيسياً للدعاية والحشد ضد النظام الحالي. وميدانه الوحيد حتى هذه اللحظة هو مواقع التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب.
الرابر المصري العشريني، أحمد مدحت، (مارشال مدحت) نشر على صفحته على فيسبوك مؤخراً أغنية نقدية بعنوان “أرحب بيك في مصر” ثم أغنية “خافي من يا حكومة” التي أهداها إلى روح كل شهداء الثورة المصرية. وبالرغم من التصوير البدائي لأغانيه؛ فإنه استطاع من خلالها جذب أعداد جديدة إلى هذا الغناء واحترامه، ويظهر ذلك من تعليقات المتابعين وإعادة نشرها. أحمد موسى (الشهير بالكابوس)، رابر مصري، قدم مؤخراً أغنية “قاعد ع القهوة” رداً على وعود السيسي الوهمية للشباب المصري. رابر مصري آخر لم يكشف عن اسمه واكتفى بلقب “الجوكر” قدم مجموعة من الأغاني مثل أغنية “إمشو” الذي قدم فيها نقداً لنظام العسكر، والذي قدم من قبل أغنية “اختلافنا رحمة” في نقد نظام الرئيس السابق

الراب والإخوان
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي؛ أعلن مجموعة من عشاق الراب إقامة حفل بالقاهرة تحت اسم “صوت الشوارع”، أوضح هذا الحدث مدى انتشار السخط الشبابي ضد النظام. فبعد أن دفع المنظمون، وفقاً لكلامهم، كميات كبيرة من الرشاوى لمسؤولين في وزارة الداخلية وبعض المسؤولين الآخرين لإقامة الحفل بنادي شباب الجزيرة؛ حاولت الداخلية تقويض الحفل، ودفعت مدير النادي ليرفض دخول مجموعة من الشباب الثوري الجرحى بسبب استخدام الأمن المفرط للقوة مع المتظاهرين، كان بعضهم يسير على عكازة أو اثنتين، وبعضهم فقد عيناً واحدة أو عينين. وفي النهاية، ألغت الداخلية الحفل رسمياً. ولكنّ المغنين ومشجعيهم رفضوا التفرق، وشقوا طريقهم لمكان آخر وأقاموا حفلهم ومعهم مستمعوهم.

كذلك لم تكن جماعة الإخوان المسلمين بعيدة عن الراب السياسي. فبعد إطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي بانقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، انتشر نوع من المقاومة الإخوانية بموسيقى الراب على يد بعض أبنائها مثل عبد الله الشريف. يقول الشريف وهو مغن في الثلاثين من العمر: “نعم، الإسلاميون يستمعون لموسيقى الهيب هوب، كما أننا أيضاً نبتكر منها سلاحاً قوياً ضد الظلم والاستبداد”. ويضيف الشريف عن الفنانين الآخرين من الجماعة، بأنهم استلهموا أغانيهم وموسيقاهم وأفكارهم من مغني الراب الأميركان المسلمين مثل موس ديف وكينيان ولوب فياسكو. ولكن هناك فرق كبير بين فرق الجماعة وفرق نيويورك المتنوعة.

“جهاديون” يفضلون الهيب هوب
انطلق الراب السياسي ليجتاح العالم، ليصل إلى مناطق لم يكن يُتصور أن تتقبل الراب، فضلاً عن أن تستخدمه لدعواتها السياسية. ففي الوقت الذي كان الإسلاميون المتشددون ينكرون الموسيقى والغناء عامة؛ ظهرت بعض أغاني الراب الموالية للتنظيمات الجهادية. تبنى تيارٌ جهادي موسيقى هيب هوب وثقافة العصابات الأميركية كوسيلة لجذب الغربيين لمنظماتهم. هذه الظاهرة عرفت في التسعينيات باسم “الجهاد كول”، وكان يشمل الموسيقى والملابس والمجلات وأشرطة الفيديو ووسائل الإعلام الأخرى.



صدى الشام