“غضب الفرات” بلا العرب والأتراك: واشنطن تكلف الأكراد بالرقة


بعد سلسلة تصريحاتٍ تركيّة ــ أميركيّة حول فتح معركة القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في أهم معاقله السورية، في الرقة، طوى بيانُ “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، أمس الأحد مؤقتاً، صفحة النقاشات السياسية، الممهدة لبدء المعركة. مع العلم أن تركيا سعت طويلاً لقيادة معركة الرقة، عبر “درع الفرات”، مُعلنة رفضها التنسيق فيها مع “وحدات حماية الشعب” الكردية، إلا أن الأخيرة بإطلاقها لـ”غضب الفرات” حصلت وفق ما هو واضح، على ضوء أخضر أميركي، يُعبّد طريقها لمدينة الرقة، في معركة تلقى اهتماماً دولياً واسعاً، ومن المتوقع أن تكون طويلة وصعبة. و”غضب الفرات” المتجه حسب إعلان “قسد” إلى الرقة، يشكل بلا شك، ضربة لطموح “درع الفرات” في الوصول إلى هذه المدينة، في زمن السباق على تركة “داعش”.

لكن لا يبدو واضحاً بعد الساعات الأولى لإعلان بدء معركة الرقة، ما إذا كانت الإدارتان الأميركية والتركية، قد توصلتا فعلاً إلى اتفاق، أو أن السجال سيبقى سيد المشهد حيال معركة الرقة. كما أن السؤال الأبرز يبقى حول معرفة ما إذا كانت المليشيات الكردية قادرة لوحدها على خوض معركة بحجم الرقة، بحاجة لأربعين ألف مقاتل بحسب الخطط الأولية المسربة. أكثر من ذلك، تنبع خشية كبيرة من ألا يتعاون أهل الرقة، وهم من العرب بالكامل تقريباً، مع قوات كردية متهمة بارتكاب تجاوزات واسعة النطاق في مناطق عربية أخرى على امتداد الأراضي السورية، من انتقام وتهجير وسعي إلى تغيير الهوية القومية الديمغرافية للمدن المحررة من “داعش”.

وفي حين أن المكون العربي في الرقة كما في غيرها كان ولا يزال الضحية الأولى لجرائم “داعش”، فإنه يتعرض، مثلما يحصل في العراق أيضاً على أيدي المليشيات الطائفية الحليفة لإيران، لممارسات انتقامية طابعها قومي و/أو طائفي، على ما اختبره أهالي عين العرب وتل أبيض ومناطق عديدة أخرى. غير أن الرقة تبقى حالة خاصة لخلوها، كمدينة لا محافظة، بالكامل من أي مكون كردي، بالتالي فإنه يخشى أن ينظر إلى المليشيات الكردية، المثقلة بالاتهامات، على أنها قوة غير مرحب بها. ثم تبقى معرفة ردة فعل فصائل المعارضة السورية المسلحة إزاء تهميشها عن معركة الرقة. ويشكك كثيرون بأن تكتفي هذه الفصائل بموقع المتفرج، ذلك أن إقصاءها عن الرقة ستكون له معانٍ كثيرة لناحية مستقبل سورية، الموحد أو المقسم.

من هنا، يخشى كثيرون أن تسير واشنطن بالرواية الكردية حول أن قوات “سورية الديمقراطية” تضم خليطاً كردياً وعربياً، إذ إن العالم كله يدرك أن المكون العربي داخل هذا التحالف، ليس أكثر من ديكور لا وزن حقيقياً له، في حين أن المزاج العربي العام في تلك المنطقة، يتمثل بفصائل الجيش الحر المنضوية خصوصاً في قوات “درع الفرات”. وإن تم تهميش الفصائل العربية بالفعل عن كبرى المعارك ضد داعش سورية، يُخشى أن يكون ذلك معناه المباشر إيذاناً بفرض سطوة لأقلية في سورية المستقبل على الغالبية القومية والطائفية المعروفة.

في هذا السياق، وفي الوقت الذي نفّذت فيه طائرات التحالف الدولي ضربات جوية في مناطق شمالي محافظة الرقة، بالتزامن مع مواجهات بين “قوات سورية الديمقرطية” و”داعش” في محيط بلدة العيش قرب بلدة عين عيسى، أصدرت قيادة “قسد” بياناً، جاء فيه “نعلن بدء حملتنا العسكرية الكبيرة من أجل تحرير مدينة الرقة وريفها، من براثن قوى الإرهاب العالمي الظلامي المتمثل بداعش”، وفق غرفة عمليات أطلقت عليها اسم “غضب الفرات”.

وذكر البيان بأن “غضب الفرات ستسير بكل حزم وإصرار حتى تحقق هدفها في عزل ثم إسقاط عاصمة الإرهاب العالمي”، مشدّداً على أن “الرقة ستُحرر بسواعد أبنائها وفصائلها عرباً وكرداً وتركماناً، الأبطال المنضوين تحت راية قوات سورية الديمقراطية”. وركز بالإسم فقط على “المشاركة الفعالة لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي”، الذي تقوده واشنطن.

ولم يتأخر موقف الولايات المتحدة بعد بيان “قسد”، إذ نقلت وكالة “فرانس برس” عن “مسؤول أميركي رفض الكشف عن هويته”، تأكيده “بدء عملية عزل مدينة الرقة في شمال سورية تمهيداً لتنفيذ هجوم عليها لتحريرها من سيطرة داعش”. وأشار إلى أن “الخطة تقتضي السعي أولاً إلى عزل الرقة تمهيداً لهجوم محتمل على المدينة بالتحديد لتحريرها”، مضيفاً بأن “قوات سورية الديموقراطية هي الشريك المؤهل أكثر من سواه للقيام بعملية عزل الرقة بسرعة”.

ومنذ شهرٍ تقريباً، تصاعدت وتيرة التصريحات حول بدء معركة عزل التنظيم، تمهيداً لطرده خارج أهم مدينة تخضع لسيطرتها في سورية، قبل أن ترتفع النبرة حيال الأمر بين أنقرة وواشنطن، بالتزامن مع إطلاق معركة الموصل العراقية، أهم معاقل التنظيم في العراق، الشهر الماضي. ومن ذلك الحين، برز خلافٌ أميركي ــ تركي، حول وجهة نظر البلدين ومصالحهما في أداء الدور المحوري بمعركة الرقة.

في هذا الإطار، أبدت أنقرة، على لسان كبار مسؤوليها، استعداداً لدعم هذه العملية العسكرية الساعية للإطاحة بعاصمة “داعش” في سورية، شرط عدم مشاركة “وحدات حماية الشعب” الكردية في المعركة، بينما دأب المسؤولون الأميركيون على تأكيد موقف واشنطن، بضرورة مشاركة الوحدات الكردية في عملية عزل الرقة. وقد أفاد قائد القوات الأميركية في العراق وسورية ستيفن تاونسند، أواخر الشهر الماضي، بأن “الوحدات الكردية ستكون من ضمن القوة التي ستعمل على عزل الرقة”، مضيفاً بأن “تركيا لا تريد رؤيتنا نعمل مع قوات سورية الديمقراطية في أي مكان، تحديداً في الرقة”. واعتبر بأن “القوة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة في أي مدى قريب هي قوات سورية الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب جزءاً كبيراً منها. وسنتحرك قريباً لعزل الرقة بالقوات المستعدة للذهاب”.
لكن هذا التنازع بين الجانبين، اللذين يدعم كل منهما قوى برية غير متحالفة على الأرض، يبدو بأنه حُسم حالياً، لصالح الوحدات الكردية، الطامحة بقيادة معركة الرقة برياً. وهو ما كان يصطدم برفض أنقرة، الداعمة لفصائل “درع الفرات” السورية، التي أنهت خلال ثمانية أسابيع، تواجد “داعش” من منطقة يبلغ طولها 90 كيلومتراً، بعمق يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومتراً في ريف حلب الشمالي الشرقي المتاخم للشريط الحدودي مع تركيا. التي أكد رئيسها رجب طيب أردوغان أمس، بأن القوات التي تدعمها بلاده شمالي سورية، تهدف إلى طرد تنظيم “”داعش” من بلدة الباب، وأنها “أصبحت على بعد 12 أو 13 كيلومتراً عن البلدة”.

وعلى الرغم كل الخلاف الظاهر بوضوح بين الدولتين، بشأن الوضع الميداني شمالي سورية، اجتمع رئيسا أركان البلدين، أمس في أنقرة، لمتابعة النقاش على ما يبدو حول مستقبل هذه المعركة والدور التركي فيها.

ونقلت وكالة “رويترز” بياناً صادراً عن “القوات المسلحة التركية” ذكرت فيه، أن “رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي خلوصي أكار، التقى نظيره الأميركي جوزيف دانفورد في أنقرة، بناء على طلب الجيش الأميركي”، ولكن تفاصيل الاجتماع، لم تتضح بعد.
وفي سياق ردود الأفعال الدولية حول معركة استعادة الرقة من تنظيم “داعش”، أعربت فرنسا، عن موقفها الداعي لضرورة بدء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، بعملية طرد “داعش” من الرقة، بالتزامن مع العملية العسكرية الواسعة المتزامنة ضد التنظيم في مدينة الموصل العراقية. وجاء موقف باريس، على لسان وزير دفاعها جان إيف لو دريان، الذي عبر عن اعتقاده بأن “هذا سيكون ضرورياً”، مضيفاً بأن “معركة الموصل قد تكون طويلة ومعقدة، نظراً إلى أن المتشددين يختبئون وسط السكان”. ويسود اعتقادٌ على نطاق واسع، بأن معركة الرقة، ستكون طويلة وصعبة، إذ إنها مركز ثقل التنظيم عسكرياً في سورية، وأول وأهم محافظة سيطر عليها في سورية.



صدى الشام