إذا كان الغرب ضعيفًا، ستكون روسيا بوتين أكثر تهديدًا

8 نوفمبر، 2016

أحمد عيشة

تعزز الأزمة في ديمقراطياتنا الليبرالية، دور الكرملين، ما تجعله عدوًا خطِرًا وفق تحذيرات المخابرات البريطانية MI5 والناتو

تصوير نورما بار

قال لينين ذات مرة: “إن الرأسماليين يبيعوننا الحبل الذي سنعلق مشانقهم به.” فلاديمير بوتين ليس لينين، ولا يمكن لنظامه –الذي تديره نخبة تتمتع بامتيازات القلة وتمتلك حساباتٍ خارجيةً مهرّبة- أن يُوصف تمامًا بأنه معادٍ للرأسمالية. ولكن في المواجهة الجديدة لروسيا مع الغرب، كان على إستراتيجية الكرملين أن تستغل الضعف والارتباك الغربيين، بقدر ما هو مضبوط لبيان وجهٍ عدوانيّ، سواء في أوكرانيا أم في سورية أم في الفضاء الإلكتروني. ولعلّ هذا هو السبب في أن رئيس المخابرات البريطانية حذر من ضرورة تجنب تدخلٍ معادٍ لروسيا.

لم يكن لينين معلمًا أيديولوجيًا لبوتين. الأجانب، سواءً المسؤولين الرسميين أم المستثمرين، الذين التقوا مطولًا مع بوتين يشيرون أحيانا إلى طريقته الخاصة من البراغماتية، حتّى إنَّ أنجيلا ميركل قالت ذات مرةٍ أنه “يعيش في عالم آخر”). إذا شعر بنكسة قوية، فسيتكيف، وإن يكتشف الثغرات، فسيضرب في المواقع الضعيفة، كما يقول.

مما لا شك فيه أن القوة الروسية هي بحالة الهجوم. منذ عام 2014، عندما نشرت قواتها في أوكرانيا وضمت الأراضي منها، وحيث تم تحليل سياساتها في سورية على أنها معاديةٍ علنًا للمساعي الغربية، أصبحت “العدوانية الروسية” دعامة الخطاب السياسي الرسمي في الغرب. ولكن أبعد من التباهي بقوات روسيا النووية، تبرهن على قدراتها العسكرية التقليدية الجديدة وتفعل جيشًا إلكترونيًا (يجب ألا يُقلل من أهمية أيّ منهم)، يعتمد نظام بوتين -آملًا أن الديمقراطيات الغربية ستتعثر وتصبح غير قادرةٍ- على أن تقاوم بشكلٍ حقيقي.

وقال إنه يُنتظر أساسًا أن نستسلم. معاهدة بريخت هي جزءٌ واحدٌ منه، لأنه في نظر الروس، لدى روسيا القدرة على تقسيم الغرب. نمو الحركات الوطنية-الشعبوية في أوروبا وفي أماكن أخرى هو جزءٌ آخر، لأنها تردد سردية الكرملين ضيقةَ الأفق وتنتج حلفاء مفيدين. وتناسب حالة الجناح اليساري الراديكالي المعادي لأميركا بسهولة، كما كانوا يفعلون منذ عقود عندما كان يتظاهر دعاة السلام في الغرب، في حين كانت الكتلة الشرقية تنشر الصواريخ خلال فترة الحرب الباردة.

كأمرٍ غير معقولٍ، يوحد اليمين المتطرف واليسار المتطرف جهدهما في أوروبا اليوم عندما يتعلق الأمر بروسيا، إذ يرى اليمين المتطرف الفضائل في بوتين؛ فهم مفتونون بصورته، الرجل القوي، وبالقيم المسيحية المحافظة جدًا التي يعبر عنها، والعدائية التي يشتركون بها تجاه المسلمين. ويرى فيه اليسار المتطرف زعيمًا تمت شيطنته بغير حق، زعيما مستضعفًا لكنه قادرٌ على مواجهة الضرر الأكبر لـ “الإمبريالية الغربية الجديدة” -أيًّا كان سلوك روسيا في إمبراطورتيها السابقة. إنَّ فشل السياسيين مثل جيرمي كوربين، وجان-لوك ميلانكون (يعادل زعيم حزب العمال من اليسار الفرنسي) في التنديد بوضوح بقتل روسيا للمدنيين في حلب يشير إلى نوع من الرضا، أو إلى صمت، تحرص موسكو جيدًا على أن تستثمره.

لمدة عقدً ونصف، كان الغرب مُركزًا على خطر الإرهاب الدولي، ولكّنه الآن يجد نفسه مضطرًا إلى التركيز على تهديد الدولة أيضًا؛ فتحديد طبيعة ومدى التهديد الروسي، وما ينبغي القيام به حيال ذلك، هي المسائل التي لا تزال قيد المناقشة في أوروبا وخلال الانتخابات الأميركية. ولكن الادّعاء بأن مسؤولين في حلف شمال الاطلسي ووكالاتٍ أمنية غربية يبالغون عمدًا في الخطر المقبل من روسيا لأغراضٍ تخدم مصالحهم الذاتية (مثل تضخيم ميزانياتهم) يقف إلى جانب تصعيد المشكلة التي لا يمكن إنكارها.

من يريد أن يقتنع بذلك، فالسفر إلى منطقة بحر البلطيق قد يوفّر له معلوماتٍ قيّمة. حضرتُ مؤتمرًا دوليًا عُقد مؤخرًا في ريغا، عاصمة لاتفيا، تركّز كثيرٌ من الحديث -لأسباب مفهومة- على تعزيز ضمانات الدفاع الغربية (تم الطلب إلى دول حلف شمال الاطلسي أن تنشر أربع وحدات عسكرية في بولندا ودول البلطيق الثلاث في حزيران/ يونيو2017). قد يكون مغريًا لعدِّ هذه الخطوة “استفزازًا” مفتوحًا تجاه روسيا، ولكنها هي أقل من ذلك إذا قمت بزيارة متحف ريغا لعمليات الاحتلال، حيث يروي بشكلٍ واضح تاريخ أمةٍ واحدة صغيرة تعرضت للغزو والاضطهاد من جانب قوى عظمى (ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي).

وجدت الأكثر لفتًا للانتباه، قول المسؤولين اللاتفيّين إنَّ محاولات روسيا المذكورة للتدخل في هذه الانتخابات الأميركية ما هي إلا ردُّ الكرملين على التدخل في انتخاباتهم على مرّ السنين. “قد تكون لدينا تجارب مفيدة للمشاركة في هذا الموقف،” هو التعليق.

تبذل حكومات البلطيق جهدًا كبيرًا لمواجهة الدعاية الروسية. المنطق هو أن التحدي يكون بمقدار جعل مجتمعاتهم أكثر مرونة عما هي مواقفُ بوتين. وفقًا لهذا المنطق، فإنه لا يكاد حتى يهم ما إذا كان بوتين هو في الواقع يحرك الخيوط في الحملة الأميركية -الحقيقة أنه مقتنع بشكلٍ واسع بأن القيام بذلك هو انتصار في حد ذاته.

وبالمثل، عندما تتأكّل الثقة العامة في المؤسسات الغربية (الشكّ في أنه يمكن تزوير الانتخابات، أو أن النخب تكذب دائمًا وتتآمر ضد الشعب)، فالمستفيد الواضح هو الرجل الذي يجلس في الكرملين. الدعاية الروسية أكثر فاعليةً إذا تم عدّ الديمقراطية مُلوَّثة ومنحرفة في كل مكان.

هذا لا يعني أن حبل لينين المذكور جاهزٌ. في الواقع، قد يكون لإستراتيجية بوتين في الواقع نتائج عكسية. يمكن القول بأن تصرفات روسيا وسلوكها الغريب قد فعلت كثيرًا لوعي الذات القومي للأوكرانيين، يجدد الجهد الأمني البلطيقي والناتو معنى مهمة “الدفاع عن الأرض في أوروبا” أكثر من أي تنميةٍ أخرى، أو تطور آخر منذ تفكّك الاتّحاد السوفياتي.

ما يبقى أن نراه هو ما إذا كان فقدان الثقة في الغرب، بالمهمات ذاتها للديمقراطية الليبرالية، يهدد بتشجيع أسوأ الغرائز عند بوتين. لربما يستحق ذلك التأمل، قبل أن نرفض تحذيرات المخابرات البريطانية كتحذيراتٍ لا ضرورة لها، أو حتى غير مبررةٍ.

اسم المقالة الأصلي If the west is weak, Putin’s Russia is a much greater threat الكاتب Natalie Nougayrède، ناتالي نوغاردييه مكان وتاريخ النشر الغارديان، The guardian، 2/11 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/nov/02/west-weak-russia-putin-threat-kremlin-mi5-nato المترجم أحمد عيشة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]