د. عبد الحميد العواك لـالسورية نت..لهذه الأسباب على السوريين ألا يختاروا دستور 1950 للمرحلة الانتقالية

8 نوفمبر، 2016

رغداء زيدان ـ السورية نت

موضوع الدستور من الأمور المهمة جداً عند السوريين الذين يتوقون لدولة يسود فيها القانون بعد أن حصل نظام الأسد في سورية على شرعية مزيفة لحكمه عبر رسم دستورها كما يشتهي طوال عقود.

وعلى الرغم من أهمية موضوع الدستور لا يعرف كثير من السوريين ما هو، ولا يملكون الأدوات المعرفية التي تمكنهم من الحكم على صلاحية دستور ما أو عدم صلاحيته لحكم بلادهم وتحقيق أهداف ثورتهم.

الدكتور عبد الحميد العواك المختص بالقانون الدستوري والمدرس في جامعة سقارية بتركيا، يتحدث لقراء “السورية نت” حول مواضيع هامة جداً تساعدهم على فهم ما يخص الدستور، مبيناً لماذا يجب عليهم ألا يعمدوا لإقرار دستور دائم أو مؤقت في مرحلة الحكم الانتقالي.

1 ـ بالتزامن مع مفاوضات الحل السلمي كثر الحديث حول الدستور، دون تفرقة بين مصطلحات الدستور الدائم والمؤقت والإعلان الدستوري. هل يمكن أن توضح للقارئ الفرق بين هذه المصطلحات؟

الدستور الدائم يتضمن مجموعة القواعد الأساسية في الدولة المعاصرة التي تنظم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وتنظيم السلطات العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها، وعلاقاتها مع بعضها البعض وبالمواطنين، وتقرر حقوق المواطنين وحرياتهم وفلسفة نظام الحكم.

ويستمد هذا الدستور شرعيته من الشعب الذي فوض وانتخب أعضاء الجمعية التأسيسية ابتداءً، أو بالتصويت على الدستور انتهاءً، وهذا الأسلوب الديمقراطي لا خلاف على شرعيته ومشروعيته، وفي حالتنا السورية سيأتي هذا الدستور لاحقاً بعد نهاية المرحلة الانتقالية ولا يمكن تطبيقه أثنائها.

الدستور المؤقت ويضعه بالعادة الثوار أو الانقلابيون بعد استيلائهم على السلطة، وتبرز فيه فلسفة الثورة أو الحركة الانقلابية سواء في مقدمته أو ضمن مواده.

وهذا النوع من الدساتير يدعي أنه يمتلك المشروعية وإن كان فاقداً للشرعية، لأن الشرعية تعريب لكلمة égalité ومرادفة لكلمة القانونية وتعني ما يطابق القانون الوضعي، أما المشروعية تعريب لكلمة Légitimité والتي تعني ما يطابق الأخلاق والعقل وبالتالي رضا الشعب عن هذه السلطة، وليس شرطاً مطابقة السلطة للقانون في المشروعية.

يتضح مما سبق أن الدستور المؤقت حائز للمشروعية وفاقد للشرعية، وهو يأتي في حال انتصار الثورة التي تمتلك رؤية واحدة وتجتمع في ظل قيادة واحدة، وهو غير متوفر في الثورة السورية على الأقل في المرحلة الحالية، لذلك لا يمكن تطبيق هذا النوع أيضاً.

الإعلان الدستوري يتضمن القواعد الدستورية التي تحتاجها السلطات في الدولة لتسيير شؤونها ويستمد شرعيته من حالة الضرورة الواقعية التي تحتاجها الدولة لتبقى. لأن المرحلة الانتقالية ظرف استثنائي بالغ التعقيد والخطورة، وهي تشبه حالة الاستشفاء التي يمر بها المريض حتى يتعافى، فهي حالة ضرورة حقيقية، ومنها يستمد الإعلان الدستوري حقه في الوجود والتطبيق، فهو إذاً يستمد شرعيته من الواقع الذي تفرضه الضرورة.

ولأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها، لذلك يتوجب عدم التوسع في الإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية وتحميله أكثر مما يحتمل، لأنه لا يمتلك الشرعية الدستورية ولا المشروعية الثورية. لذلك يجب أن يبقى الإعلان الدستوري أسير الغاية التي يسعى لتحقيقها، وهي تسيير أمور الدولة حتى لا تتوقف الحياة فيها، بمعنى تسيير مؤقت للسلطات فقط، دون التطرق لغير ذلك، لأن الإعلان الدستوري هو من صنع الخبراء الدستوريين وتفرضه حكومات الأمر الواقع، ويستمد شرعيته من الضرورة وليس من إرادة الشعب، لذلك يتمتع الإعلان الدستوري بخصائص يستمدها من حدود الضرورة التي أوجدته.

2 ـ ما مخاطر الاتفاق حول دستور دائم أو مؤقت لسورية في المرحلة الانتقالية في حال التوصل إلى تفاهم ما، بين الأطراف المتفاوضة؟

ربما من يدقق سيجد إجابة للسؤال الثاني في جواب السؤال الأول، الخطورة تكمن في شرعية قواعد الدستور الدائم والمؤقت، ففي المرحلة الانتقالية لا يستطيع أحد أن يدعي أنه يمثل الشعب أو يمثل الثورة تمثيلاً حصرياً، لذلك إرادة الشعب غير واضحة في هذه المرحلة، ولأن الدستور إنما هو انبعاث وولادة من إرادة الشعب، فخطورة الاتفاق على دستور دائم أو مؤقت سيكون بالحقيقة اتفاق على إرادة الشعب، هذا الشعب الذي غيبت إرادته لمدة تزيد عن نصف قرن، ووضعت مبادئ فرضت عليه، لا يجوز استمرار هذه اللعبة. فقد جاءت دساتير الدولة السورية جميعها، باستثناء دستور1950، نتيجة نشاط الأقلية الممسكة بالسلطة في غيبة وعي الأمة، مما جعل هذه الدساتير مجرد واجهات لا تحقق الهدف الذي يجب أن يسعى الدستور إلى تحقيقه.

الوضع الطبيعي أن يكون وضع الدستور بشقيه السياسي والاجتماعي مواكباً لبلوع الأمة سن الرشد، أي وصولها إلى مرحلة عالية من الوعي والنضج، لتسهم مساهمة فعلية في إعادة بناء الدولة، هذا الوعي يجب أن يترافق مع استقرار أمني وسياسي واقتصادي. والذي نعتقده أن العاملين غير متوفرين في المرحلة الانتقالية التي لن يصلح معها سوى إعلان دستوري ينظم سير وعمل السلطات الثلاث

3 ـ النظام وضع على طاولة المفاوضات دستور سنة 2012، وكثير من السوريين لا يعرفون شيئاً حوله، رغم أنه مرسوم ليخدم آل الأسد، هل يمكن أن نعرف أخطر المواد الموجودة في هذا الدستور التي تؤثر على مستقبل الحكم بسورية؟

إن الحديث عن دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012 حديث يطول، لي دراسة موسعة عنه، ولكن في إجابة مختصرة نقول إن الدساتير تكتسب سموها إما من آلية وضعها (الشكل) أو من مضمونها (الموضوع)

من حيث الشكل: يقول الفقيه (ريفيرو): “تفوح من القانون الدستوري رائحة البارود”. إذا كانت هذه العبارة أطلقت بشكل عام على الدستور، إلا أنها على الدستور السوري لعام 2012 تأتي لتصفه بشكل خاص.

فالحكام ينزلون على رغبات المحكومين مرغمين ومجبرين وتحت ضغط القوة، وليس عن شهامة، كان هذا هو تاريخ الحرية دائماً. وليس استثناءً السوريين. فمع انطلاق الأحداث بعام 2011 والمطالبات المتعددة والمتشعبة من الحرية والكرامة إلى إلغاء المادة الثامنة ومنح المزيد الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. محاولة من السلطة لاستيعاب الأحداث، وتحت الضغط تم إصدار دستور 2012 ضمن خطة تراها الحكومة كفيلة بإصلاح السلطات ومؤسساتها.

جاء هذا الدستور نتيجة نشاط الفئة الممسكة بالسلطة، ولم تدع الطرف الآخر للمشاركة، فكان دستوراً سلطوياً بامتياز، وبدل أن يكون عامل تهدئة كان عامل جدل ولغط وانقسام لا بل زاد في انشطار المجتمع السوري بين من يؤيده ومن يعارضه.

إن هذا الدستور ما هو الا استمرار لدساتير سابقة لا تعدو أن تكون واجهة حضارية تخفي نظام أوتوقراطي، ليس له قيمة قانونية ملازمة إنما هو يصنف ضمن (دساتير الخدعة) التي تستخدم لتأسيس نظم أوتوقراطية مستغلة فقط ما توحي به كلمة دستور من معان ديمقراطية مرتبطة بالحرية، ولكنها تخفي حقيقة عن الواجهة المعلنة.

إن الإجراءات الشكلية لا تعني خطوات جوفاء يسير عليها المرء أو السلطة فيحققها، إن الإجراءات الشكلية ليست غاية بذاتها، إنما هي وسيلة لتحقيق غاية، إنه استوفى الإجراءات الديمقراطية، فأغلب دول العالم الثالث بها دساتير وتم الاستفتاء عليها مع أنها أبعد ما تكون عن الديمقراطية، فالديمقراطية ليست ديكوراً يتجمل به الطغاة.

من حيث الموضوع: يعتقد البعض بأن الخلل الأساس في دستور سورية لعام 2012 يكمن فقط في سلطات رئيس الجمهورية واتساعها سواء بالظروف العادية أم الاستثنائية، وانعدام المسؤولية، مما يشكل خللاً بمبدأ توازن السلطة مع المسؤولية كما أن اتساع سلطات الرئيس أدى إلى تغول موقع الرئاسة على باقي السلطات وبالتالي أثر على مبدأ فصل السلطات الذي يقوم على مبدأ التوازن بين السلطات، والسلطة توقف السلطة، فلا تجد سلطة تستطيع أن توقف الرئيس أو تقف بجانبه.

لذلك يكمن الحل لديهم بتعديل بعض المواد المتعلقة بسلطات الرئيس، بحيث يعود موقع الرئاسة إلى حجمه الطبيعي بين السلطات، ويكون الدستور صالحاً للحياة، وقيادة المرحلة الانتقالية على الأقل.

ولكن نرى أن الدستور يكتسب سموه على باقي القواعد القانونية لأنه يصنع بطريقة مختلفة، فهو يصنع تشاركيا ًمن قبل الجميع، ويستقر في ضمير الجماعة، ويهدف إلى تنظيم العلاقات السياسية، وإرساء قواعد ممارسة اللعبة السياسية، ووضع إطارات قانونية للظواهر السياسية.

ومن الناحية المنطقية يجب أن تؤدي هذه النظم والقواعد والإطارات إلى نتيجة هامة هي أن يغدو النشاط السياسي منظماً بقواعد قانونية، ومن ثم لا يصبح نابعاً من رغبات أو أهواء أو نزوات الحكام الممسكين بالسلطة.

لا يستطيع أي فقيه دستوري تصنيف النظام السياسي في سورية فهو خليط بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني بما يخدم تغول رئيس الجمهورية على باقي السلطات. فهو رئيس السلطة التنفيذية (م83) وهو من يسمي مجلس الوزراء ويقبل استقالتهم دون تقيد بأغلبية نيابية (م97) ويضع السياسة العامة (م98) ويترأس مجلس الوزراء كلما رأى ضرورة لذلك (100) ويسمي نائباً عنه، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم (م106) ويبرم المعاهدات ويصدر العفو الخاص(م107،م108) ويملك السلطة التشريعية أكثر من البرلمان، فهو يملك حق الاقتراح (م112) ويملك حق التشريع خارج دورات مجلس الشعب (م113) وله طرح مواضيع على الاستفتاء (م116) وله حق حل مجلس الشعب (م111) وله حق سلطات استثنائية غير محدودة وغير مشروطة (م114) ولا توجد صلاحية موجودة عند مجلس الشعب لا يتمتع بها الرئيس. وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى(م133) وهو من يسمي أعضاء المحكمة الدستورية(م141).

هذا غيض من فيض لو درسنا المواد الدستورية دراسة نقدية لوجدنا في كل مادة هناك عيب وخلل وخطر على الحياة السياسية في البلاد.

4 ـ اتخذ دستور 1950 شهرة بين المعارضين السوريين، وهناك من يطالب به بالمرحلة الانتقالية على اعتبار أنه دستور يحقق مصالح الثورة، هل بالفعل يستطيع هذا الدستور أن يقود سورية نحو نظام حكم عادل؟ ما عيوبه؟

في البداية أقول بأن دستور عام 1950 هو الدستور الوحيد الذي تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة، وهذا السبب الرئيس الذي جعله يحظى بهذه المكانة الوجدانية لدى السوريين. واستطاع أن ينتج مبادئ للدولة السورية تمثل جميع السوريين من أقصى اليمين الى أقصى اليسار وبآلية ديموقراطية، واعتمد نظاماً برلمانياً يقوم على التوازن والتعاون بين السلطات.

لذلك في عام 1961طبقه السوريون للمرحلة الانتقالية ونجحوا في ذلك لأن حوامله السياسية والثقافية والاجتماعية لازالت موجودة. ولكن على رأي نابليون: “لا يبقى أي دستور على حاله عند وضعه. إن مسيرة الدستور ترتبط بالرجال الذين يطبقونه وبالظروف المحيطة به”. فهو وضع لمرحلة مستقرة وأعطى صلاحيات لسلطات منتخبة، على عكس المرحلة الانتقالية فالأوضاع غير مستقرة والسلطات معينة وليست منتخبة.

الفترة الزمنية التي مضت على وضعه طويلة نسبياً، فلم يبقَ من الرجال الذين وضعوه أو طبقوه أحد، وتغيرت الظروف، وتقدم العلم الدستوري، كل تلك الأمور تجعل هناك صعوبة في تطبيقه في المرحلة الانتقالية. ولكن يا حبذا لو يتوافق السوريون على المبادئ التي تضمنها من (م1 إلى م34) كمبادئ للمرحلة الانتقالية دون زيادة أو نقصان عليها، أما إذا أخذوها وعدلوا بها فلا فائدة منها أو الاتكاء عليها، فهي إما أن تُؤخذ جملة واحدة أو لا تؤخذ.

وأخيراً علينا أن نعلم أن الدساتير لا تحمل في طياتها فضيلة تضمن نجاحها، ولا تتوقف فاعليتها على قيمة كامنة في نصوص الدستور، وإنما يتوقف نجاحها على ظروف المجتمع الذي تطبق فيه والرجال الذين يطبقونه.

5 ـ تظهر أهمية فصل السلطات في الحفاظ على الدولة ومنع الاستبداد في الحاضر والمستقبل، كيف يمكن ترسيخ هذا المبدأ في هيئة الحكم الانتقالي في سورية مستقبلاً؟

في البداية علينا توضيح حقيقة تاريخية دستورية هامة، هي أن الدول في المراحل الانتقالية لا تعتمد أنظمة تقوم على مبدأ فصل السلطات، إنما تعتمد نظاماً يقوم على جمع السلطات وهو النظام المجلسي، ويوصف بأنه نظام الأزمات.

في التصور الأولي لهيئة الحكم الانتقالي أن تكون السلطات مجمعة لدى الهيئة، وتتولد عنها هيئات تفوضها بممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية بشكل مستقل عنها. لكن يجب التخفيف من مساوئ جمع السلطات من خلال إعطاء استقلالية للحكومة بعد تشكيلها، لممارسة صلاحياتها، وإلا تدور الحكومة في فلك هيئة الحكم الانتقالي، بحيث تملك الهيئة جميع الوسائل الدستورية في مواجهة الحكومة والحكومة لا تملك إلا الإذعان، كما هو حال الحكومات السورية مع موقع رئاسة الجمهورية خلال الفترة الماضية.

وأن يتم إنشاء محكمة دستورية مستقلة من قضاة يمتلكون الخبرة والحيادية، وتقوم بمراقبة عمل هيئة الحكم الانتقالي لجهة التشريعات التي تصدرها، وتكون المرجع لحل الخلافات بين الحكومة وهيئة الحكم الانتقالي.

6 ـ موضوع شكل الدولة ونظام الحكم فيها يأخذ حيزاً كبيراً من المناقشات التي تجري بين الأطراف السورية، ما أهم الأسس التي يمكن البناء عليها للوصول لنظام حكم يحقق هوية سورية، ويضمن حقوق مواطنيها؟

يثير التباس مفهوم الهوية الوطنية وعدم وضوح حدوده في بلاد كثيرة من العالم، ومنها سورية أسئلة أكثر من الإجابات، نظراً لكونه من أكثر المفاهيم إثارة للخلاف بين المتحاورين والكتاب والفرقاء السياسيين.

ويستعر أوار الخلاف حوله أكثر وأكثر في أزمنة الأزمة التي تضع كثيراً من المسلمات التي سادت لفترة موضع شك، ولعل الحال في سورية يمثل تجسيداً ملموساً لهذه الحقيقة.

فالجميع شبه متفق على أزمة هوية وطنية في سورية، وسببها الأنظمة الاستبدادية التي حكمت سورية خلال الخمسين سنة الماضية، ولكن يختلفون عند الحديث عن علاجها، لأن كل فرد أو مجموعة لها قاعدة متعلقة بإرثها تنطلق منها.

لا أعتقد أن هناك ترابط بين شكل الدولة وبين إنتاج هوية سورية، ولا بين شكل الدولة وديموقراطيتها، فلا يوجد تلازم حتمي أو ترابط ميكانيكي بينهما، بمعنى متى ما أعلن عن شكل الدولة تتولد ميكانيكاً عنها الديموقراطية التي تنتج هوية وطنية. فالسويد دولة مركزية النظام وتعد الديموقراطية الأفضل في العالم وأنتجت هوية وطنية سويدية واضحة المعالم، وبريطانيا استمرت كدولة رائدة في الديموقراطية وهي دولة موحدة وأنتجت هوية وطنية رغم ما تعانيه من مشكلات طائفية وعرقية. وهناك دول لا يمكن القول إنها تمثل تجارب ديموقراطية مثل روسيا التي لم تستطع إنتاج هوية جامعة لكل المواطنين القاطنين على أراضيها.

أما لجهة نظام الحكم يجب أن يكون قائماً على مبدأ المواطنة والتعددية والتشاركية والتداول للسلطة، ولا يستطيع الدستور لوحده إنتاج هوية وطنية، لأنها متغير غير ثابت تتحدد بمجموعة من العوامل التي تسهم في تشكيلها.

في الحقيقة توجد علاقة تأثير متبادلة بين الدستور الذي يحدد شكل نظام الحكم وتلك العوامل، علاقة جدلية تتمثل في تأثر الواقع السياسي بالنصوص المكتوبة، وكذا تطويع نصوص الدستور للتطور السياسي ومتطلبات الواقع.

وعادة ما يكون كل دستور جديد خاصة بعد قيام ثورة هو عقد اجتماعي يؤسس لعصر جديد، وفكر جديد، ومرحلة حضارية غير مسبوقة. إذا أردنا إنتاج هوية وطنية علينا تهيئ بقية العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لتتفاعل مع الدستور الجديد، لنتخطى أزمة الهوية الوطنية السورية. في موضوع الهوية أعود وأكرر النص الدستوري شرط لازم لكنه غير كاف.

7 ـ كثرت المواد التي تتحدث عن الحريات وحقوق الإنسان في الدساتير السورية السابقة، ومع ذلك كان النظام ينتهك هذه المواد بسهولة، كيف يمكن حماية وتحصين هذه الحريات من الانتهاك مستقبلاً؟

الثورة تستهدف تحقيق الديموقراطية أي تحقيق الحريات العامة للأفراد. فالثورة مدفوعة لكي تحقق أماني الجماهير وبالتالي تغيير في القانون العلاقات الاجتماعية، فالقانون المتحرك إذاً هو أداتها في التغيير.

الثورة في حكم تعهدها ملزمة باحترام الحرية، وأن ترعى للقانون حرمته، ولن تكون للقانون حرمة أو سيادة إذا نظرنا إليه على أنه مجرد أداة في يد السلطة كما كانت تنظر السلطات السورية وهذه النظرة كانت تهدد النظام القانوني بالانهيار. من هنا كانت السلطات تنهتك الحقوق والحريات بطريقتين:

الأولى: الاعتداء المادي ويتمثل بقيام رجل السلطة ودون الاستناد إلى نص قانوني بانتهاك حقوق المواطن وحرياته المحمية بنص دستوري ولا يستطيع أحد ملاحقته، مثل الاعتقال التعسفي، التعذيب الجسدي والمعنوي، خرق حرمة منزل أو سرية الاتصالات وغيرها.

الثانية الاعتداء التشريعي: ويتمثل بقيام السلطة التشريعية بإصدار قانون يتعارض كلياً أو جزئياً مع النصوص الدستورية الناظمة للحقوق والحريات، مثل قوانين حجز حرية المواطن. إنشاء محاكم استثنائية.

يتم حماية النص من الاعتداء المادي بوضع نصوص في قانون العقوبات تعاقب من يقوم بهذه الأفعال، وتشدد العقوبة إذا وقع الاعتداء من صاحب سلطة أو بسببها. أما الحماية من الاعتداء التشريعي فتتم من خلال تفعيل الرقابة على دستورية القوانين، بأن تتحول الرقابة من الرقابة السياسية الى الرقابة القضائية، وتملك مراقبة التشريع قبل صدوره وبعد صدوره وأثناء تطبيقه، وعدم حصر حق مراجعتها بالسلطات وتوسيعه ليشمل الأفراد وكل من له مصلحة بالطعن.

8 ـ أخيراً، من الواضح أن داعمي النظام وجهات إقليمية أخرى يعملون بطرق مخططة ومنظمة لكسب المفاوضات، وتمرير مقررات تخدم أجندتهم في سورية، ما أهمية استمرار المعارضة في هذه المفاوضات على الرغم من كونهم الطرف الأضعف إن صح التعبير؟

الثورة حركة اجتماعية عنيفة تقوم بقوة الشعب دون مراعاة الأشكال القانونية بقصد إحلال نظام قانوني محل نظام آخر. الثورات منذ أن تنطلق هي الطرف الأضعف لأن قوامها الشعب الذي لا يملك أياً من مقومات القوة في مواجهة سلطة تملك جميع مفاتيح القوة.

الثورات تبدأ في الميادين العامة وتستمر في ساحات المعارك وتتوج نتائجها على طاولة المفاوضات، لأن الثورة إذا بقيت في دائرة العنف فقط لا تعتبر ظاهرة سياسية.

إذاً، علمنا ضرورة وحتمية المفاوضات ولا سيما بظروف الثورة السورية، وأن المفاوضات هي الجبهة الثانية بعد الجبهة الأولى التي يقاتل بها الثوار.

فكما أنه لا يجوز الانسحاب من جبهات القتال مع النظام إلا ضمن تكتيك المعركة، كذلك لا يجوز طرح خيار الانسحاب من المفاوضات كخيار استراتيجي. رغم صعوبة المعركة الدبلوماسية إلا أن إخلاء الساحة للنظام وللدول التي تشد أزره يسهل عليهم مهمة إنتاج ما يريدونه من حلول.

إن أي قرار سياسي سواء بالاستمرار بالمفاوضات أو الانسحاب منها يترتب عليه نتائج سلبية وإيجابية يتوجب على المعارضة دراسة قرارها قبل اتخاذ القرار وتقييم النتائج ووضع الخيارات بشكل دوري ومستمر.

المهم في المعارضة السياسية عند التواجد أن تحافظ على مبادئ الثورة وتدافع عنها مهما كانت الضغوط والإغراءات، وألا يشعر عضو الوفد المفوض بالضعف أبداً مهما قل مناصروه وعليه أن يتذكر أنه قوي لأنه يمثل مئات الآلاف من الشهداء ومثلهم من المعتقلين، ومن يمثل هؤلاء عليه ألا يشعر بالضعف والخور.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]