أوباما يغادر البيت الأبيض من قصر المهاجرين

9 نوفمبر، 2016

حافظ قرقوط

هناك من قال: إن من سوء طالع الثورة السورية أنها جاءت في وقت يحكم البيت الأبيض، رجل أسود، زعيمًا لأعظم دولة في العصر الحديث، فأدار حكم تلك البلاد التي تُدير دفة السياسة العالمية، بالتردد واللامبالاة أحيانًا، وبالاستعراض على طريقة هوليود أحيانًا أخرى، لكنه استعراض يصلح لدور (الدوبلير) في بعض المشاهد، ليس أكثر، لتنتهي -الآن- فترتي رئاسة باراك أوباما، حيث العبور السوري سينتظر العبور الأميركي، من فترة حملت في طياتها كل الألوان الباهتة في السياسة الدولية، والساخنة بالنسبة للدم السوري، إلى فترة تحمل لونًا رماديًا، قد تطول لستة أشهر مقبلة بعد انتخاب رئيس جديد.
لا يعني هذا أن الانتخابات الأميركية ستحمل للسوريين حلولًا سحرية، أو أننا أمام شخصيات استثنائية، وذلك بالاستناد إلى ما ظهر في الحملة الانتخابية للمرشحين كليهما، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، إذ إن مهاترات شخصية أخذت طابعًا سطحيًا، لا تُشير إلى أننا في صراع تنافس على رئاسة دولة عظمى، بل انحدرت -في بعض جوانبها- إلى مستويات متدنية، إن كان في طرح الموضوعات الخاصة للمرشحين، أو حتى في النظرة إلى السياسة الخارجية.
بين أول رجل أسود يدخل البيت الأبيض، حيث عُدّ مرحلة ذات دلالات مهمة في التاريخ الأميركي، وأول امرأة ستحجز هذا العنوان، وبين خطاب عنصري أتحفنا به ترامب، يدخل العالم في حلقة الدوران التي تنعدم فيها مركزية الربط، إن كان بالنسبة للدول أو بالنسبة للمنظمات والهيئات الدولية، المنبثقة عن الأمم المتحدة، بصفتها المنظمة الأم، فتتوه العناصر عن المركز الجاذب بحكم الطبيعة، وتسير في ركب القلقلة السياسية أو التوصيف الذي يدور حول القشور، وهي نفسها ما ميّزت جزءًا من فترة أوباما الرئاسية، فكان رجل التوصيف والشرح، ويشبه في بعض المَحاور بشار الأسد حين يجتهد للتوضيح، بلا معنى أو أثر، وهي فترة زمنية من عمر البشرية، تتناسب جيدًا مع وجود فلاديمير بوتين بموسكو، وتتناسب كذلك مع ترهل دول القارة الأوربية سياسيًا، حتى وإن بدا بعض أولئك القادة بملامح الشباب.
لعل الأحداث الجسيمة التي حصلت في سورية خلال فترة حكم أوباما، هي ما سيفسح المجال للمتابعين القول: إنها فترة تحمل ملفات اتهامها معها، وسيُتعامل معها بوصفها أرشيفًا ممكن الانطلاق منه لدراسة التاريخ الرئاسي لأوباما، في الملفات الدولية المختلفة، ففي تتابع الأحداث والتصريحات والمؤتمرات والقرارات الدولية، المُتعلقة بسورية، وطرق التعامل معها، وكذلك الحركة الدبلوماسية التي سار بها كل من هيلاري كلينتون، كوزيرة للخارجية في الفترة الأولى من رئاسة أوباما، وجون كيري خلال الأربع سنوات الأخيرة، وهي عمر المرحلة الثانية، حيث كان أبرزها انطلاق مباحثات جينيف، ثم تلك الجولات من المباحثات مع الروس؛ لتثبيت هدنة في سورية، ففشلت، وحتى الهدنة الموضعية في مدينة حلب؛ لإدخال بضع سلال إغاثة لم تستطع إدارة أوباما تثبيتها، فأخذ الحديث يتتالى عن تلاعب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بنظيره الأميركي جون كيري، بل أصبح الحديث في عدد من المتابعات الصحافية، عن أن العالم يخلو من رجال دولة يتحملون مسؤولية اتفاقاتها أو تصريحاتها، ولم يعد أحد يأخذ على محمل الجد أي تصريح أو إعلان أميركي عن اتفاق أو رؤية سياسية؛ لتصبح فترة أوباما ليست حيادية تجاه القضايا الحساسة كالمسألة السورية فحسب، وإنما خارج محيط الكوكب، وهي ليست على طريقة رونالد ريغان عندما أعلن برنامج حرب النجوم، بل على طريقة ميخائيل غورباتشوف الروسي، عندما أعلن برنامج البروسترايكا، فأكمل نجوميته بالترويج للبيتزا والأزياء، وبقيت سياسة التجديد الفكري التي اتبعها كبرنامج، عبارة عن سلّم قاد إلى ظهور منظومة سياسية داخلية بزعامة بوتين، وضعت روسيا بجوار دول العالم الثالث، وسلّمت مقاليدها لرجال المخابرات، يديرون مجتمعًا مدنيًا، ويقررون شكل مستقبل البشرية، عوضًا عن تجديد حقيقي للفكر بعد تحطيم جدار برلين، الذي كان رمزًا لحقبة استقطاب حادة في تاريخ البشرية.
أوباما يمكن مقارنته -أيضًا- ببشار الجعفري، مندوب سورية في الأمم المتحدة، من حيث التأملات التي يُطلقها للحضور، والشعور بالنصر إن هو ألقى جملة تتهم الآخر، فأوباما الذي أسقط شرعية الأسد مرات ومرات، هو نفسه من انتشى فرحًا عندما أعطى الأسد، مفتاح التخلص من السلاح الكيمياوي والبقاء في الحكم؛ حتى وإن على جماجم مئات الآلاف من البشر، وأوباما نفسه أيضًا من حرّك طائراته ليقود حلفًا طويلًا عريضًا، لمقارعة تنظيم الدولة (داعش)، الذي تأسس وكبر في ظل ثلث زمن إدارته الميمونة، ويريد أوباما أن يُقنع البلهاء بأن دولًا عظمى تُقارع تنظيمًا بلا جذور، فكذبت الكذبة بأنه قادر على تأسيس دولة، وصدّقتها، وتعجز عن تمرير شاحنة إغاثة لحارة أو بلدة من رهبة حكم بشار الأسد، الذي عقدت معه صفقة الكيمياوي، وتغاضت عن كل الجرائم، هذه المستويات من التصرفات المتناقضة لدول كبرى، هي حقيقة تمثّل أنموذجًا جيدًا لدونكيشوت عندما يركب حماره ويريد تسجيل الأمجاد.
أوباما وإدارته يسجّلان المجد على فارس هو (داعش)،أُنتج وصُوّر ولُمّع خصمًا على طريقة نجوم السينما، ليُعطي للبطل مُتعة النصر، وللجمهور مُتعة المتابعة والإقناع، وهكذا كان شريكه في الترويج للانتصارات الوهمية، العبادي في العراق مع حشد إيران الشعبي، وقاسم سليماني كـ “مناضل” قادم من ساحات التظاهر التي هتفت: (الموت لأميركا)، شركاء إرهابيون لمقارعة الإرهاب، لم يكن ينقصهم سوى وليد المعلم ملتهم القارات مع بداية الثورة السورية، إنها أوضح صورة عن إدارة أوباما، والمهمات التي مارستها، والرجال الذين ترتكز عليهم، وهو الغطاء الذي سمح لنمو ذلك البالون الروسي وانتفاخه بالهواء الفاسد، ليجول في سماء سورية وعلى شواطئ المتوسط، فيلوثها ليس بالإجرام فحسب، بل بالبذاءة السياسية، حاملًا صورة بشار الأسد مع كلمة (منحبك)، كونه الصغير الذي باع ألعابه، وأعطى كل تلك المساحات السورية لالتقاط صورٍ تذكارية لكل القتلة، ولطائرات عديد من الدول، وهي تجوب الأجواء بلا أي رادع أخلاقي، وهدفها قضم أحلام الشعوب، وفي مقدمة كل طائرة صورة للبغدادي وأوباما والخامنئي، كآيات تحمل رؤوسًا نووية بلا رسالة سماوية، غايتها تدمير ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من رقي فحسب.
قد يكون أوباما حكم أميركا والعالم من داخل قصر المهاجرين في دمشق، واستولى على مقاليده بانقلاب أبيض، فهو -بالتأكيد- استطاع أن يرمي في سلة مهملات الأمم المتحدة المواثيق والاتفاقات المعنية بحقوق الطفولة والأمومة والشباب والمرأة واللاجئ والطبيب والعجوز والمساكن والمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية ودور العبادة كافة، ويرحل عن بيته الأبيض؛ ليبقى وريثه الشرعي وديعةً في هذه الزحمة اللا معقولة من الانهيار القيمي، حاكمًا من داخل قصر المهاجرين؛ ليعيد ذاكرتنا إلى زيارة مادلين أولبرايت عام 2000، مُعزية بفقدان رئيس مات وفي رقبته عشرات آلاف الضحايا من مجازر ارتكبها بحق السوريين؛ لتفتتح للسوريين ذاتهم عهدًا جديدًا يُشرف على المراحل المُتبقية من قتلهم.
غادر أوباما وبقي الأسد شامتًا، وكأنه هو من أسقطه في أميركا، مُتذاكيًا على طريقة دونكيشوت آخر، لكنه دونكيشوت مُصغر.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]