الثـيُـوقراطية


صبحي فرنجية

الثـيُـوقراطية (Theocracy) يعود الأصل اللغوي للمصطلح إلى اللغة اليونانية (θεοκρατί)، وهو يتكون من كلمتين مدمجتين، الجزء الأول منها (Theos) يعني الرب، فيما يعني الجزء الثاني (Kratos) الحُكم أو السلطة.
أمَّا اصطلاحًا، فهي مذهب يقوم على تعليل السلطة السياسية لدى الجماعة على أساس الاعتقاد الديني، وعلى هذا يكون النظام الثيُوقراطي هو النظام الذي يستند إلى فكرة دينية، ويُعدُّ فيه الحاكم ظلَّ الله أو مفوض السماء الذي يستمد سلطته من الله.
بكلمات أخرى: الثيوقراطية تعني الحكم بمقتضى التفويض الإلهي للحاكمين؛ ما يضفي عليهم صفه العصمة والقداسة، فيتحكم فيها الحاكم بالرعية بمقتضى ذلك التفويض الإلهي، ويجب على الرعية ألّا تخالفه أو تراجعه في حكمه.
أول ما ظهر هذا المصطلح كان في القرن الأول الميلادي على يد جوزيفوس فلافيوس (Josephus Flavius) الذي وصف به الحكومة القائمة عند اليهود، إذ إن الحكم عند اليونانيين حينها لديه ثلاثة أنواع: الملكية والأرستوقراطية والفوضوية، في حين كان الحكم عند اليهود لا يصنف ضمن هذه الأنواع الثلاثة، فاصطلح عليه بالنظام الثيوقراطي بعد أن فهمه جوزيفوس على أنه يَستمد الحكمُ فيه مصدرَه من الكتاب المقدس.
يُصنّف نظام الحكم في أوربا خلال العصور الوسطى ضمن الأنظمة الثيُوقراطية، إذ امتدت سلطة الكنيسة إلى كل نواحي الحياة. واتصفت تلك الأنظمة بالتعصب الديني وكبت الحريات السياسية والاجتماعية والأدبية والفنية والعلمية (غاليليو مثلًا)، إضافة إلى أنها أقامت مجتمعاتٍ متخلفةً جدًّا ومستبدَّة؛ ما يُـوْضح تسمية تلك العصور بالعصور المظلمة.
النظريات الثـيُوقراطية:
على الرغم من اتفاق النظريات الثيُوقراطية على أن الله وكتابه المصدر الوحيد للسلطة والسيادة، لكنها اختلفت في تفاصيلها وتعددت في تفسيرها وتفصيلاتها للسيادة الدينية، فظهر لها ثلاث صور:
نظرية الطبيعة الإلهية للحكام
طبقًا لهذه النظرية، يكون الحاكم إلهًا يعيش بين البشر ويحكمهم ويُمنع الاعتراض على أحكامه؛ فهو تجسيد لله ذاته على الأرض، إذ تقوم هذه النظرية على إضفاء الطبيعة الإلهية على الحكام، مثلًا: الممالك الفرعونية والامبراطوريات القديمة، آخرُها ما كان مقررًا لأباطرة اليابان عام 1947.
نظرية الحق الإلهي المباشر
أما هنا فالحاكم ليس إلهًا، لكنه مختار مباشرةً من الله ذاته؛ ليترأَّسَ شؤون السلطة. فالحاكم يُعيَّن بأمر إلهي، ويستمد سلطانه من الله؛ ما يُوجب طاعته. وتُعدُّ معصيته معصيةً لله ذاته.
وتبنى بعض ملوك أوربا هذه النظرية؛ لتدعيم سلطانهم على الشعب لاسيما في القرن الخامس عشر.
نظرية الحق الإلهي غير المباشر
هنا أيضًا الحاكم ليس إلهًا وأيضًا يُختار من الله، لكن الفرق هنا أن عملية الاختيار تتم بطريقة غير مباشرة، إذ إن الأفراد هم من يختارون الحاكم لكنهم مُسيَّرون بالعناية الإلهية في هذا الاختيار غير مخيرين.
يمكن للمتفكر في هذه النظريات الثلاث الفائتة، أن يستنتج سبب زوال هذه الأنظمة في كثير من الدول، إذ إنها أنظمة تزيد الحاكم إمعانًا في البطش والاستبداد وانتهاك حريات الأفراد وحقوقهم بغطاء ديني لا يقبل المناقشة أو الاعتراض.




المصدر