سوق السيارات في سورية.. الحرب تكرس ظواهر غريبة وتدفع الأسعار إلى الجنون


لم يكن لسوق السيارات في سوريا أن ينأى عن تأثيرات الأوضاع التي تعيشها البلاد خصوصاً مع توقف استيراد السيارات وتقلص أعدادها.

وضمن المعطيات الجديدة أصبح البيع والشراء خاضعاً لعوامل عدة تتفاوت تبعاً لدوافع الزبائن والإمكانات الشرائية وسط تحكم فئة معينة من التجار بالأسعار

 

في آخر دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”، بيّن أن معدل التضخم (المحسوب بالمقارنة بين متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك العام نفسه مع العام المسابق له) ارتفع من 6.74% عام 2011 إلى 36.18% عام 2012 ليصل إلى 81.71% في العام 2013 ثم ليعود بعدها وينخفض في عام 2014 ليصل إلى 22.73% غير أنه من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في عام 2015 إلى نحو 36%.

ومع هذه الأرقام حاول معظم السوريين في الداخل السوري إنقاذ ما تبقى من مدخراتهم قبل أن يلتهمها “التضخم”، فتوجه الكثير منهم للبحث عن مطارح  آمنة لحفظ مدخراتهم فمنهم من توجه إلى العقارات والذهب والسيارات وهناك من توجه لتحويل مدخراته إلى دولار.

 

وعلى اختلاف درجات الآمان في حفظ المدخرات، كانت السيارات ملاذاً آمناً لحفظها، حيث ارتفعت أسعار السيارات في سورية بنسب كبيرة وصلت إلى أكثر من 300% كحد وسطي، لترتفع مجدداً بنسبة 100% خلال العام الحالي، وفق ما أكده “أبو طلال” تاجر سيارات لـ”صدى الشام”.

ويصل عدد السيارات حالياً في سورية وفق آخر إحصائية لوزارة النقل، إلى 2 مليون و200 ألف و972 سيارة من كافة الأنواع بزيادة قدرها 212 ألف عن 2010.

وبينت مديرية الجمارك العامة أن عدد السيارات السياحية المستوردة عبر الوكلاء والتجار بلغ عام 2010 نحو 87 ألف سيارة، أما في عام 2011 فقد انخفض إلى 34 ألف سيارة، وفي عام 2012 إلى 2600 سيارة وفي 2013 وصل العدد إلى أقل من 1100 سيارة، ولا يكاد يصل إلى 1000 سيارة خلال عامي 2014 و2015.

 

ظاهرة غريبة..المستعمل يضاهي الجديد بأسعاره

 التاجر أبو طلال لفت إلى أن المتابع لسوق السيارات في سورية يجد أنه يفقِد الجديد، ومعظم ما يتواجد في السوق هو المستعمل، وذلك منذ بدء تطبيق سياسة ترشيد الاستيراد التي حظرت استيراد السيارات باعتبارها سلعة كمالية ومن شأنها أن تهدر القطع الأجنبي، وهذا المنع ما يزال إلى هذه اللحظة، وينتهي قرار وزارة الاقتصاد بنهاية هذا العام، ولكن من المتوقع أن تقوم بتمديده لعام آخر.

ونوه إلى أن السوق السورية لم تشهد دخول أية سيارة سياحية جديدة منذ نحو عامين، إلا بعض الحالات الفردية كإجازة استيراد فردية فقط، حيث اقتصر الاستيراد على المركبات العامة الحكومية، ومركبات بعض الشركات الخاصة الصناعية والمقاولات، لافتاً إلى أن هذا الأمر أدى إلى شح العرض في السوق وارتفاع أسعار السيارات المستعملة، مؤكداً أن بعض أسعار السيارات المستعملة باتت تتساوى مع السيارات الجديدة في حال استيرادها وطرحها في الأسواق، حتى أن بعضها بات يفوق أسعار السيارات الجديدة، وهي ظاهرة غريبة لم يشهدها أي سوق في العالم.

ولفت إلى أنه خلال عام 2013 اشتد الطلب كثيراً على شراء السيارات كنوع من التحوط ولحفظ مدخرات المواطنين، ومنذ ذلك العام إلى هذا العام ارتفعت أسعار السيارات أكثر من 300%، فهل يعقل أن يصبح سعر “فوكس صالون” القديمة موديل 1970 بـ 800 ألف ليرة؟..مؤكداً أن أسواق السيارات السورية شهدت تغيراً شاملا وكبيراً خلال العامين الماضيين، حيث تمت إعادة إحياء الموديلات القديمة من السيارات، فبعد انقطاع موديل “غولف 1977” عن السوق قبل “الأزمة”، فقد باتت حالياً هذه السيارة مطلوبة ومتوفرة، وبأسعار تصل إلى 2 مليون ليرة في حين كان سعرها قبل ذلك 200 ألف ليرة فقط، مشيراً إلى أن معادلة السوق حالياً غير مفهومة فأسعار السيارات الحديثة في سورية ترتفع 40% لنجد أن أسعار السيارات المستعلمة ارتفعت 100%، ولا يمكن التخمين بأسباب بارتفاع أو انخفاض أسعار السيارات، حيث شهد شهر تموز من العام الحالي انخفاضاً حاداً في أسعار السيارات قدر بنحو 30%، وتعددت الأسباب حول ذلك ولكن يمكن القول بأن الأسباب كلها غير منطقية.

وعن أسعار السيارات حالياً، بيّن أن سيارة من نوع “ألنترا” يصل سعرها إلى 7 ملايين ليرة في حين كان سعرها قبل عام نحو 4 ملايين ليرة، و”توسان” لامست 9 ملايين ليرة بعد أن كانت بنحو 5 ملايين ليرة، وسيارة “كيا ريو” موديل 2006 كان سعرها مليون و700 ألف ليرة لتصبح حاليا بنحو 2 مليون و600 ألف ليرة و”سكودا فابيا” يصل سعرها حالياً إلى نحو 3 ملايين و300 ألف.

 

مستغلو “الأزمة”..والسيارات الفارهة

“أبو قيس” تاجر سيارات مختص بالسيارات الفارهة لفت في تصريحه لـ”صدى الشام” إلى أن السيارات ما تزال ملاذاً آمناً لحفظ المدخرات وكنوع من الاستثمار، حيث لجأ الكثير من المواطنين لاستثمار مدخراتهم بهذه التجارة، فأجار السيارة حالياً لا يقل عن 20 ألف ليرة شهرياً، ويصل إلى 50 ألف ليرة.

وأشار إلى أن هناك أسباب عديدة لارتفاع أسعار السيارات، أهمها سعر الصرف، حيث بات الحديث عن تسعير السيارات بالدولار وليس بالليرة، فعندما يرتفع سعر الصرف ترتفع معه أسعار السيارات والعكس أيضاً، ومن الأسباب، زيادة الطلب على السيارات مع قلة العرض، وهذا ما حدث مع بداية العام الحالي، حيث ارتفع الطلب على شراء السيارات المستعملة، ولكن العرض لم يغطي الطلب فارتفعت الأسعار وبدأ التجار بالتحكم بالسعر وفق مزاجهم لتحقيق مرابح أكبر.

 

وعن سوق السيارات الفارهة، قال “أبو قيس” : “إن هذا السوق له خصوصيته، فزبائن هذه السيارات هم من فئة رجال الأعمال والصناعيين وأضيف إليهم مؤخراً مستغلو “الأزمة” وتجارها، وخاصة خلال العام الحالي، حيث زاد الطلب على السيارات العالية بالإضافة إلى بقية السيارات الفارهة. ورغم أن أسعارها مرتفعة إلا أن هؤلاء المستغلين وتجار الأزمات لا يكترثون لذلك فهم لم يتعبوا بهذا المال، بل حصدوه من استغلال حاجات المواطنين وخاصة السمسرة”.

ولفت إلى أن معظم الطلب تركز حالياً على الألماني والياباني مثل “المرسيدس وBMW، والجميس”، أما الكوري فلا يوجد طلب عليه بالنسبة للسيارات الفارهة على عكس السيارات المستعملة، حيث بلغ سعر سيارة 740Li موديل 2007 وسطياً 47000 دولار، مع الإشارة إلى أن هذه السيارة كان سعرها منذ عام بالضبط نحو 22 ألف دولار واليوم بات سعرها أكثر من الضعف، حيث تم شراء نفس السيارة من عام بنحو 6 ملايين ليرة أما اليوم فسعرها 25 مليون ليرة، كما تم بيع سيارة “جيمس سيرا” بـ50 ألف دولار، وبلغ سعر مرسيدسE 300 موديل 2011، نحو 80 ألف دولار، أيضا سيارة BMW 523 موديل 2011، بلغ سعرها 550 ألف دولار.

ونوه “أبو قيس” إلى أن أسواق السيارات حالياً يتحكم بها تجار كبار، فمثلاً عندما أعلنت المؤسسة العامة للتجارة الخارجية عن مزاد لبيع 700 سيارة بداية العام الحالي، فإن فئة معينة من التجار هم من استطاعوا شراء هذه السيارات بأسعار بخسة وباتفاق مسبق مع بعض الفاسدين في المؤسسة، ليتم طرح هذه السيارات في السوق بعد تأهيلها بمبالغ بسيطة وبيعها بأسعار مضاعفة وتحقيق أرباح مخيفة.

 

لا تستغرب..رجال أعمال بسيارات قديمة

وبيّن “أبو قيس” : أن تهريب السيارات من سورية إلى لبنان والعراق وتركيا من أجل تفكيكها وبيعها كقطع غيار، كان يسير على قدم وساق في بداية “الحرب”، حيث إن ارتفاع سعر الدولار جعل من هذه السيارات رخيصة ما خلق سوقاً واسعة للتهريب وإزالة اللوحات وبيعها، وتركز الطلب وقتها على السيارات الحديثة لتحقيق أرباح أكبر، ولا ننسى عمليات التشليح التي كانت تحدث في بداية “الأزمة”، من قبل بعض “الشبيحة”، ما دفع الكثير من المواطنين لاقتناء سيارات قديمة لإبعاد شبح سرقة السيارات عنهم، بالإضافة إلى التشليح الذي كان يحدث، لذا لا تستغرب إن رأيت رجل أعمال كبير أو تاجر يركب سيارة صينية لا يتجاوز سعرها مليون ليرة.

وأكد “أبو قيس” أن التهريب ما يزال يمارس إلى الآن ولكن بشكل فردي، ويتم بيع السيارة بأسعار أرخص من السابق، كونها لا تحمل أي لوحة تعريفية أو وثيقة ملكية.

 

 

باحث: سوق السيارات خارجة عن القانون

باحث اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه أوضح لـ”صدى الشام”، أنه يمكن اعتبار السيارات ملاذاً آمناً في حفظ المدخرات واستثمارها، إلا أن هذا الاستثمار يحمل درجة كبيرة من المخاطر وخاصة بعد هلاك آلاف السيارات في سورية، قائلاً: “تجارة السيارات أمر مربح، وفارق السعر الذي يحدث بين الفترات الزمنية من شأنه أن يكسر من التضخم وتآكل المدخرات، ولكن يبقى الذهب والعقار أفضل منه. وما يميز السيارات أن المواطن يضخ رأسمال قليل ويحصد الأرباح بشكل مباشر، وهذه الأرباح تتناسب مع حجم رأسمال، فمثلاً عندما يشتري شخص سيارة بـ3 ملايين ليرة ويقوم بتأجيرها بـ25 ألف ليرة شهرياً، فهذا الرقم يتناسب مع سعر السيارة”.

وبيّن الباحث الاقتصادي، أن سوق السيارات في سورية خارجة عن قانون العرض والطلب، خاصة في ظل الاحتكار، حيث يوجد فئة معينة من التجار هم من يتحكمون بأسعار السيارات، وهذا ما يفسر أسباب التأرجح الكبير بأسعارها بين فترات زمنية متقاربة ودون أي منطق اقتصادي، مشيراً إلى أن كثرة العرض وزيادة اللاعبين في السوق من شأنه أن يحدث نوعاً من المنافسة وبالتالي خفض الأسعار، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث في سورية حالياً في ظل توقف استيراد السيارات، وتقلص أعدادها نتيجة “الحرب” والتهريب، والاقتصار على ما هو موجود من مستعمل دون جديد، بالإضافة لضعف إمكانيات التجار العاملين في هذا المجال مقارنة مع التجار الكبار.

 



صدى الشام