‘“غضبُ الفرات”… على مَنْ؟’
9 نوفمبر، 2016
حسن النيفي
شهدت المرحلة التي سبقت عملية “غضب الفرات” التي أُعلنت في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، والتي تهدف إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة الرقة، خلافًا سياسيًا وشدًّا وجذبًا بين الولايات المتحدة وحليفتها (قوات سورية الديمقراطية) من جهة، والحكومة التركية من جهة أخرى، ففي الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى استبعاد أي أثر لمشتقات حزب العمال الكردستاني من الوجود في المناطق السورية المتاخمة لها، يُصرّ الأميركيون على أن يكون الحليف الكردي ذراعهم الذي يعتمدون عليه في شمالي سورية، ويبرّرون هذا الإصرار بذرائع عدة، أبرزها أن القوات الكردية موجودة في معظم المناطق المحيطة بمدينة الرقة، ولا يمكن -لوجستيًا- الاستغناء عن هذه القوات التي يمكنها عزل المدينة عما حولها؛ تمهيدًا لاقتحامها، فضلًا عن ارتياح أميركي لأداء القوات الكردية غير المشروط للتوجهات الأميركية في المنطقة.
منذ أن تمكنت “قوات سورية الديمقراطية” من السيطرة على مدينة منبج في آب الماضي، باتت تتطلع للتوسع غربًا باتجاه مدينة الباب، ومن ثم تصبح مهمة الوصول إلى منطقة عفرين أكثر يسرًا، إذا ما استمرّت التغطية الجوية الأميركية، إلّا أن عملية “درع الفرات” المدعومة من جانب الحكومة التركية، والتي مكّنت فصائل الجيش الحر من تحرير جرابلس، وطرد تنظيم (داعش) من سائر المناطق المتاخمة للحدود التركية؛ وصولًا إلى مدينة أعزاز، واستمرار تقدمها باتجاه مدينة الباب، دفعت القوات الكردية لإعادة النظر في اتجاهات توسعها، فحصنت تمركز قواتها في القرى المحيطة بمنبج، وحرفت نظرها باتجاه مدينة الرقة شرقًا، تعزيزًا لوجودها في المنطقة الشرقية عمومًا، حيث تقع مدينة تل أبيض تحت سيطرتها، فضلًا عن وجودها في محافظة الحسكة حيث تتقاسم النفوذ هناك مع قوات النظام.
لم يُجدِ الحرص الذي أظهرته الولايات المتحدة لإشراك تركيا في معركة الرقة في إقناع حكومة أنقرة بالمشاركة؛ بسبب الحرص الأميركي ذاته على إشراك القوات الكردية أيضًا، ذلك؛ لأن أي قبول تركي بالقتال جنبًا إلى جنب مع الأكراد سوف يمنح القوات الكردية شرعية تعمل تركيا ما بوسعها لحجبها عن حزب الاتحاد الديمقراطي، أحد مصادر الخطورة على الأمن القومي التركي، بوصفه امتدادًا للعمال الكردستاني، المُصنّف إرهابيًا في تركيا. هذا المأزق تسبب بحرج للحكومة الأميركية، التي تحرص على تنسيق دائم مع الأتراك في ما يخص حروبها في الشمال السوري، لكنها -في الوقت ذاته- ترى أنه من الخطأ التفريط بالحليف الكردي الذي مازالت تحتاجه ذراعًا إجرائيًا في تصفية حساباتها مع الأطراف التي تحاربها.
لا تبدو جملة المخاوف والتوجسات التي يبديها كثيرون من عواقب الحرب المنتظرة على الرقة عائقًا أمام القرار الأميركي بشن تلك الحرب، ولم تُدخل الولايات المتحدة في حساباتها استياء أهالي مدينة الرقة -ذات الطابع السكاني العربي الصرف- من استبعاد فصائل الجيش الحر من المشاركة في تحرير مدينتهم، وكذلك تخوّفهم من هيمنة الأكراد على المدينة بعد تحريرها، ونشوب نزاع عرقي في المستقبل، فطالما أنها تنفّذ أجندتها العسكرية في أراض وبلدان بعيدة عنها، وطالما أنها -أيضًا- وجدت من يحارب عنها بالوكالة، أما مسألة الأمن المستقبلي والاستقرار الذي ينشده أبناء المنطقة والحرص على وقف نزيف الدم، فإن هذه الأمور لا تدخل في جملة المعايير التي تقف عائقًا أمام تحقيق المصالح الأميركية.
إذا ما سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على مدينة الرقة، ستكون هي المدينة العربية الثالثة، بعد تل أبيض ومنبج، التي تسيطر عليها، وتقوم بتطبيق أجندتها الحزبية الجهوية عليها، بدءًا من مناهج التعليم، وصولًا إلى التنسيق السياسي والعسكري مع النظام، بل لعله من غير المُستغرب أن تتوازى عملية تهجير سكان القرى العربية من مدينة كركوك العراقية مع عملية الهيمنة التي يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي، مدعومًا من الحكومة الأميركية، الأمر الذي يعزز الاعتقاد لدى كثيرين بأن ما ترسمه السياسات الأميركية في المنطقة إنما يؤسس لحرب عرقية، ربما لا تبدأ في القريب العاجل، ولكنها ستظهر في المستقبل لا محالة.