زواج البُعد في الجزيرة السوريَّة… آفَّة أم طريقة جديدة؟

10 نوفمبر، 2016

جيرون

“أهلي لم يُجبروني على أي شيء، مُذ كنتُ صغيرة، والآن أنا من اخترت مستقبلي مع شريكي في الحياة، وعلى الرغم من بُعد المسافة، فأنا مستعدّة لخوض أميال من المجهول التي أعلم أن أخطارًا جمّة في انتظاري، ربما قد تصل إلى درجة أن ألقى حتفي في الطريق، مثلما حصل مع أقراني”، تقول زينة، وهي فتاة من عامودا في العشرين من عمرها، وتتابع: “لا شكّ في أنّ ما أفعله هو خطأ جسيم، ولكن أنا مجبرة على فعل هذا الشيء، مستقبلي التعليمي ذهب أدراج الرياح وليس بمقدوري فعل شيء”.

بدأت ظاهرة الزواج وإرسال الفتاة إلى أوروبا، حيثُ زوجها، تحتل مساحة كبيرة من سورية، وخاصة عند الأكراد، والأسباب -وفق ترجيح الباحثين- هي غياب الفرص التعليمية؛ بسبب الأوضاع الأمنيَّة والاقتصادية المترديَّة، إضافة إلى انعدام الخيارات بالنسبة للشبَّان، وعلى طرفٍ آخر، عدم مقدرة العائلة على أن تلبّي رغبة شبابها في تأمين الزواج، كما كانت عليه الحال في الأيَّام الماضية، فالأزمات الاقتصادية لا تدع المجال للتفكير في الزواج ضمن سورية.

أحوال معيشيَّة

يقول الشابّ (إسماعيل)، المقيم في ألمانيا منذ ما يقارب العامين ونصف العام، بعد أن ضاقت به السبل في سورية: “اضطررتُ لترك البلد بعد انعدام الفرص والحجج في البقاء، حاولتُ كثيرًا أن أبقى ولكن القرارات (الحكوميَة) الجديدة، والتعليمية التي قضت على كل سبل البقاء، وجعلتني أمضي -مثلي مثل أغلب الشبَّان في المنطقة- إلى العثور على مكان جديد يكون آمنًا، ويوفّر لي مبلغًا أستطيع من خلاله تأمين زواجي الذي فشلت فيه عندما كنت في القامشلي”، ويتابع: “تمكّنت من تسيير أموري في ألمانيا بسرعة، وأنا الآن في انتظار زوجتي التي سوف تغادر القامشلي بعد أيَّامٍ قليلة”. وعند سؤاله عن شعوره وهو بعيد وعرسه بعد أيَّام يردّ: “لا شكّ في أن لحظات عديدة بالنسبة للشبَّان تكون لحظات لا تُعاد مرّة أخرى في الحياة، ولعلّ أهمها لحظات العرس، والفرحة التي تكون جزءًا من الحياة الجديدة المقبلة، ولكن في حالتي وحالة كثيرين أمثالي تغدو الحسرة هي الموقف الأشد بؤسًا، ثمّ القلق الذي يكون وفيرًا من قدوم شريكة الحياة عبر طريق صعب، والتي من المؤكّد سوف تقاسي كثيرًا في أثناء سفرها، خاصَّة عندما أتذكّر ما عانيناه لحظات الهجرة من أهوال الطريق والغابات التي مررنا بها والجوع الذي تحمّلناه بصعوبة بالغة قبل عامين من الآن”.

البنية الاجتماعيَّة

لا شكّ في أنّ البنية الاجتماعيَّة تتفكّك في أثناء الحروب، وأهمّ ما يمكن القول في هذه الحالة هو أنّ الحلول تكون معدومة؛ بسبب الهجرة التي تأخذ بعدًا اجتماعيَّا مؤذيًا، أي تفكك العلاقات الاجتماعية، تفكّك كل ما كان موجودًا قبل الحرب، وعليه يقول أحد الاختصاصيين الاجتماعيين لـ (جيرون): “ظاهرة الزواج وإرسال الزوجة إلى أوروبا أو إلى إحدى الدول المجاورة، كانت موجودة فعلًا قبل اندلاع الثورة، ولكن بنسب ضئيلة، لكن الأوضاع الرّاهنة دفعت بنسب كبيرة من الإناث إلى إتّباع هذا الخيار، كنوع من الهرب، أو كنوع من إعادة الثقة للنفس من خلال الاعتقاد بالفرص الموجودة في الدول الأوروبيَّة، والتي هي في الحقيقة قليلة، ولا تتوفّر بسرعة كما يتوهم كثيرون”، وتابع: “لكن حالات طلاق كثيرة حصلت بالتوازي مع حالات الاستقرار الفعليّة”، وعن الأسباب أوضح: “الأسباب كثيرة، لعل أهمها عدم التفهّم، فالزواج حالة ليست موقّتة، وإنما تشمل العمر كله، لذا؛ من المفترض أن يكون هناك تفاهم؛ كي تكون العملية ناجحة، ولكن في حال إرسال الفتاة إلى أوروبا سوف تتوفر صعوبات تفاهميّة، تودي إلى الطلاق غالبًا”.

وتقول إحدى العاملات في المجال المدني: “وصلت نسبة الإناث اللواتي تزوجن بهذه الطريقة إلى ما يُقارب الـ 10 في المئة من عدد الإناث الكرديات”، وتتفق مع أغلب الباحثين الاجتماعيين في أن الأوضاع الاقتصادية، وفقدان سبل الدراسة والتعليم في سورية يدفع بالإناث نحو هذا الاختيار الذي يعدّ مستقبلًا غامضًا ومجهول الهويَّة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]