موازنة 2017 تكشف هشاشة الوضع المالي للأسد


مرشد النايف

أنهت حكومة الأسد، مشروع موازنة العام 2017، في ظل تراجعات حادة لمجمل مولّدات الدخل للـ “الخزينة العامة”، ويكشف مشروع الموازنة هشاشة الوضع المالي للأسد بعد خمس عجاف، زاد فيها “الإنفاق العام” على آلة القتل، وتراجعت فيها الموارد حدّ الجفاف، وتآكل سعر الليرة؛ ما فرض على راسمي الموازنة زيادة الكتلة النقدية.

تبلغ كتلة الموازنة، التي صممتها حكومة الأسد وأرسلتها إلى “مجلس التصفيق”، مطلع الشهر الجاري؛ بهدف نيل “رضاه”، نحو 2660 مليار ليرة، بزيادة 34 في المئة (680 مليار) عن موازنة العام الجاري، البالغة 1980 مليار ليرة.

يمكن الاستدلال من أرقام الموازنة الكبيرة على أنها موازنة تضخمية، تماشي أسعار صرف الليرة التي تسجل انخفاضات مستمرة، وعليه؛ فان الأسد يلجأ إلى زيادة كتلة الموازنة كلما تراجع سعر الليرة.

يقدّر ما يُسمى برئيس “لجنة الموازنة والحسابات في “مجلس الشعب”، حسين حسون، نسبة العجز فيها بنحو 28 في المئة فقط! أي: 742 مليار ليرة. لكن ذلك العجز لا يُذهب فرحة رئيس اللجنة، فإنجاز مشروع الموازنة يُعدّ “رسالة للداخل والخارج بأن الاقتصاد السوري ومؤسسات الدولة بخير”

من أين سيحصل جُباة الأسد على الـ 680 مليار ليرة هذه؟ من أين ستأتي الإيرادات الجديدة، وكيف؟ ولا سيما ان الموارد التقليدية توقفت عن تزويد “الخزينة العامة” بروافد جديدة.

على الرغم من أن “وزير مال” الأسد “مأمون حمدان” يجيب على السؤال بتقديره أن “الإيرادات سترتفع العام المقبل بـ 560 مليار ليرة”، إلا أن “الغموض” يكتنف منابع هذه الإيرادات! ما مصادر هذه الإيرادات، فما تبقى من الاقتصاد، حيث يسيطر الأسد، لا يمكنه تحقيق أي موارد.

عجلة الإنتاج شبه متوقفة، والتحصيل الضريبي يسجل تراجعات حادة على مدى السنوات الخمس الماضية، فمن أين سيأتي “حمدان” بنصف تريليون ليرة؟

يرى خبير في الماليات العامة، أن سورية ومنذ حكم الأسد الأب لم تعرف موازنة حقيقية، وغالبًا لا تُضبط كفتا الموازنة: الانفاق الجاري والاستثماري.

على سبيل المثال، الموازنات الاستثمارية لا تصرف بشكل كامل في الوزارات والمؤسسات، ولذلك تتم عمليات نقل كبيرة من البند الاستثماري إلى البند الجاري، وتلجأ مؤسسات الفساد في “سورية الأسد” إلى التقتير في المصروفات خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، وتقلب التقتير إلى “سخاء” في الربع الأخير، حيث تنفق جميع رصيدها، حتى لا تخسر شيئًا من ميزانياتها في الأعوام التالية، ولذلك يسمى الربع الأخير عند حكومات الأسد المتعاقبة بـ “ربع الفساد”

ويضيف الخبير في حديث لـ (جيرون) “من مزايا فساد السياسات المالية التي تتمثل في الموازنة أن جزءًا من الموازنة الاستثمارية يحتاج إلى قطع أجنبي، وهو ما يمثل “مطارح” فساد جديدة، في ظل نضوب روافد القطع الأجنبي التي تأتي من الصادرات والسياحة وتحويلات المغتربين. ويرى أن الموازنة الاستثمارية لا لزوم لها، وهي مجرد “فذلكة” مالية، إذ يعلم الجميع، إن معظم المشروعات الاستثمارية متوقفة”.

وبالعودة إلى مشروع الموازنة نجد أن قيمة مبلغ مشروع الموازنة للعام المقبل ورغم أنه أكبر، إلا أنه أقل مما هو عليه في موازنة العام الجاري، وذلك اعتمادًا على أسعار صرف الليرة.

تقارب موازنة العام المقبل، مقومة بالدولار حدود 5,3 مليار دولار على سعر صرف 500 ليرة للدولار الواحد، وبالتالي هي أقل من موازنة العام الحالي التي بلغت 1980 مليار ليرة، على سعر صرف 330 ليرة للدولار، ما يعني أن قيمتها قاربت 6 مليارات دولار.

يمكن إطلاق صفة “التواضع” على موازنتي الجاري والمقبل، قياسًا بموازنة 2011 مثلا، التي وصلت إلى 17 مليار دولار، أي أكثر بثلاث أضعاف عما هي عليه حاليًا.

موازنة العام المقبل المثقلة بالعجز لحظت ما أسمته “الدعم الاجتماعي للعام 2017” وخصصت له مبلغ 1870 مليار ليرة، منها 15 مليار ليرة للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، و10 مليارات ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، و68 مليار ليرة لدعم السكر والرز.

يتضمن مشروع الموازنة الكثير من الأرقام “الفلكية” من قبيل تخصيص مبلغ398 مليار ليرة لدعم “الدقيق التمويني”، وهو رقم يعدّه كثيرون “وهميًا بامتياز”، إذ إن مجمل أرقام دعم الخبز التي يتداولها إعلام الأسد لا تتجاوز الـ 60 مليار ليرة سنويًا!

من مفارقات الموازنة أرقام اعتمادات الرواتب والأجور المتواضعة التي لا تتجاوز 432 مليار، قياسًا على أرقام الدعم للكهرباء (471 مليار ليرة) والخبز، مع أنه من الأولى تدعيم قطاع الرواتب؛ لأسباب “اقتصادية” كتنمية الطلب المحلي وتوسيع السوق الداخلية.

ورُصدت اعتمادات لمجالس المحافظات والمجالس المحلية، وكانت الحصة الأكبر فيها من نصيب محافظة اللاذقية بمبلغ 26.7 مليار ليرة، تلتها محافظة حلب بمبلغ 25.5 مليار ليرة، وهو ما يجعل من هذه الموازنة “سوريالية” بامتياز.




المصدر