خسائر كبيرة للقطاع الزراعي في الغوطة والحلول محدودة


مهند شحادة

يعاني القطاع الزراعي في الغوطة الشرقية بريف دمشق، صعوبات كبيرة، بفعل حصار النظام السوري واستهدافه المنطقة بأنواع شتى من الأسلحة، ما ألحق أضرارًا بالغة بهذا القطاع، بلغت ذروتها مع اقتحام قوات النظام، والميليشيات المساندة لها، لبلدات منطقة المرج جنوبي الغوطة، والتي تضم أكبر المساحات الزراعية، وهو ما أدى إلى تداعيات وانعكاسات سلبية على أكثر من صعيد، وما بات يهدد حياة أكثر من ربع مليون إنسان داخل الغوطة، إضافةً إلى انعكاساته على الاقتصاد السوري انعكاسًا عامًا.

الانعكاسات الاقتصادية لسقوط قطاع المرج

خلّف سقوط قطاع المرج، أو ما يُسمى بالقطاع الجنوبي للغوطة الشرقية، أضرارًا كبيرة للفلاحين، والمواطنين العاديين داخل الغوطة، حيث حذر كثير من الناشطين من أن شبح الجوع بات خطرًا حقيقيًا يهدد المنطقة؛ نتيجة خروج القسم الأكبر من المساحات الزراعية عن الإنتاج؛ بفعل سيطرة النظام السوري -قبل عدة أشهر- على المنطقة.

في هذا السياق، أكد المهندس الزراعي أبو عبادة لـ (جيرون) أن “خصوبة أراضي المرج، وانخفاض تكاليف الري والسقاية على الأنهار؛ جعل من هذه الأراضي محط أنظار المهتمين بالزراعة، وبذلوا كثيرًا في سبيل موسمٍ كان يبدو مبشرًا، وبالتالي؛ فإن سقوط قطاع المرج أدى إلى خسارة مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، ما أدى إلى غلاء قيمة استثمار وإيجار الأراضي الزراعية الممكنة، وكذلك نجم عنه خسائر كبيرة للمؤسسات الزراعية والفلاحين، أضف إلى ذلك، تفاقم مشكلة البطالة. اليوم يمكن القول أن ما بين 15 إلى 20 ألف عائلة تعتمد في دخلها على الزراعة، هي دون مصدر رزق، خسارة المرج أدت إلى ارتفاع كلف الإنتاج في ما يخص الأراضي الصالحة في القطاع الشمالي، على صعيد الري والتسميد، ومن جهةٍ أخرى انخفاض أسعار المبيع؛ ما جعل عديدًا من الفلاحين يتركون العمل الزراعي؛ لأنه خاسر”.

وأوضح أبو عبادة أن هناك خسائر فادحة على مستوى المحاصيل الاستراتيجية، كالقمح، حيث تقدر نسبة خسائر هذا المحصول بأكثر من 80 بالمئة، إضافةً إلى خسارة نحو 10 آلاف دونم من الأشجار المثمرة (مشمش، إجاص، وغيرها)، وكذلك خسارة قسم من الأراضي المخصصة لرعي المواشي، مشيرًا إلى أن أكثر من 40 ألف دونم تضرر تضررًا مباشرًا، منها 10 آلاف للأشجار المثمرة، و20 ألف دونم مخصصة لمحصول القمح، وأكثر من 5 آلاف دونم للمحاصيل الشتوية (فول، بازلاء وسواها).

الانعكاسات على العاصمة

وعن التأثيرات الاقتصادية، قال أبو عبادة: “انعكس سلبًا بالتأكيد، حيث أدى إلى ازدياد نسب البطالة في طبقة واسعة من العمال والفلاحين، داخل الغوطة الشرقية، وأدى إلى انحسار مصادر الدخل؛ لأن الزراعة هي المصدر الرئيس، وكذلك ارتفاع أجرة الأراضي المتبقية والصالحة للزراعة، وبالتالي؛ صعوبة استثمارها، أما بالنسبة للعاصمة، فقد أدى إلى ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه والأجبان والألبان، بفعل الحاجة إلى جلبها من أماكن بعيدة، وعدم القدرة على الإنتاج داخل العاصمة، وأيضًا ارتفاع نسب البطالة في دمشق؛ نتيجة انخفاض الكميات المعروضة للبيع؛ ما يعني قلة عدد العاملين في هذا المجال”.

لا تتوقف الانعكاسات السلبية لخسارة منطقة المرج، والأضرار الناجمة عنه على صعيد القطاع الزراعي، على الغوطة فحسب، بل له العديد من التداعيات على الاقتصاد الوطني، وهو ما أكده أبو عبادة بقوله: “نجم عن الخسائر، فقدان صادرات عديدة وبكميات كبيرة، والذي يعني خسارة مبالغ ضخمة من العملة الصعبة، التي كانت تأتي كعائدات من تصدير منتجات الكونسروة والأجبان وقمر الدين، بالتالي؛ أصبحت هناك حاجة لاستيراد عدد من المواد من خارج القطر؛ لتغطية العجز الحاصل، فعلى سبيل المثال، كان يوجد في الغوطة نحو 120 ألف رأس من الأبقار الحلوب، والناتج يورّد إلى العاصمة، ويُصدّر ما يفيض عن الحاجة، الآن لا يوجد أكثر من 3 آلاف رأس، فضلًا عن توقف عدد من الصناعات، أي توقف التصدير”.

الحاجات والحلول الممكنة

وفق أبو عبادة، فإن أهم حاجات القطاع الزراعي تبدأ بتأمين مصادر الطاقة، كالمازوت، أو توفير مصادر بديلة كالطاقة الشمسية، إضافةً إلى توفير الأسمدة؛ لتحسين وضع التربة، ودعم مشروعات صناعية زراعية مُتممة للعمل الزراعي (كونسروة، طحينة، وغيرها)، وكذلك تعزيز ودعم المشروعات الصيفية؛ لتأمين تصريف الفائض من الإنتاج، إضافةً إلى البحث عن طرق لإدخال تقنيات الري الحديثة؛ ما يساعد على خفض استهلاك الوقود، والعمل على زراعة بعض الأصناف المثمرة التي تتلاءم مع الواقع الحالي والاهتمام بالزراعات المكملة كالفطر مثلًا، وأما عن المشروعات والحلول الممكنة، قال أبو عبادة: “من الممكن العمل على إعادة تشجير المتاح من الأراضي الزراعية، وإكثار قطيع الأبقار والأغنام، وتكثيف الزراعة؛ للحصول على أكبر انتاج من وحدة المساحة، والبحث عن طرق لتصريف المنتجات، بما يتوافق مع تكلفة الإنتاج”، مضيفًا: “يمكن العمل على بعض المشروعات، مثل الزراعات الشتوية (قمح، شعير، فول، بازلاء)، وتعزيز المحاصيل الصيفية، الخضروات والذرة، وكذلك الأشجار المثمرة، خاصة اللوزيات منها، في الربيع الماضي عُمل على مشروع انتاج الفطر برعاية الهلال الأحمر، وكان من المشروعات الجيدة، ومن الممكن أن يتكرر خلال الفترات المقبلة، وهناك بعض المؤسسات التي تعمل على إعادة تشجير الغوطة، وأخرى تعمل على دعم المشروعات الشتوية، خاصةً القمح”.




المصدر