ابراهيم غرايبة يكتب: السياسات البريطانية والإخوان المسلمون


ابراهيم غرايبة

أعاد تقرير البرلمان البريطاني الذي نشر، أخيراً، موضوع الإخوان المسلمين في السياسة والمواقف البريطانية، فقد انتقد التقرير وزارة الخارجية البريطانية في انحيازها وتعميمها، ذلك أن مفهوم “الإسلام السياسي” الذي استخدمته الخارجية البريطانية غير واضح أو محدّد، كما أنه يتضمن طيفاً واسعاً من الاتجاهات والأفكار والجماعات المختلفة والمتباينة في موقفها من العنف والديمقراطية.
وكانت وزارة الخارجية البريطانية السابقة قد كلفت لجنةً، برئاسة السفير البريطاني السابق في الرياض، السير جون جينكينز، بإعداد تقرير عن جماعة الإخوان المسلمين ومدى التزامها بالديمقراطية والعمل السلمي، أو إن كانت تعتبر منظمة إرهابية. وعلى الرغم من أن التقرير لم يعتبر الجماعة إرهابية، فقد دان عدم وضوحها وكونها ملهمة لجماعات العنف، واعتبر سيد قطب أحد أهم مفكري الجماعة وملهمها ملهماً أيضاً لجماعات العنف، وقد أسّست أفكاره لعمل هذه الجماعات وأيديولوجيتها، في حين لم تدن الجماعة هذه الأفكار، ولم تعلن أنها تخلت عنها. وقد أثيرت شبهات حول مدى مصداقية التقرير، أو أن تكون السعودية قد مارست تأثيراً على التقرير، لكن تقرير البرلمان أكّد أنه لم يلاحظ نفوذاً للسعودية على التقرير.
وبالطبع، لا يمكن النظر إلى تقريري الخارجية البريطانية والبرلمان أنهما دراستان منهجيتان، وأن مردّ الخطأ فيهما إلى أخطاء معرفية أو منهجية، حتى في حالة حدوث ذلك، ولو كانت العملية بحثيةً أو معرفيةً، لاعتمدت الحكومة، وكذلك البرلمان على جهود وأعمال مراكز الدراسات العلمية، لكنهما (التقريران) في سياق الجدل حول السياسة البريطانية وتطور الأحداث في الشرق الأوسط، فالمرجّح أنه، في ظل فشل الأنظمة السياسية في مناطق العنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط في إدارة الحياة السياسية والاقتصادية وتحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، لم يعد ممكناً الاستمرار في تأييد هذه الأنظمة، فالفشل لا صديق له، ولا مصلحة للدول الكبرى في دعمه وتأييده.
يقترح تقرير البرلمان البريطاني ثلاثة معايير لإرشاد السياسة البريطانية في هذا المجال، وهي
“يرجّح التقرير البرلماني البريطاني أن طبيعة الإسلام تدعم استمرار التداخل بين الدين والسياسة في المستقبل المنظور” المشاركة الديمقراطية ودعمها والالتزام بها، ورفض العنف التزاماً أساسياً واضحاً لا لبس فيه، والالتزام العملي والفلسفي والفكري بحماية الحقوق والحريات والسياسات الاجتماعية التي تنسجم مع قيم المملكة المتحدة.
وفي تطبيق هذه المعايير على الجماعات السياسية الإسلامية، يلاحظ التقرير أن بعض الجماعات الإسلامية تشارك في الانتخابات العامة على أساس من الإيمان بالديمقراطية والالتزام بها، وهذا ما يجب أن تشجعه السياسة البريطانية، وفي الوقت نفسه، فإن جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من التزامها الديمقراطي والسلمي، فإن عملها يكتنفه كثير من الغموض والسرية، ولكن أيضاً يمكن تفهم ذلك بسبب القمع السياسي.
والحال أن غياب الديمقراطية الذي يغلب على الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عدا استثناءاتٍ زمانيةٍ ومكانيةٍ مازالت هي أيضا محاطةً بالغموض وعدم الالتزام؛ يجعل من الصعب إدانة السرية والغموض لدى الجماعة. لكن، يمكن النظر إلى التجارب والأحداث الواقعية في مصر وتونس والمغرب، والتي ترجّح إمكانية التوجه الديمقراطي والسلمي لدى الجماعة، وخصوصاً التجربة التونسية.
كانت إجابات “الإخوان المسلمين”، حسب التقرير، متناقضة وغير حاسمة بشأن الديمقراطية والعنف وتفسير النصوص الدينية وتطبيق الشريعة الإسلامية، كما أن تصريحات الجماعة وبياناتها كانت مختلفةً، حسب لغة البيان والجمهور المستهدف. وعلى الرغم من أنها سياسة متبعة لدى السلطات والجماعات السياسية الأخرى، فإن ذلك يظل عملاً مداناً، وأيد البرلمان موقف الحكومة البريطانية في عدم اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وفي المقابل، يجب الأخذ بالاعتبار أيضاً سلوك الجيش في عزل الرئيس المنتخب، وحلّ حكومة “الإخوان”، وقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين في أغسطس/ آب 2013 وما تبع ذلك من اعتقالاتٍ واسعةٍ وقمع واضطهاد في مصر وأماكن أخرى.
تعكس ظاهرة الجماعات الإسلامية قوة الأفكار العابرة للحدود الوطنية، وقد نشأت أفكار سياسية وأيديولوجية عالمية وإقليمية، ويدعو التقرير إلى استخدام لغة أكثر دقةً للتمييز بين أنواع مختلفة من الإسلاميين السياسيين، فقد بدا واضحاً أن هناك اتجاهان على الأقل ضمن الإسلام السياسي، أحدها يدعم مبادئ الديمقراطية والقيم الليبرالية، والآخر يتخذ موقفاً متعصباً ومتطرفاً ويرفض الديمقراطية. وليس مناسباً أن يوضع الاتجاهان في سلة واحدة.
شاركت فئة من الجماعات الإسلامية في الانتخابات النيابية والبلدية، والتزمت بالانتخابات آلية
“من شأن انتخابات حرّة ونزيهة أن تشجّع الجماعات الإسلامية إلى تبني أيديولوجية أكثر واقعيةً” للتنافس السياسي، ويجب أن يسمح بالمشاركة بحرية في العمليات الديمقراطية، وأن تؤخذ هذه المشاركة معياراً لحرية الانتخابات في الشرق الأوسط. وقد أكد الإسلاميون السياسيون، في أحيان كثيرة، مفهوماً للديمقراطية، يقوم على الالتزام بنتائجها واستعداد لتقاسم السلطة. وفي تونس، مضت حركة النهضة في الثقافة الديمقراطية إلى مرحلةٍ أكثر تقدماً باستعدادها للتخلي عن السلطة سلمياً، حسب نتيجة الانتخابات.
من شأن انتخابات حرّة ونزيهة أن تشجّع الجماعات الإسلامية إلى تبني أيديولوجية أكثر واقعيةً، وأكثر مرونةً تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، قد تكون بطيئةً في استجابتها الإيجابية، ولكنها مرحلة انتقالية. وهنا، يدعو التقرير البرلماني وزارة الخارجية البريطانية إلى أن تفعل ما في وسعها لتسريع هذه العمليات، تمشياً مع الالتزام العالمي بالدفاع عن حقوق الإنسان. وفي ذلك، على وزارة الخارجية تشجيع الجماعات السياسية الإسلامية لقبول الإيمان بحقوق الإنسان والحريات العامية والسياسات الاجتماعية المنسجمة مع قيم المملكة المتحدة، ويرجّح التقرير أن طبيعة الإسلام تدعم استمرار التداخل بين الدين والسياسة في المستقبل المنظور، ويجب استيعاب هذه المسألة.

المصدر: العربي الجديد

ابراهيم غرايبة يكتب: السياسات البريطانية والإخوان المسلمون على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا