الخدمات الطبية جنوبي سورية بين النقص والإغلاق


طارق أمين

لا يعاني السوريون -في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام- من عنفه وحربه فحسب، بل يعانون أيضًا من نقص حاد في كل ما يتعلق بالحياة اليومية وأساسياتها، ومن أبرزها النقص في الأجهزة والمستلزمات الطبية، حيث تشهد هذه المناطق في درعا في جنوبي سورية، نقصًا حادًا في المعدات الطبية الأساسية التي لا يمكن نجاح واستمرار عمل الأطباء من دونها، وتتعطل أعمال المستشفيات الميدانية والعلاجية في ظل نقصها، كأجهزة الرنين المغناطيسي والتصوير الطبقي المحوري وأجهزة التحليل وغير ذلك، ومع استمرار إغلاق المعابر الحدودية مع الأردن، ومنع دخول أي معدات وإغاثة من الجنوب، صارت المعاناة مستمرة ومتفاقمة، تشبه انتظار بعضهم الموت ؛ لعدم قدرتهم على تلقي العلاج الملائم، أو حصول أخطاء كبيرة وعديدة في تشخيص الأمراض؛ نتيجة فقدان هذه المعدات.

فقر في الوسائل والأجهزة

وحول صعوبات القطاع الطبي في درعا، قال الطبيب محمد الحمد، مدير مستشفى بصرى الشام الميداني لـ (جيرون): “الصعوبات كبيرة، فالمستشفيات الميدانية تفتقر إلى سيارات الإسعاف المجهزة، ونعتمد اعتمادًا كاملًا على سيارات الدفاع المدني والوحدة الطبية، والمستشفى قادر على استيعاب أعداد كبيرة من المرضى، فالمكان متوفر، ولكنه يفتقر إلى جهازي الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي؛ بسبب التكلفة المالية الكبيرة، وعدم وجود مُموّل لشرائها، واستحالة إدخالها إلى المناطق المحررة، على الرغم من الحاجة الملحة لها؛ لتحديد أو تشخيص الحالة المرضية بدقة؛ ما يقود إلى تقرير التداخل الجراحي الإسعافي”.

وأشار الحمد إلى أن طريقة التعامل مع الحالات التي تحتاج إلى تصوير متطور في الوقت الحالي “يتم عن طريق الفحص السريري الدقيق، والمراقبة الحثيثة، وتقديم العلاجات الإسعافية فحسب”. من جانب آخر، أكد أنه “لم تدخل أي حالة مرضية إلى الأردن، منذ ما يقارب خمسة أشهر؛ ما ينتج عنه وفاة المريض في أغلب الحالات”.

أوضح أن المعاناة لا تقتصر على أجهزة الرنين، والطبقي محوري، فالمستشفيات بحاجة -أيضًا- إلى أجهزة أخرى، مثل: الأجهزة التي تُغني عن العمل الجراحي في “تفتيت الحصيّات، وأيضًا جهازي “الايكو دوبلر، والقثطرة القلبية”، وكلها غير موجودة في المستشفيات الميدانية في درعا، ووجودها سيُنهي معاناة كثيرين، ممن لا يستطيعون الذهاب إلى مستشفيات النظام، أو الدخول إلى الأردن”.

هجرة الكفاءات

إلى ذلك، قال عبد الطيف الخليل، الممرض في مستشفى بصرى الميداني: “تُعاني المستشفيات الميدانية في درعا من غياب كامل لأجهزة التصوير (الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي)، كما تعاني محدودية كبيرة في الخبرات الطبية، في اختصاصات الأوعية والعصبية، وهو ما جعل الوضع الطبي في الداخل محدود الإمكانات، وخاصة بعد العمليات العسكرية للنظام، وتصاعد وتيرة القصف بأشكاله المختلفة؛ ما أدى إلى ارتفاع نسبة الحالات الحرجة من الجرحى، من جراء القصف، وهذا يتطلب نقل الجرحى من مستشفى إلى آخر،  بحسب استيعاب أعداد المرضى في كل مستشفى”، وعدّ أن “هجرة الكفاءات الطبية كان لها الأثر الأكبر في تفاقم معاناة الأمراض المزمنة”.

الطبقي محوري خط أحمر!

وبحسب الطبيب مراد حامد الهلال، مدير المكتب الطبي في مجلس محافظة درعا الحرة، فإن عدم توافر الأجهزة الطبية المتطورة نتيجة لعدة أسباب: أوّلها “عدم السماح بدخولها من الأردن” لأسباب وصفها بالمجهولة، و”نتيجة الحصار الطبي الذي تفرضه حواجز النظام، وتمنع دخول هذه الأجهزة إلى مناطق سيطرة المعارضة”، كما أكد الهلال لـ (جيرون) أن “عدم وجود الكفاءات والخبراء المختصين، شكّل مبررًا أمام المنظمات الطبية لعدم إدخالها تلك الأجهزة”.

وفي هذا السياق، أوضح الهلال أن “أجهزة الطبقي المحوري مهمة جدًا، فهناك حالات لا تستطيع أن تعمل لها أي شيء، دون تشخيص المرض، والتشخيص يعتمد على تصوير الطبقي المحوري، كإصابات الرأس، والعمود الفقري، والنزف، والجلطات الدماغية”، وأضاف: “إن عدم توافر تلك الأجهزة، يُشكّل خطورة كبيرة على المريض، ويضعه أمام صعوبات الدخول إلى الأردن، ما يؤدي إلى تدهور صحة المريض”، وأشار إلى أن “حالات كثيرة قد توفيت عند الحدود الأردنية، وعلى مرأى من أعين حرس الحدود، ولم يسمحوا لها بالدخول”، وأشار -أيضًا- إلى أنهم “حاولوا التنسيق مع الأردن؛ لأجل دخول الحالات الإنسانية، ولم يُستجب أو يُرد حتى الآن”.

ويعبّر أبو حامد عن معاناتهم كأسرة، بعد إصابة ابنه في رأسه، نتيجة حادث سير، وعدم وجود جهاز للتصوير في المستشفيات المتوافرة في المنطقة، وخاصة جهاز الطبقي محوري، قائلًا: “كان ولدي بحاجة إلى صورة طبقي محوري حاجة سريعة، نقلناه إلى معظم المستشفيات الميدانية في درعا، ولم يكن الجهاز متوافرًا في أي منها، ونقلناه إلى الحدود الأردنية بعد الاتصال بأحد السوريين المعنين في المجال الطبي في الأردن، ومع ذلك؛ لم نستطع إدخاله، حيث توفي ولدي بعد يومين من الحادث، دون تشخيص المرض ومعرفة الإصابة.

وناشد عدد من الناشطين في الجنوب السوري، المنظمات الإنسانية والطبية كافة؛ لمد يد العون، وتزويد المستشفيات الميدانية في الداخل السوري بالأجهزة الطبية المتطورة، وخاصة الطبقي المحوري؛ للتخفيف من معاناة المصابين، والتعويض عن إغلاق الحدود، ومنع دخول الحالات الإسعافية إلى المستشفيات الأردنية.




المصدر