المجمّع الانتخابي في أمريكا، اختراع قديم لمشكلة لم يعد لها وجود…بل أصبح هو المشكلة


العنوان الأصلي:

السبب المقلق في وجود المجمع الانتخابي، كان لدى الآباء المؤسسين شيئ ما في أذهانهم عند إعدادهم لنظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية: العبودية

 

 

بينما ينتظر الأمريكيون الدورة الرباعية لعقبة المسار الرئاسي التي تُعرَف الآن بالمجمع الانتخابي أو الهيئة الانتخابية، يجدر بنا في المقام الأول أن نتذكر السبب في وجود هذه البدعة السياسية الغريبة. بعد هذا، ينتخَب حكام الولايات في الولايات الخمسين جميعها عن طريق التصويت الشعبي؛ إذاً لمَ لا نقوم بالشيء نفسه مع حاكم جميع الولايات، الذي يعرف أيضاً باسم الرئيس؟ وقد ظهرت مراوغات نظام المجمع الانتخابي هذا الأسبوع عندما ضمن دونالد ترامب الرئاسة بغالبية أصوات المجمع، على الرغم من حصول هيلاري كلنتون على دعم شعبي بفارق ضئيل.

يدّعي البعض أن آباءنا المؤسسين اختاروا نظام المجمع الانتخابي خلال الانتخابات المباشرة بغية تحقيق التوازن بين مصالح الولايات ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق منخفضة الكثافة. إلا أن أعمق الانقسامات السياسية في أمريكا لم تكن على الدوام بين الولايات الصغرى والكبرى، إنما كانت بين الشمال والجنوب والمناطق الساحلية والداخلية.

وكانت إحدى حجج مرحلة التأسيس للهيئة الانتخابية تنبع من حقيقة أن الأمريكيين العاديين عبر القارة الشاسعة سيفتقرون للمعلومات الكافية في اختيارهم المباشر والذكي لأحد المرشحين الرئاسيين.

وقد ظهر أثر الاعتراض على ذلك جلياً في ثمانينات القرن الثامن عشر، عندما أصبحت الحياة محلية على نحو أكبر. لكن الظهور المبكر للأحزاب الرئاسية الوطنية جعلت من هذا الاعتراض غير ذي قيمة من خلال ربط المرشحين الرئاسيين بقوائم المرشحين المحليين والبرامج الوطنية، ما فسر للناخبين موقف كل مرشح أو حزب.

 

وعلى الرغم من أن واضعي دستور فيلاديلفيا لم يتوقعوا ظهور نظام الأحزاب الرئاسية الوطنية، إلا أن التعديل الثاني عشر -المقترَح عام 1803 والمصادق عليه بعد عام من ذلك- تمت صياغته مع وضع نظام الأحزاب هذا في الاعتبار، وذلك في أعقاب انتخابات العام 1800- 1801. وفي تلك الانتخابات، تبلور حزبان أوليان؛ وهما الحزب الفيدرالي بقيادة جون آدامز والجمهوري بقيادة توماس جيفرسون. كما كان هذان الحزبان مستعدين للقتال من أجل البقاء. وفي النهاية، تفوق حزب جيفرسون، لكن لم يكن له ذلك إلا بعد أزمة طويلة تأججت جراء أخطاء عدة في آلية الانتخابات التي أعدها واضعو الدستور. ولم يكن لدى الناخبين الجمهوريين، على وجه الخصوص، أية طريقة رسمية ليحددوا من خلالها رغبتهم في أن يشغل جيفرسون منصب الرئيس وآرون بور في منصب نائب الرئيس وليس العكس. وعندها حاول بعض السياسيين استغلال الارتباك الناجم عن ذلك.

ومن ثم تم إدخال التعديل الثاني عشر، الذي سمح لكل حزب بتعيين مرشح للرئاسة ومرشح منفصل لمنصب نائب الرئيس. وقد حولت التغييرات المدخلة على تعديل العملية الانتخابية مسار الإطار الذي حدده واضعو الدستور، متيحاً الفرصة أمام انتخابات رئاسية تكون مفتوحة للعلاقات الشعبية والحزبية لتضم بذلك تذكرتين متنافستين. كما أن التعديل الثاني عشر المدخل على نظام المجمع الانتخابي هو الذي ما يزال قائماً حتى اليوم، وليس النظام الذي أعده واضعو دستور فيلادلفيا. وفي حال كانت قلة دراية المواطنين على العموم هي السبب الحقيقي في وجود المجمع الانتخابي، فقد تم وضع حل لهذا المشكلة إلى حد كبير بحلول العام 1800. في هذه الحال، لمَ لم تلغى بدعة المجمع الانتخابي بالكامل في تلك المرحلة؟

نادراً ما ذكرت أرصدة الطبقة المدنية القياسية في المجمع الانتخابي الشيطان الحقيقي الذي قضى على الانتخابات الوطنية عام 1787 و18.3 : العبودية.

في مؤتمر فيلادلفيا، اقترح جيمس ويلسون صاحب الرؤية في بنسلفانيا انتخابات وطنية مباشرة للرئيس. إلا أن الداهية جيمس ماديسون في فرجينيا أجاب بأن هذا النظام سيثبِت عدم قبوله في الجنوب، إذ قال: “إن حق الاقتراع في الولايات الشمالية كان أكثر انتشاراً (أي أوسع) من الولايات الجنوبية. كما لم يكن لدى الولايات الجنوبية أي تأثير في نتيجة تصويت الزنوج”. وبعبارة أخرى، في نظام الانتخابات المباشرة، سيتفوق الشمال على الجنوب، الذي لا يستطيع العبيد الموجودون فيها (ما يعادل أكثر من نصف مليون) التصويت بالطبع. لكن الهيئة الانتخابية – النموذج الذي اقترحه ماديسون في الخطاب نفسه- سمح بدلاً من ذلك لكل ولاية جنوبية بحساب عدد العبيد فيها، حتى وإن كان هناك تخفيض بنسبة الخمسين، في حساب حصتها من العدّ الكلي.

ظهرت فرجينيا بمظهر الفائز الكبير مع فارق 12 من أصل ٩١ صوت من الأصوات المخصصة في دستور فيلادلفيا، وذلك أكثر من ربع الأصوات الـ 46 المطلوبة للفوز في الانتخابات في الجولة الأولى. وعقب إجماع العام 1800،  ضمت ولاية ويلسون الحرة، بنسلفانيا، عدداً من الأحرار أكثر من فرجينيا بنسبة 10% ، إلا أنها في الوقت ذاته خرست ما نسبته 20% من الأصوات الانتخابية. وعلى العكس من ذلك،  مع ازدياد عدد العبيد الذين تجلبهم أو تنجبهم فيرجينيا (أو أية ولاية أخرى للعبيد)، كلما تلقت المزيد من الأصوات الانتخابية. وكلما حررت أية ولاية للعبيد أياً من السود لينتقلوا بعدها إلى الشمال، ستفقد الولاية في الحقيقة أصواتاً انتخابية.

 

وإذا لم يكن ميل النظام هذا المؤيد للعبودية واضحاً بصورة كبيرة عنما تمت المصادقة على الدستور، إلا أنه سرعان ما أصبح كذلك. وعلى امتداد الأعوام الـ 32 من السنين الـ 36 الأولى من وضع الدستور، سيطرت فيرجينيا التي تسمح بامتلاك الأرقاء على منصب الرئاسة.

فعلى سبيل المثال، كسب الجنوبي توماس جيفرسون الانتخابات عام 1800- 1801 ضد الشمالي جون آدامز في سباق كانت فيه العبودية في المجمع الانتخابي الهامش الحاسم للانتصار: أي إنه دون وجود أصوات المجمع الانتخابي الإضافية الناجمة عن العبودية، لن تكون غالبية الولايات الجنوبية المؤيدة لجيفرسون كافية لمنحه الأغلبية الساحقة. وكما لحظ المراقبون في ذلك الوقت، توجه توماس جيفرسون، مجازاً، إلى القصر الرئاسي على ظهر العبيد.

وقد أظهر السباق عام ١٧٩٦ بين آدامز وجيفرسون انقساماً أكثر حدة بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية. وبذلك، في الوقت الذي أدخِل فيه التعديل الثاني عشر على نظام المجمع الانتخابي بدلاً من الإلقاء به، كان تحيز النظام المؤيد للعبودية بالكاد أمراً سرياً. في الحقيقة، في مناقشته في الجلسة حول التعديلات أواخر العام 1803، اشتكى عضو الكونغرس من ماستشوتس صاموئيل تاتشر من أن “تمثيل العبيد يضيف 30 عضواً إلى المجلس في الكونغرس الحالي، و18 ناخباً للرئيس ونائب الرئيس في الانتخابات القادمة”. غير أن شكوى تاتشر تلك لم ينظَر فيها . ومجدداً، استسلم الشمال للجنوب عن طريق رفض الإصرار على انتخابات وطنية مباشرة.

وفي ضوء هذا الحساب الأكثر اكتمالاً (إن كان أقل إطراءً) للهيئة الانتخابية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، ينبغي على الأمريكيين أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا يريدون الإبقاء على هذه المؤسسة الغريبة -أو لعلي أجرؤ على القول العجيبة؟- في القرن الحادي والعشرين.

رابط المادة الأصلي : هنا.

 

 



صدى الشام