‘مقال قد يستفزك جداً .. جرّب قراءته: هكذا نحلّ الصراعات الدينية والمذهبية’

12 نوفمبر، 2016

ربما يبدو المقال غير منطقي، وهو كذلك فعلاً، لكن أين المنطق في كل ما يحدث؟!. أبو بكر البغدادي أعلن الحرب على العالم باسم “خلافة الإسلام”، والقيصر الروسي فلاديمير بوتين غزا سورية مسلحاً ببركات الكنيسة الأرثوذكسية ، ودونالد ترامب اقتحم البيت الأبيض مستنداَ إلى نفوذ وصلوات أتباع الكنيسة الانجيلية، التي ازدادت حرارة على وقع تصريحاته المعادية للمسلمين، فيما أعلن جورج بوش الابن قبله عبر “زلة لسان” انطلاق الحروب الصليبية الجديدة” .. جرعة جنون أخرى وتتحقق نبوءة فوكوياما “1992” بـ “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” التي لا تعني توقف الأحداث أو العالم عن الوجود، واعتبرت آنذاك ضرباً من الجموح في التفكير والخيال.

 عموماً، “جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “ميكروسيريا”، لكنه يفسح المجال أمام وجهات النظر المختلفة، والمتضاربة”.

نعيم مصطفى – ميكروسيريا

لا بد من الإشارة بداية من أنني لا أقصد في هذا المقال تفكيك الدول المستقرة والتي لها صبغة فسيفسائية ومتعايشة مع بعضها ويسود بين مواطنيها مناخ السلم والسلام والمودة، وأزعم في هذا العصر أنها قليلة ولو وُجدت تلك البلدان فإنها غير مبرّأة من اللوثة الطائفية .

ثمة مقولة للأديب والمؤرخ المعروف ،جرجي زيدان، علماً إنه مسيحي، والمسيحية كما هو شائع أقل اهتماماُ بالدين من المسلمين، بل إن معظم شعوبهم تزعم أنها علمانية ، فحوى  فكرة زيدان أن أهم شيء في حياة الإنسان هو الدين، ودليله على ذلك أن أي فئة من الناس على اختلاف مشاربها إذا ما أرادت أن تستعمر أرضاً، وتعيش فيها أول ما يتبادر إلى ذهنها بناء مكان للعبادة، قبل التفكير ببناء مدرسة أو مشفى وما إلى ذلك …

والحقيقة أن تلك المقولة صحيحة إلى حدّ ما ، وتنطبق على مساحة كبيرة من الواقع الذي نعيشه.

لو نظرنا الآن إلى ساحة  الصراعات والنزاعات في العالم، محاولين تشخيص الداء ، لرفع برأسه داء الدين والمذهبية قبل كل شيء.

نستهل الحديث عن العراق، فما إن انتهى عصر صدام حسين حتى اشتعلت الحرب الداخلية بين أطياف المجتمع حكومة وشعباً، وقد كان الطابع الرئيس من دون مواربة ولا مجاملة الذي يتحكم في حياة الناس، هو الطابع الديني – وهنا أنا لا أميز بين مذهب ودين طالما بينهما سفك دماء واحتراب –  فقد تسللت إيران إلى العراق، وراحت تتمدد شيئاً فشيئاً، وليس لها أي مسوّغ سوى أنها شيعية، والذي يحكم العراق شيعي، مما يجعله تارة يغض الطرف عن دخولها، وتارة أخرى يستعين بها لقمع المواطنين السنة الذين يساوونهم في العدد تقريباً.

ولو تحولنا إلى اليمن، لوجدنا أن إيران تدخل النزاع، وتعلن اصطفافها إلى جانب الحوثي، لا طمعاً بالثروة النفطية، أو المعدنية، أو …  فاليمن دولة فقيرة، وإنما بدافع ديني، وهو حماية الحوثيين، وقتل السنة .

ولو توجهنا إلى سورية، لانجلت الصورة أكثر فأكثر ، فالثورة السورية بدأت منذ ما يزيد على خمس سنوات، وقد كانت الأسباب العامة لاندلاع تلك الثورة العظيمة، هو الظلم والفقر والاضطهاد والقمع والاستبداد، الذي مارسه الأسدان الأب ومن بعده الابن، ولو فتشنا عن الأسباب الرئيسية وراء تلك الثورة، لوجدناها مخلفات طائفية دينية، ففي الثمانينات من القرن الفائت، قام حافظ الأسد الأب بمجزرة مروعة في حماة وحلب وإدلب … راح ضحيتها ما ينوف على ثلاثين ألفاً سورياً بحجة أنهم إرهابيون ، ولكن الأسباب الحقيقية التي تكشفت لكل ذي بصيرة فيما بعد، أنها أسباب طائفية ، فحافظ  من الطائفة العلوية، ومدينة حماة بالذات مدينة مُحافظة ومتميزة عن باقي المدن السورية، فقد قام حافظ وأخوه رفعت باختلاق سبباً لإبادة المدينة، فحاكا مؤامرة حيث وظفا نحو ثلاثمئة شخصاً بحجة أنهم إخوان مسلمون، وحدداً لهم أهدافاً ونقاطاً .. وهي قتل شخصيات علوية لها وزن سياسي وثقافي، ومن ثم أصدر الرئيس الأوامر بإبادة المدينة، وصب عليها جام أسلحته الخفيفة والثقيلة جواً وبراً ، وبعد أن فرغ من ذلك، وبث الروع والرعب في نفوس السوريين، شرع يُنكل بالشعب، بحجة أنه كان مسانداً للإخوان، أو هو من الإخوان، فكل من له لحية سيق إلى السجن، وكل من يصلي في المسجد إما أن يُعتقل، أو يُراقب، أو يُوظف مخبراً، وهكذا كانت السياسة، وهذه المأساة تحتاج إلى كتب، ولكنني حسبي أن أسوق الشاهد الذي تدور حوله فكرتي .

وبناءً على تلك الأحداث همّش النظام السنة الذين يمثلون ثمانين بالمئة من الشعب، وأبعدهم عن الجيش وعن المناصب الحساسة والرئيسية، وعبّد الطريق للطائفة العلوية للهيمنة على مقدرات الدولة كلها.

هذه هي الأسباب الرئيسية التي دفعت الشعب السوري للقيام بثورته الآنية، إضافة إلى أسباب فرعية أخرى .

وإذا ما نظرنا إلى المشهد السوري اليوم، فإننا نجد أن اللاعبين معظمهم يتمترسون بالطائفية ، فالميليشيات التي تساند بشار الأسد هي إضافة إلى دولة إيران الشيعية حزب الله الشيعي، وميليشيات أفغانية وباكستانية شيعية، وحتى دخول روسيا إلى سورية ليس مبرّأ من العامل الديني- وهو ليس رئيسي، لأن الشيشان السنة كانوا أعداءها اللدودين، فأعملت فيهم أسلحتها الفتاكة، وكانت مجزرة “غروزني” الشهيرة.

وإذا ما نظرنا إلى الضفة الثانية، فإننا نجد أن من يقف مع الشعب السوري المظلوم، هم السنة المتمثلين بتركيا وقطر والسعودية .

وقد يعترض علي معترض قائلاً، إن التحليل الذي تسوقه ينطبق على الجماهير العوام وتترفع عنه النخب، لكن الواقع ينفي هذا الاعتراض ، فكبار المفكرين والمنظرين قد نظر إلى الأحداث نظرة طائفية واصطفّ اصطفافات طائفية، وخير مثال على ذلك المفكرين السوريين أدونيس وجلال العظم، مع أنهما كانا علمانيين متطرفين، ولكنهما عادا إلى جذورهما الدينية .

ولو نظرنا الآن إلى العالم برمته، لوجدنا  أن عامل الدين فيه  قوي، ولكنه متفاوت بين دولة وأخرى، علماً أن معظم الدول العالمية والأوربية تدّعي أنها علمانية ، ففي فرنسا  يُحارب الإسلام والمسلمون جهاراً نهاراً، بلباسهم وطعامهم وشعاراتهم، ويتنافس الساسة الفرنسيون أيهم أشدّ حرباً على الإسلام، من أجل أن يصلوا إلى سدة الحكم.

ولا ننسى الأحداث التي وقعت في الصين منذ سنوات ليست ببعيدة، وراح ضحيتها كثير من المسلمين ، كذلك الاضطهاد الذي رأيناه في ميانمار ضد المسلمين، والقائمة تطول…

والآن، وبعد أن قمت بتشخيص المرض في معظم النزاعات في العالم، لا بد لي من محاولة وضع اليد على  الدواء والمصل، الذي يتجلى في نظري بفرز الشعوب- فرز اختياري طبعاً- بمساند ة أصحاب القرار، ومن بيدهم السلطة التنفيذية .

فمثلا إيران دولة شيعية فيها أقلية سنية – وهي كما أشرنا في السطور السابقة حريصة كل الحرص على سلامة المواطنين الشيعة من الظلم- فلتأتي بالشيعة من سورية (وفروع الشيعة كالعلويين التي تساندهم) ومن اليمن ومن البحرين…وهي أعداد ليست بأكثر من السنة عندها، ولتدفع بالسنة إلى البلدان السنية، والمسيحيون في الدول العربية ليذهبوا إلى الدول  الأوربية وليعد المهجرون السنة – الذين يضيق بهم الغرب لدينهم فقط – إلى بلدانهم، بعد الضمانات والاتفاقيات الدولية بمساعدة الدول التي أتحدث عنها، في بناء تلك البلدان بناءً ديمقراطياً قد تطهّر من التمييز الطائفي .

وتطبيق هذه الفكرة لا يحدّ من السياحة والتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي .. وإنما يجعل كل شخص يعيش في المناخ الذي يتلاءم معه، في كل شؤونه الدينية والدنيوية (من عبادة وزواج وطلاق وطعام وشراب ولباس …).

وثمة أمر لابد من الإشارة إليه، وهو أن بعض الأديان والمذاهب مأمورة شرعاً بنشر عقيدتها ، فالمسلمون واجب عليهم نشر الإسلام في كل بقاع الأرض ، والمسيحيون مطلوب منهم التبشير بديانتهم …

والجواب على ذلك أنه لا تناقض بين ما دعونا إليه وبين ما هو واجب ديني، ففي الماضي كانت ثلة من العلماء والآيات والخوارنة ترحل من مكان لآخر لبث دينهم ونشره، أما الآن فالآليات والأدوات اختلفت ففي الوقت الراهن يمكن للفرد أن يبث أقواله وأفكاره وآراءه عبر دقائق على العالم بأسره، فالتقدم التكنولوجي المدهش في الاتصالات والتواصل بكافة أشكالها التلفزيونية والشابكة لا يمكن تجاهلها.

وإذا ما وجدت تلك الدعوات الدينية آذاناً صاغية فما على المستجيبين لتلك الدعوات إلا أن يحزموا حقائبهم، ويتوجهوا إلى البلدان التي تتقاطع ايديولوجياتهم معهم.