مقامات آرام السوري
12 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
نجم الدين سمان
ما ضلّ شي ما انحكى؛ ما بِئِي شي ما حكيناه؛ أخيرًا بئّينا البَحصَة من تِمنَا؛ بَحصة أكبر من الجَمَل؛ أكبر من جَبَل؛ أكبر من قافلة هموم؛ متل الحَسَك؛ متل لقمة الزقّوم.
كنّا ساكتين خمسين سنة؛ ويمكِن ستين؛ وكنّا خايفين نهمُس؛ حتى ما تسمعنا الحيطان؛ نسينا كيف كانوا أباءنا يطلعوا مظاهرة ضد الفرنسيين؛ ويحملوا بواريدهم منشان فلسطين؛ وكيف كانت شوارعنا أنضف من ندفة التلج ومن نداديف القطن.
صرنا متل الأطرش بالزفِّه ومتل العميان بالزَحمِه؛ ومتل الأخرس بطهور الصبي؛ متل القرود التلاتة المشهوين.
خايفين بالنهار من ظلّنا؛ اللّي ورانا؛ وبالليل من خيالنا؛ اللّي قدّامنا؛ وبمناماتنا من خيالاتنا؛ حتى صرنا نخاف من عَمَّاتنا؛ ما يكونوا مُخبرات عند فرع فلسطين؛ ومن اخوالنا ما يكونوا كَتِّيبِة تقارير؛ خايفين من الضرايب ومن الفواتير؛ منخاف نمرض ومنخاف إذا كنّا بصحّتنا؛ خايفين من بكرا؛ وخايفين من اليوم اللّي نحنا فيه.
تاريخ الخوف فينا.. طويل؛ بتخوّفنا سِتنَا من القاق؛ وبتخوفنا إمنا من اللعب بالزقاق؛ وبيخوّفنا أبونا من العار؛ وبتخوّفنا من جِبّ الفار معلّمتنا؛ وبتخوفنا عمّتنا من الجنّ الأزرق؛ وخالتنا من الخراتيت والعفاريت؛ وبيخوفنا الشيخ من جهنّم الحمرا؛ ومنخاف إذا ضيّعنا نصّ فرنك مبخوش؛ وإذا انسرق صبّاطنا الجديد؛ ونحنا عَمّ نصلّي صلاة العيد.
كنا نخاف من الشرطي إذا مرّ جنبنا؛ ومن المُخبِر إذا بَيَّن من خصرُه مسدسُه الستندر؛ ومن سيارات البيجو الستيشن البيضا؛ وطالعا من شبابيكها البواريد؛ ومن الرانج الخضرا؛ ومن المرسيدس السودا؛ ومن الشبابيك الفيميه؛ ومن مدرّب الفتوة في مدارس البعث العتيد؛ ومن ضباطنا ونحنا بخدمة العلَم؛ ومن المشي على رصيف بزاويته كولبة حرس؛ ومن الحارة اللّي فيها بيت مسؤول؛ ومن شويّة زعران وشبّيحة عم يحرسوه؛ صرنا نخاف نمشي بالصالحية يوم الخميس والجمعة؛ من كتر سرايا الدفاع وسرايا الصراع؛ خفنا من الصراع بين رفعت الوحش وأخوه؛ ومن خوفنا؛ قبلنا بالوحش الكبير؛ حتى صار الخوف يخاف من خوفنا.
صار الخوف واحد من جيناتنا؛ والخوف بيقطع الجوف؛ بيمحي ملامح وجوهنا؛ بيخطف منّا أصواتنا؛ بنصير طَرش خواريف؛ راكضين ورا الرغيف؛ بيضبعنا كلب الراعي؛ منشوف الدياب بمناماتنا؛ ما بتفيّقنا إلّا عصاية راعينا من الكوابيس؛ ولمّا منفيق؛ منلاقي عم تتربّص فينا؛ ومِن حوالينا: أولاد آوى؛ والتعالب والحرادين.
صرنا متل السلحفة؛ من أول رجفة منتخبَّى؛ ومنمشي الحيط الحيط؛ حتى صرنا نحنا الحيطان؛ صرنا كركوبة خيطان؛ ما منعرف راسنا من رجلينا؛ سكتنا عن كلّ شي؛ صار أغلبنا يقبل كلّ شي؛ والنضيف منّا ما بيرتشي؛ بس بيرشي؛ صرنا ندهِلز ونمّسح جوخ؛ لنمشّي أمورنا؛ نتمرجل على الحرامي الصغير؛ ومنطنّش عن الحرامي الكبير؛ وإذا حدا رفع راسو وقام؛ منقول: فخّار يطبش بعضو؛ ومنروح لننام نومة اهل الكهف.
كلّ شي بعد برطاش البيت ما كان يهمنا؛ حتى لو الزبالة بريحتها خنقتنا؛ تحوّلنا من بشر لأرقام عند العسس والجندرمه؛ سرقونا ستين سنة؛ نهبوا جيوبنا؛ خطفوا من تِمنَا الدندورمَه.
خوَّفونا كلّ مرَّة؛ قبل النوم؛ وبعد النوم؛ من بُعبُع جديد: من إسرائيل ومن ياسر عرفات سوا؛ ومن الامبريالية والشيوعية سوا؛ ومن أبو عبدو الجحش ومن صلاح جديد؛ من الوهابيّة ومن شهود يهوا سوا؛ من رابطة العمل ومن الإخوان المسلمين؛ ومن الأكراد بس؛ مو من أوجلان؛ ومن صدّام حسين بس؛ مو من الخميني؛ ومن ابن لادن بس؛ مو من أبناء مخلوف؛ ومن طالبان بس؛ مو من حزب الله.
حتى صرنا نخاف على حالنا من حالنا؛ وإذا حكى خالنا ضد الأسد؛ منتبرّى من خالنا؛ أو سبّ أصغر اولادنا؛ أصغر واحد من اولاد الأسد؛ منصرَخ: مين مضيِّع هالولد؛ خطفوا منّا بلدنا؛ وضاعت منّا البلد.
عمّ زوّدها شوي.. ما هيك ؟!.
بس الحقيقة هيك؛ والمعادلة هيك؛ منسكت كتير؛ بيضلّوا على الكرسي كتير!.
وهادا مو بس حال السوريين؛ كل أحوال شرقستان هيك؛ ورح نضلّ هيك؛ إذا ما وقّفنا بوِجّ الآغا الجديد والبيك.
إذا سكتنا عن جديد؛ رح يضلّوا يعملوا فينا هيك وهيك.
[sociallocker] [/sociallocker]