تكريم المبدع بإلحاقه
12 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
إبراهيم صموئيل
على حدِّ علمي، لم يحدث أن أطلق البريطانيون على أحد كتّاب المسرح لديهم -تقديرًا لإبداعه وتكريمًا له- لقب «توفيق الحكيم بريطانيا»! ولا أظن أن الفرنسيين قد خطر في بالهم تسمية روائي عندهم بـ «عبد الرحمن منيف فرنسا»! ولا أعتقد أن إيطاليا قد ثمَّنت كاتب قصّة قصيرة عندها بتلقيبه بـ “يحيى حقّي الإيطاليين”!
فإذا كان مردّ انعدام ذلك إلى كون هذه الأجناس الأدبيّة قد سبق ظهورها لدى دول الغرب على البلدان العربيّة؛ فلِمَ لم يمنَّ الألمان على عالم اجتماع منهم بلقب “ابن خلدون ألمانيا”، أو يكنّي النمساويّون عالم نفس بينهم بـ “ابن سيرين النّمسا”، أو يُكرّم الأميركيون شاعرًا من بلادهم بلقب “أبي العلاء المعريّ أميركا”، أو يُكرَّم موسيقيّ بلجيكي بتلقيبه بـ “إسحاق الموصلّي بلجيكا”، أو اتباع أيّ من المبدعين الغربيين بكوكبة العلماء والمفكّرين العرب، وقد كانوا سبّاقين في الحقول الثقافية الاجتماعيّة الفكرية على مَنْ ظهر عندهم؟!
لم يحدث ذلك قطّ -على ما أظنّ- ولا شاع؛ في حين لا نكفّ عن إلصاق اسم كل مبدع عربي كبير -ظنَّنًا منَّا أننا نجلّه بذلك، ونرفع من قيمة إبداعه- ليس بـ «نظير» أجنبي له، وإنما بـ «مثال» يُلحَق به، ويكون النسخة العربيّة عنه، على غرار تلقيب يوسف إدريس بـ “تشيخوف العرب”، أو نجيب محفوظ بـ “إميل زولا”، أو مارسيل خليفة بـ “ثيودوراكس”، أو سعد الله ونوّس بـ “بريخت”، أو ممدوح عدوان بـ “زوربا العربي”، أو رسم بديع في لوحة عربيّة بـ “غيرنيكا” الفن العربي!
فإذا كان ما سبق لعلَّة تقدّم الغرب في العدالة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان والاقتصاد وغير ذلك، فإنّ أمر الثقافة والإبداع الأدبي والفني لا يخضع لموازين ومعايير تلك الميادين، اللهمّ إلاّ أن يكون نتيجة الشعور العربي بالتبعية والدونية والانسحاق إزاء كلّ ما هو غربي، لكأنّما الانحطاط الاقتصادي والانسحاق السياسي يجرّان معهما إلى القيعان ليس عامّة الناس فحسب، بل –للمفارقة- نخبة مثقّفة أيضًا، تحرص على ابتكار ما أمكنها من ألقاب التبعيّة والإلحاق بحقّ المبدعين العرب.
[sociallocker] [/sociallocker]