الأسباب الكامنة وراء فشل معركة فكّ الحصار واستعادة نظام الأسد للمواقع غربي حلب


 

لاشك أن الخبر مؤلم وخاصة على 300 ألف مدني مُحاصَر داخل أحياء حلب الشرقية ينتظرون بفارغ الصبر الأخبار القادمة من غربي المدينة، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فقد تمكن نظام الأسد والميليشيات العراقية واللبنانية من استعادة مشروع 1070 شقة، ثم قرية منيان، ثم ضاحية الأسد وبعدها معمل الكرتون ومنطقة المناشر غرب حلب، بعد أن توقف هجوم فصائل المقاومة السورية بُعيد السيطرة على قرية منيان القريبة من حي حلب الجديدة غربي حلب.

واستطلعت شبكة آراء بعض الخبراء العسكريين والقادة الميدانيين العاملين ضمن معركة فك الحصار سواء في غرفة عمليات فتح حلب أو جيش الفتح بهدف تلخيص أسباب عدم نجاح المعركة الأخيرة للاستفادة من تلك الأسباب في معارك لاحقة.

أولاً: قراءة نظام الأسد والميليشيات المُسانِدة له آليةَ هجوم الفصائل:

يرى أحد الخبراء العسكريين العاملين في غرفة عمليات فتح حلب (رتبته مقدم، وفضل عدم كشف اسمه لحساسية التقرير)، أن آلية عمل فصائل المقاومة السورية باتت مكشوفة بالنسبة لنظام الأسد وحلفائه خلال المعارك الأخيرة، حيث تعتمد الفصائل على أسلوب الصدمة الأولى من خلال تكثيف العربات المفخخة والتغطية النارية المدفعية والصاروخية، وتبدأ قوة المشاة المجهزة بالتقدم بشكل قوي يصعب كثيرًا مواجهته، خاصة في ظل الروح المعنوية المرتفعة وارتفاع الجانب العقائدي، والذي يتجلى كثيرًا عند مجموعات (الانغماس) الذي يعتبر المقاتل الواحد فيها بمثابة "مشروع استشهادي" ، فتلجأ الميليشيات إلى إخلاء الخطوط الدفاعية الأولى تحت ضغط الهجوم لتقوم بعد ذلك بتحديد أماكن انتشار القوة المهاجمة لسلاح الجو الذي يقوم بدوره بالتمهيد الناري الكثيف ويجبرها على التراجع من النقاط المتقدمة التي سيطرت عليها.

ويرى الخبير أن عدم تجهيز الفصائل العسكرية لقوة احتياطية قادرة على مواصلة الهجوم بعد السيطرة على المواقع الأولى وإراحة القوة الأساسية المهاجمة مما يعني توقف التقدم وإعطاء الفرصة لميليشيات الأسد لشن هجوم معاكس يعتبر أمرًا كارثيًّا على سير المعارك، فالفصائل دائمًا ما تكون أفضل في حالة الهجوم منها في حالة الدفاع، فهي غير قادرة على دفع التكاليف الدفاعية الباهظة من استنزاف بالقوة البشرية والذخائر والعتاد لفترات طويلة، في ظل قلة الذخائر خاصة، فالدفاع مكلف أكثر بكثير من حالات الهجوم خاصة في المعارك المفتوحة.

 

ثانيًا: سلاح الجو الروسي:

مصادر عسكرية متطابقة في غرفتَيْ عمليات جيش الفتح وفتح حلب أكدت أن سلاح الجو الروسي لم يغب عن سماء حلب منذ اليوم الأول لانطلاق المعركة على عكس ما كانت تعلنه روسيا من التزامها بوقف الضربات في حلب، وقد لعب سلاح الجو الروسي دورًا حاسمًا في إحباط هجومين قويين لجيش الفتح على مشروع 3000 شقة المتاخم للأكاديمية العسكرية في المدخل الغربي لمدينة حلب.

وأكد "أبو نزار" القيادي الميداني في جيش الفتح، أن عدم تمكن الفصائل من السيطرة على مشروع 3000 شقة يعتبر نقطة التحول في المعركة لصالح قوات الأسد والميليشيات المُسانِدة لها، مشيرةً إلى أن قوة كثافة الضربات الجوية الروسية (وصلت خلال المعركة إلى أكثر من 1000 غارة) كان لها دور أساسي، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الجو الغائم خلال اليومين الأوليْن ساعد الفصائل على إحراز تقدم سريع.

- بحسب غرفة عمليات حلب المركزية فإن غارات الطيران الروسي أول أمس عشية السيطرة على ضاحية الأسد وقرية منيان بلغت 400 غارة على المنطقة وعلى ريف حلب الغربي.

 

ثالثًا: هجوم حركة نور الدين الزنكي وأبو عمارة على تجمُّع فاستقم:

كشف أحد منسقي غرفة عمليات فتح حلب (تحفَّظ على ذكر الاسم) لشبكة أن خطة المعركة كانت تقتضي هجوم الفصائل المتواجدة في أحياء حلب الشرقية على منطقة أرض الصباغ من طرف صلاح الدين بالتزامن مع هجوم باقي الفصائل على مشروع 3000 شقة غربي حلب، وكان من المفروض أن يؤدي هذا الهجوم إلى تشتيت ميليشيات الأسد، كما سيحيد بشكل كبير سلاح الطيران باعتبار أن المعارك عندها ستنتقل إلى حرب شوارع يصعب خلالها على الطيران تحقيق أهدافه بأريحية.

 

وأكد المصدر أن الهجوم الذي شنته حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبو عمارة على تجمُّع فاستقم كما أمرت عشية تجهيز الفصائل نفسها غربي حلب للهجوم على مشروع 3000 شقة لعب دورًا أساسيًّا في تعطيل الهجوم من الداخل بالتزامن مع الهجوم الخارجي.

ولسنا في صدد إيراد المسوغات التي أوردتها أطراف القضية لهذا الهجوم إلا أنه وبالمحصلة وبالواقع العسكري، فقد ساهم في تحييد قوة عسكرية كبيرة عن الانخراط في معارك فك الحصار،حيث تعتبر حركة نور الدين ، والتجمع أكبر الفصائل العاملة داخل مدينة حلب، والاعتماد الرئيسي عليها.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المعارك الأخيرة كلفت ميليشيات الأسد وحزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية أكثر  من 370 قتيلًا، و500 جريح بحسب إحصائيات ميدانية، إلا أنها تبقى بالمفهوم العسكري معركة غير ناجحة باعتبار أنها لم تتمكن من تحقيق الأهداف المخطط لها والسيطرة على المناطق المحددة وفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية بانتظار جولة جديدة ستراعي بالتأكيد الدروسَ المستفادة من هذه الجولة، حيث أثبت العمل العسكري في الثورة السورية بمواقع عديدة أنها قابلة للتطور كل مرة وتبعًا لتغير المعطيات الميدانية.