on
صدمة وهلع ترامب والشرق الأوسط
أنس عيسى
هو يعرف رياضة الغولف، لكن هل يعرف شيئًا عن الخليج؟
“يتجاوز كلّ التوقّعات”، بهذه العبارة وصف دونالد ترامب نادي الجولف الخاص به في دبي، كنّا نتمنّى أن تكون خططه في الشرق الأوسط بخضار لون ملعب الغولف. بعيدًا من القطيعة مع ميل أوباما إلى الانعزاليّة، يخشى حكّام الخليج أن يقوم الرئيس ترامب بزيادة التباعد، وعوضًا عن أملهم في أن تقوم السيدة كلينتون بتقديم تدخّل أكبر، وحماية وتواجد دائم للفرق العسكريّة في العراق، هم يخشون الآن من أن يقوم ترامب بتجنّب حلفاء أميريكا العرب منذ وقتٍ طويل، وأن يترك المنطقة لأجهزة أخرى. يقول مصدر من داخل القصر في الرياض: “لقد انتهى شهر العسل فيما يخصّ العلاقات مع الولايات المتّحدة.”
قد يقوم ترامب، وبغرض الحفاظ على موطئ قدم له، بالسماح للبنتاغون بإنهاء عمله ضدّ الدولة الإسلاميّة في الموصل إن لم تكن قد سقطت بحلول العشرين من كانون الثاني/ يناير. وقد يقوم، كما يقول، بخلق مناطق آمنة في سورية بهدف منع اللاجئين من التوجّه باتّجاه الغرب. ولكن على العكس من كلينتون (وبما يشبه أوباما) يعارض تقديم المزيد من الأسلحة لثوّار سورية السنة، أو دعم منطقة حظر طيران لحمايتهم. كما أنّه يسخر من التدخّل لأسباب إيديولوجيّة، كتغيير الأنظمة، والديمقراطيّة وبناء الأمم الأجنبيّة؛ مفضّلًا التركيز، عوضًا عن ذلك، على المصلحة الأميريكيّة الوطنيّة الشخصيّة، فقد قال، خلال حملته الانتخابيّة، عن قلب أميركا لنظام صدّام حسين: “لا أعتقد أنّ ذلك كان شيئًا مساعدًا جدًّا، فالعراق في وضعٍ كارثيٍّ الآن.”
يعطي هذا، ومن دون شك، شعورًا بالراحة لمستبدّي المنطقة المحاربين، كبشار الأسد في سورية، وللرجال الأقوياء، كعبد الفتاح السيسي في مصر، حيث وعد ترامب، في شهر أيلول/ سبتمبر، الرئيس المصري بـ “صداقةٍ مخلصةٍ”، وعلى النقيض من السيدة كلينتون، لم يزعج نفسه بالحديث عن حقوق الإنسان. لا يقوم الشخصان سابقا الذكر بتأييد التعذيب، وبشكل علني، فحسب، وإنّما يتشاركان في الميل إلى نشر نظريّات المؤامرة. كان السيّد السيسي أحد أسرع قادة العالم تهنئةً للسيّد ترامب.
كما رحّبت جميع القوى، والتي تسعى لزيادة نفوذها الإقليمي، بذلك الانتصار، وفي هذا الإطار يقول المحلّل الأردني عريب رنتاوي: “إنّ روسيا وإيران والميليشيّات الشيعيّة وسورية وحزب الله ستستفيد من الفراغ الأميركي في المنطقة وتدعم السيّد ترامب.” ففي تحوّل قد يساعد تلك القوى الخمس لتعزيز المكاسب التي جنتها، مسبقًا، في ظلّ إدارة السيّد أوباما، صرّح السيّد ترامب عن رغبته في العمل مع السيّد بوتين وفي محاربته للجهاديّة السنيّة، والتي يعدّها الرجلان الخطر العالمي الأساسي، حيث قال بخصوص المعارضة السوريّة السنيّة: “الأسد سيّء، لكن ربما يكون هؤلاء الناس أكثر سوءًا.” إضافة إلى ذلك، يقول إنّه من الصعب التفريق بين الثوار ومقاتلي الدولة الإسلاميّة.
وبشكلٍ لا يقلّ عن السيّد أوباما، يشير السيّد ترامب إلى الأمراء السنّة لدول الخليج النفطيّة باحتقار، فقد ملأهم غضبًا عندما طالب، خلال حملته، بنصف نفط الكويت ثمنًا لعمليّة تحريرها والتي كانت أميركا قد قادتها عام 1991، وبمنع دخول المسلمين إلى أميركا وبالإغلاق المُحتمل للمساجد في البلاد. كان أحد أفراد العائلة المالكة السعوديّة، الوليد بن طلال، قد ذكر على موقع تويتر قاصدًا السيّد ترامب خلال الحملة الانتخابيّة: “مُعيب”، وقد جاوب ترامب على ذلك بقوله: “أمير بليد، @Alwaleed-Talal، يريد أن يتحكّم بسياسيّي الولايات المتّحدة بنقود “البابا”، لن يقدر على القيام بذلك عندما يتمّ انتخابي.”
ولكن لا يشعر جميع ملوك الخليج باليأس، فبعضهم متحمّس لزميلهم الملياردير المزخرف، ويرحبون بعلاقة أكثر تشاركيّة تجاريّة معه. كما يمتلك بعضهم بعض الصفقات الخاصّة المشتركة، بما فيها أموال في أعمال كترامب سوهو، فندق العمارات في نيويورك، بحسب قول أحد مستثمري الخليج الذين عملوا معه. (اشترى الأمير الوليد اليخت الخاص بترامب وفندق بلازا.)
إنّ إعطاء الأولويّة للصفقات التجاريّة على حقوق الإنسان سيضمن استمرار أميركا ببيعها، المدر للأرباح، لدول الخليج، وذلك على الرغم من حقيقة أنّه من غير المرجّح أن تمرّ التجاوزات السعوديّة في اليمن من دون انتقاد. إضافة إلى أنّ كونه تاجرًا أكثر من شرطيّ للنظام العالمي، قد لا يكون ترامب كارهًا لبيع الحماية الأميركيّة. والسؤال هو: في حالة حصل تصعيدٌ ما، هل سيدافع السيد ترامب عن المملكة العربيّة السعوديّة؟ ربّما نعم، ولكن مقابل السعر المناسب.
إسرائيل هي بلد آخر سيرحّب فيه جزء بارز من البنية السياسيّة بانتخاب السيّد ترامب، فقد تبنّى أكثر البرامج المناصرة لاسرائيل صلابةً من أيّ وقت مضى، متجاهلًا أيّ ذكر لمؤسّسة الدولة الفلسطينيّة في بياناته. كما سترحّب الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة، بقيادة بنيامين نتنياهو، بوزارة الخارجيّة التي يقودها رجل ترامب القوي والمخلص نيوت جينجرتش، والتي من الممكن أن تتخلّى عن سياسةٍ، عمرها عقود من الزمن، تضغط على إسرائيل لتقديم التنازلات للفلسطينيّين، وللكفّ عن بناء المستوطنات في الضفّة الغربيّة.
مع ذلك، هنالك بعض التحفّظات؛ فعلى الرغم من قيام كبير داعمي نتنياهو، شيلدون أديلسون، مالك الكازينو، وكبير مانحي الحزب الجمهوري، بالتأييد العلني لحملة السيد ترامب الانتخابيّة، لكنّ السيد نتنياهو يبقى مرتابًا، على حدّ قول أولئك الذين يعرفونه، حيث يشرح أحد سياسيّي الليكود قائلًا: “لا يمكن التنبّؤ بما يريد ترامب فعله، كما إنّه متقلّب. يشعر بيبي (بنيامين نتنياهو) بشعور الكثيرين في المؤسّسة الجمهوريّة الذين يرونه كشخص غير مضمون ولا يثقون به.” كما أنّ أحد الأسباب التي تدفع الإدارة الإسرائيليّة للنظر بحذر إلى الرئيس ترامب هو معارضته العلنيّة للمساعدة العسكريّة الأميركيّة للدول الأجنبيّة، وذلك أحد الأسباب التي دفعت السيّد نتنياهو، في أيلول/ سبتمبر، لاتّخاذ القرار بتوقيع اتّفاق مساعدة لمدّة 10 سنوات بقيمة 38 مليار دولار أميركي، بدلًا عن انتظار وصول الإدارة الجديدة.
أما فيما يخصّ علاقة أميريكا بإيران، فيبدو أنّها ستتحوّل بطرق ستجعلها، بشكلٍ مناقضٍ للتوقّعات، تُرضي أصحاب الخط المتصّلب في إيران. فخلال الحملة الانتخابيّة، قامت المحطّات الحكوميّة الإيرانيّة بتخصيص وقت كبير وتعليقاتٍ كثيرة عن تشهير السيّد ترامب، كما بثّت، بثًّا مباشرًا، المناظرات الرئاسيّة. وقام القائد الأعلى، علي خامينئي، بالانضمام إلى الجوقة، وبارك “الحديث النزيه والمباشر” للسيّد ترامب. كما ابتهج مقرّبون من خامينئي بخطاب السيد ترامب المعادي للسعوديّة، وبعلاقاته الحسنة مع السيّد بوتين. وماذا يعني شكّه في الاتّفاق النووي؟ فلطالما نظر المحافظون إلى ذلك الاتّفاق بعين الشك الخطر؛ وذلك لكونه جزءًا من مؤامرة أميركيّة للسيطرة على بلادهم.
لكن، ما قد يكون جيّدًا للمتصلّبين سيكون سيّئًا للرئيس حسن روحاني ولجهده في حصد ثمار المنافع الاقتصاديّة للاتّفاق النووي؛ فبعد العديد من البدايات الخاطئة، ها هي شركات النفط الكبرى توقّع عقودًا طويلة الأمد مع إيران، كما قام الاتّحاد الأوروبّي، حين كانت بريطانيا ضمنه، برفع العقوبات عن واحد من أكبر بنوك إيران، وللمرّة الأولى تقوم محرّكات البحث المشهورة عن رحلات جويّة بإدراج الطائرات الإيرانيّة في نتائج بحثها.
لو ربحت السيّدة كلينتون، لكان رجال السيّد روحاني يتطلّعون إلى إكمال علاقات العمل مع العديد من موظّفي إدارة أوباما وإعادة الدخول في النظام البنكي العالمي. لكن ليس بعد الآن. لقد خفّف السيّد ترامب من حدّة وعد السابق بتمزيق الاتّفاق النووي “الكارثي”، (يتحدّث السيّد وليد فارس الذي يقدّم له النصح في شؤون الشرق الأوسط عن “إعادة التفاوض” بدلًا من ذلك). لكن في خضمّ الشك في ما هو آت، ستبرد همّة أصحاب البنوك، والذين بدؤوا يعودون بشكل حذر إلى طهران، مرّة أخرى.
Trump and the Middle East | عنوان المادة الأصلي |
مجلّة الإيكونومست The Economist | اسم الكاتب |
The Economist 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 | مكان وتاريخ النشر |
http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21709925-he-knows-golf-does-he-know-gulf-trump-and-middle-east | رابط المادة |
أنس عيسى | اسم المترجم |
المصدر