الثورة ستعود إلى أهلها


هيثم البدوي

عندما انطلقت الثورة السورية لم يكن يخطر ببال أحدهم، من ضباط ومشايخ، أن يكون لهم دور مستقبلي فيها، بل لم يكن يخطر في بالهم أصلاً أن تكون هناك ثورة شعبية على نظام أقلي طائفي استبدادي، فالنظام كان مُتجذّرًا داخل الدولة والمجتمع ومصادرًا لكليهما.

بالنظر إلى النظام، وبتفكيك مؤسسات حكمه، نجد أنه اعتمد على مؤسستين اثنتين لتثبت سلطته، هما المؤسسة العسكرية بكل فروعها الأمنية والمخابراتية والقمعية، والمؤسسة الدينية، وكل ما يتبع لها من طرق ومشايخ واتجاهات.

أخذت المدرستان على عاتقهما تثبت حكم الأسد ونظامه، فكان للمؤسسة العسكرية دور مصادرة الدولة ومؤسساتها، وكان للمؤسسة الدينية تبرير ذلك الأمر للمجتمع والشعب.

مع انطلاق الثورة بدأ بعض التصدع يطرق أبواب تلك المؤسستين؛ ما انعكس خللًا كبيرًا على نظام الأسد الذي كاد أن يفقد سيطرته في بداية الثورة، لكن، ونتيجة الدور الذي كان لهاتين الركيزتين في نظام الأسد، ولخبرتهما في إدارة أمور من هذا النوع، سارع بعض القائمين عليهما من المنشقين إلى تسلق الثورة، وأخذ مراكز قيادية، وهذا بدوره سبب إشكالات لاحقة، عانت منها الثورة، وتُعاني منها إلى اليوم، بداية مع الفكر العسكري الذي صادر كثيرًا من النشاط الثوري لمعارضي النظام، حيث أقصي كثير من الشبان الثوريين، المشهود لهم بسالتهم في مقارعة نظام الاستبداد، ثم انسحب الأمر نفسه على بعض المشايخ أيضًا، الذين صادروا بدورهم قيادة الثورة، وغلفوها بلبوس ديني فحسب، مبعدين الكوادر والكفاءات عن مراكز القيادة، حتى أصبح شرعي الفصيل هو القائد المعصوم الذي لا يُخطئ أبدًا.

بتحالف الاتجاهان مجددًا، ظهرت الفصائل المؤدلجة بقيادة مشتركة، وقدّمت كل مدرسة ما لديها لتثبيت هذه الحالة، فبدأت تظهر فتاوى لا نهاية لها، منها ما يُحرّم التظاهرات، ومنها ما يُحرّم الانشقاق والخروج من عباءة الفصيل، أو تشكيل أي فصيل جديد بأهداف مغايرة لما اتّفق عليه بين المدرستين، ناسين أن من بدأ بالثورة لم يستخدم فتاواهم، ولم ينظر إلى دورهم في الثورة مستقبلًا.

اليوم، وبعد فشل هاتين المدرستين في قيادة المرحلة الماضية، تعود الحاضنة الشعبية للصحوة؛ محاولة استلام زمام المبادرة لقيادة الثورة من جديد، فخرجت التظاهرات في الغوطة الشرقية، مُعيدةً روح الثورة، ومُطالبةً بتشكيل جيش إنقاذ وطني، وإعطاء الكفاءات والخبرات حقوقها، وتحجيم دور مؤسسة الإفتاء بما يحقق الوفاق وليس الاختلاف.

يجب أن تُقرأ هذه العودة قراءة إيجابية من الجميع، منعًا لحدوث أي تداخل يؤدي إلى إحداث أي خلل في المرحلة المقبلة، هذه المرحلة التي تحتاج إلى وعي سياسي ونضج فكري ومهارة عسكرية فريدة في الوقت نفسه، وإلى مظلة شرعية تعمل على خلق التوافق، وإبعاد الخلاف وتأجيله إلى مراحل لاحقة، شرعية تتسم بدور فكري وتجديدي؛ لإعادة فهم الدين، بما يتواءم مع ضرورات المرحلة.

المرحلة المنشودة التي تُعقد الآمال عليها، سيكون للشباب بكل أطيافهم واتجاهاتهم، فالشباب روح الثورة ومُحرّكها الأساس، صودر قراره، وأُبعد إلى جبهات الاستنزاف، فلم يعد مقبولًا -اليوم- حصر الشباب في زوايا ضيقة، تدار من أيديولوجيات معينة وأفكار هدامة.

اليوم يجب أن ينتفض الشباب السوري، ويتصدّر المشهد من جديد؛ ليعيد الأمل إلى الثورة، فالثورة هي الشباب، والشباب هم أمل سورية الحرة.




المصدر