المنشآت الحيوية هدف النظام وروسيا دون رادع لهما


حافظ قرقوط

لم يكن استهداف المنشآت الحيوية في سورية خطأ عابرًا، أو محدودًا في منطقة معينة، بل ما يقوم به النظام السوري منذ بداية الثورة، من قصف منظّم لكل المرفقات الحيوية، استمرت عليه حليفته روسيا منذ أن تدخلت تدخلًا مباشرًا، في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وهو أيضًا ما تصرّفت به ميليشيات المرتزقة الطائفية، التي استقدمتها إيران بمسمّيات مختلفة.

لا شك في أن الخطط التي صبغت من النظام ومستشاريه، قبل انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، قد وضعت في حساباتها كل التفاصيل، فقد انتشرت أخبار بين السوريين آنذاك، مفادها أنه بعد انطلاقة الثورات العربية، وضع النظام بنودًا محددة للعمل عليها على المستويات كافة، من خلال تشكيل ما سمي بـ “خلية الأزمة”، وأن هنالك جنرالات من إيران قد ساهموا في وضع تلك الخطط، ولا ندري -حتى الآن- حقيقة إن كانت روسيا ودول أخرى قد شاركت في تقديم النصائح للأسد، أم لا، على طرق التعامل مع الاحتجاجات إن حصلت، ولكن سير الأحداث خلال السنوت الماضية، والدلال الاستثنائي للنظام الذي لم ينمح في التاريخ سوى لـ “إسرائيل”، يُشير إلى أن ذلك حصل فعلًا، ويكفي -في هذا السياق- أن نستند إلى حجم اللامبالاة التي أظهرها النظام، لكل التحذيرات الدولية، بل قصف الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، في أثناء وجود لجنة دولية بدمشق، ولم يكترث أو يقلق.

عندما ابتدأت عناصر النظام وقواه الأمنية، بإطلاق النار مباشرة على رؤوس وصدور المتظاهرين، ثم ابتدأت تعترض طرق إسعاف الجرحى، وأخذت تعتقل الناشطين في هذا المجال، مع اعتقال شخصيات ونوعيات بعينها بحسب المناطق، لتسلّم بعد أيام جثث المعتقلين إلى ذويهم، وعليهم علامات التعذيب القاسية، أو نزع بعض الأجزاء من الجسم، كالحنجرة أو الأعضاء التناسلية، أو الكلى والقلب وغير ذلك، كل هذا كان بداية الطريق لاستهداف الإرادة السورية وكسرها، كي لا تصمد في وجه آلته، وكان هذا النظام يرغب بتعميم تلك المشاهد على السوريين، عن طريق بث لقطات محددة بغطاء أنها مُسرّبة؛ كي يبث الرعب في النفوس، ولعل الجميع يتذكر كيف كان التفتيش على الحواجز؛ لمنع مرور أي نوع من أنواع الأدوية الإسعافية، مهما كانت بسيطة، وسُجن كثيرون بحجة إسعافهم للمصابين وإيصالهم الأدوية، ومنهم من خسر حياته بالاعتقال، ومنهم ما زال مسجونًا، أو في عداد المفقودين.

ابتدأ هذا الأمر منذ اقتحام المسجد العمري بدرعا، حيث تباهت العناصر بالقبض على صيدلية ميدانية تحوي بضعة مواد بداخلها، علمًا أن تلك المواد قد توجد في أي منزل، وهكذا أخذ النظام يُشيع من خلال أجهزته والميليشيا التابعة له، أن الإرهابيين يستعملون مستشفيات ميدانية، وكان يهدف لربط كلمة مستشفى ميداني بكلمة إرهاب، وهي الخطة التي عمل عليها مع الثوار والسوريين عمومًا، حتى وإن كان الخصوم عبارة عن أدوات أو مراكز وتجهيزات.

إلى ذلك بات مع الزمن كل شيء خارج عن سُلطته بوصم بالإرهاب، فالمدرسة هي للإرهابيين، والمركز الطبي والجامع والكنيسة ومحولة الكهرباء، ومحطة المياه وسيارة الإسعاف، والصحيفة والكاميرا والفرن والطريق والجسر، وكل ما يمكن أن يُشكّل منشأة أو أداة حيوية لخدمة الناس، إلى أن بلغ الأمر إلى عد المخيمات منشآت حيوية لخدمة أسر “الإرهابيين”، واستمر الروس يؤدون الدور الوظيفي ذاته، في ملاحقة المدنيين في بيوتهم ومدارسهم ومخيماتهم؛ وحتى سيارات الأمم التي تحمل الغذاء للمحاصرين، واستمروا في محاولة التذاكي بأن كل ذلك هو خدمات حيوية للإرهابيين السوريين كما هي رواية النظام.

سجّلت -أخيرًا- الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحده “ما لا يقل عن 144 حادثة اعتداء على منشآت حيوية مدنية”، وقد أشارت الشبكة إلى أنها وثقت ذلك بحسب الجهة الفاعلة، فكانت “القوات الحكومية (الجيش، الأمن، الميليشيات المحلية، الميليشيات الشيعية الأجنبية)، 88 منشأة، (القوات الروسية) 44 منشأة، فصائل المعارضة المسلحة 4، قوات التحالف الدولي 7، ومنشأة واحدة لم تتمكن الشبكة من تحديدها”.

إن الأرقام الواردة في تقرير الشبكة تقودنا إلى مقارنة بسيطة، قد تكون كافية لتُعطي فكرة عن الدور الروسي في ذلك، فإذا عدنا للفترة نفسها من العام الماضي 2015، بعد التدخل الروسي في سورية، إذ قام المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية، بتوثيق 24 مركزًا طبيًا، و22 مخبزًا و9 مراكز تعليمية، و14 مركزًا إغاثيًا، و14 بنى تحتية، استُهدفت خلال تشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر في ذلك العام.

يُشار إلى أن الأسواق الشعبية في عدد من المدن السورية، كانت بدورها هدفًا دائمًا لطيران النظام والطيران الروسي، ولوحظ تعمّد استهدافها خلال فترة الذروة، لحصد أكبر عدد ممكن من الضحايا، وكان هذا واضحًا في محافظة إدلب والغوطة الشرقية بدمشق، وأيضًا في دير الزور والرقة، فيما قصف النظام الأحد الماضي في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، بقذائف هاون، روضة أطفال في مدينة حرستا بريف دمشق؛ ما أدى إلى سقوط عدد من الأطفال بين قتيل وجريح، وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير لها حول ذلك، أن “القذائف سقطت على ساحة الروضة، وتزامن القصف مع وقت الاستراحة؛ حيث يتجمع الأطفال في ساحة المدرسة، ما أدى إلى مقتل 9 أطفال، وجرح أكثر من 15 طفلًا آخر. إضافة إلى أضرار مادية في ساحة الروضة. وتضمُّ الروضة ما لا يقل عن 30 طفلاً وطفلة، أعمارهم تتراوح بين 4 – 6 سنوات”.

وكان مسؤولو الأمم المتحدة قد عدوا، في أكثر من مناسبة، أن الكارثة السورية هي الأكبر في العقود الأخيرة، بما فيها مسألة نزوح ملايين السوريين داخل وخارج وطنهم، ومما قاله أيضًا وزير الخارجية الأميركية، جون كيري: “إن الأحداث السورية، هي أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنها تُذكّر بالعصور البربرية”.

وقفت الأطراف الدولية كافة عاجزة؛ حتى عن فرض احترام المعاهدات الأممية الخاصة بوضع المدنيين، وأماكن سكناهم خلال الحروب، والتي تفرض حمايتهم وحماية المنشآت الحيوية، كما أنها لم تستطع تأمين حماية قوافل الإغاثة التابعة لها، والمُتجهة إلى المناطق المحاصرة، بينما عدد كبير من المنظمات المحلية ووسائل الإعلام السورية وغيرها، تُشير -دائمًا- إلى أن النيات الدولية غير جادّة في تحمّل مسؤولياتها تجاه المدنيين السوريين، بما فيها التعدّي على المنشآت الحيوية المختلفة، والتغاضي عن كل ما قيل عن الفظائع المُرتكبة في سورية بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب.




المصدر