“الموت السوري المقبل من أزمير” في مسلسل “مدرسة الحب”


ضاهر عيطة

حينما تغدو هجرة السوريين عن وطنهم، وركوبهم البحر والغرق فيه، حالة قدرية، أو لعنة سماوية تحل عليهم، أو حدثًا صُنع على أرض غير أرضهم، وعلى يد بعض اللصوص والمحتالين؛ نكون -بالتأكيد- أمام فن يساهم بقدر كبير في خلط الأوراق، والتعتيم على الحقائق.

يكاد هذا ينطبق على ثلاثية “موطني”، والتي هي جزء من مسلسل “مدرسة الحب”، إنتاج “Black2″، حيث انتقى المؤلفان، مازن طه، ونور الشيشكلي، مع المخرج صفوان مصطفى نعمو، موضوعة ثلاثيتهم من رحم المأساة السورية، فجاءت الأحداث والمشاهد مشبعة بالإثارة والتشويق، إلى حد تجعل المشاهد يحبس أنفاسه، وهو يتابع مجرياتها، كون الأحداث تحاكي فجائعه اليومية، لكن من دون أي حضور -هنا- للأرض السورية، ودون أن تحظى أي من الحوادث الجارية فيها، بأي مشهد  من مشاهد الثلاثية؛ ليتحول كل ذاك الموت والدمار والخرب إلى مجرد خبر عابر يرد على لسان بعض الشخصيات، في حين يُركز على فضاءات جغرافية بعيدة عن الفضاء السوري، كمحاولة للهروب من مواجهة الجرائم التي فتكت، وتفتك بالسوريين هناك، لتُستبدل بفضاء آخر، هو الفضاء التركي، وذلك بقصد الإيحاء إلى أنه على هذا الحيز المكاني توالدت، وسوف تتوالد، كل المأساة المقبلة، بل يمكن عد هذا التوجه الفني مقصودًا -بحد ذاته- ليؤدي الرسالة التي يبتغيها الحكم الأسدي في سورية، إذ لنا أن نسأل على سبيل المثال: ماذا يعني أن تكون أول مشاهد ثلاثية موطني في “أزمير” التركية، وليس في سورية؟. ثم ماذا يعني أن يحضر في المشهد الأول المهرب “نورس”، والذي لعب دوره “أندريه كساف”، وقد راح وجهه ينضح شرًا في لقائه مع “أياد”، الذي لعب دوره” سعد مينة”؟ لعلنا سنصل إلى إجابة إذا ما تتبعنا شخصية” نورس” في باقي المشاهد، حيث يتبين لنا، أن نورس هو المدبر الرئيس لكل المصائر المأسوية التي آل إليها معظم شخصيات الثلاثية، ومن منطلق مفهوم المحاكاة في الفن، يغدو المهرب نورس وكأنه هو من حاك؛ حتى مصائر السوريين. ومما لا شك فيه أن طرحًا كهذا لا يخلو من محاولة التعتيم على الأسباب التي أوصلت السوريين إلى المأساة التي هم فيها الآن، وبالتالي؛ فإن مثل هذا الطرح يدعم التوجه الذي ابتغاه القاتل الفعلي، والمسئول الحقيقي عما يحدث في سورية؛ ففي حوار “إياد” مع “نورس”، وحديثه عن الغلاء في “أزمير”، ثم حوار “عادل”، الذي جسده “محمد حداقي” مع صاحب البيت، حول ارتفاع أجور السكن، وما يلي ذلك من مشاهد تصور تناثر وتبعثر السوريين في الحدائق، وعلى الأرصفة التركية؛ ما يشير إلى أن صعوبة الحياة في تركيا هي من حرضت السوريين على ركوب البحر، وهي من أوصلتهم -نهاية المطاف- إلى الهجرة والغرق والموت. وضمن هذا السياق -أيضًا- يمكن قراءة حديث المهرب “نورس” عن “الجندرما التركية”، التي بسببها تأخر سفر “إياد” – سعد مينة؛ ليضاعف من تكريس التعتيم عما يحدث في سورية. وما يرتكبه عناصر الأمن والجيش هناك، ليس عند حدود الأراضي السورية فحسب، بل على حدود كل حارة وكل حي ومفرق، فمثل هذا التركيز على شرور ولصوصية المهرب “نورس”، في موضوعة المأساة السورية التي تتجسد في ثلاثية “موطني”، من شأنه أن يساهم في تحييد المسبب الفعلي لهذه المأساة على أرض الواقع السوري، وما يزيد الطين بلة، تلك المخادعة اللغوية التي جاءت في المشهد الثاني، والتي وردت على لسان “عادل”؛ ردًا على سؤال “غادة”، التي جسدت دورها “أمل عرفة”، حينما سألته بحيرة وتوسل، أن يخبرها عما يحدث للسوريين “شو عم يصير؟”؛ فيبدي الأخير حيرة مضاعفة، وعجزًا كاملًا؛ ليقول: “لك أنا بدي مين يفهمني، أنا بدي مين يوعيني”، وكأن ما يحدث في سورية حالة ميتافيزيقية مستحيلة الفهم، وما من مجرم وقاتل معلوم فيها، إلي أن يأتي المهرب “نورس” في المشاهد التالية؛ ليحل معضلة ذاك اللغز، بوصفه هو اللص، وهو السفاح، وعلى يديه حدثت وستحدث كل تلك الجرائم والمآسي التي حلت بمصائر شخوص الثلاثية، فهو من أغراهم بركوب البحر، وفي لحظة ما، هو من أجبرهم على ذلك بقوة السلاح، وهو الذي منع عنهم الوقود ليعلق بهم “البلم” في عرض البحر، ويعانون حالات الهلع  والموت، وبخبث وتخطيط منه، حدثت واقعة اختناق عدد من شخوص الثلاثية في صندوق سيارة التهريب. ومن خلال هذا النهج الذي اعتمدته ثلاثية “موطني”، تكاد تبدو جميع المآسي التي حلت بالسوريين، وكأنها نشأت وولدت على الأراضي التركية، وليست على الجغرافيا السورية، وان من صنعها ودبرها هم اللصوص وقطاع الطرق، أمثال “نورس”، وعليه، وعلى أمثاله، تقع مسؤولية كل هذه المآسي، وبحسب هذه الرؤية التي اعتمدتها ثلاثية “موطني”، بات يلزم من ظلّ على قيد الحياة من السوريين، استبدال هتاف: الشعب يريد إسقاط بشار، بهتاف: الشعب يريد إسقاط نورس.




المصدر