تصميم بوتين على الرهان على المسوِّغ الجهادي في سورية


أنس عيسى

يقود انغماس الحملة الروسيّة في سورية بوتين إلى الرهان على المُسَوِّغ الجهادي، حتّى لو اضطرّ إلى المبالغة في التهديد الجهادي.

يشعر فلاديمير بوتين بالحرج من الاعتراف بأنّه لم يحقّق أيًّا من أهدافه المنشودة من الحرب في سورية، وذلك على الرغم من العنف الشديد لعمليّات القصف التي أمر بشنّها على أحياء الجزء الشرقي من مدينة حلب، حيث رفض الـ 250.000 نسمة والذين يشكّلون سكّان الأحياء تلك، والتي تتحكّم فيها قوّات الثوّار، العرض الروسي بالإخلاء “الإنساني”. هذا ويحاول تحالف ثوريّ، انطلاقًا من محافظة إدلب، كسر حصار الجزء الشرقي من مدينة حلب، تمامًا كما استطاعت فعله لمدّة قصيرة خلال شهر آب/ أغسطس الماضي.

رواية الكرملين

من غير المحتمل، وبشدّة، أن يتوّج الهجوم المعاكس للثوّار على مدينة حلب بالنجاح، ولكنّه يُضعف، بشكل كاف، من خطاب الكرملين عن النصر، الأمر الذي يدفع بالأخير إلى تأسيس ردّ على هيئة خطاب إعلامي (بروباغندا). إنّ حقيقة وصول طلائع القوّات العراقيّة إلى أبواب مدينة الموصل، بعد أكثر من أسبوعين من القتال حول المدينة، يفرض على بوتين المهمّة الحرجة بإعادة تقييم وتحديث روايته، الأمر الذي سيُكمل في سورية الرواية الموازية لأوباما في العراق.

نقلت وكالة سبوتنيك، الناقل الأمين عن الكرملين، عن مصدر دبلوماسي وعسكري روسي، بتاريخ 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر، اتّهام وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة والاستخبارات السعوديّة بمفاوضة داعش حول انتقال 9.000 جهادي من الموصل في اتّجاه سورية، ولم تنص تلك المفاوضات على حصانتهم فحسب، بل وعلى إمكانيّة تركهم الموصل برفقة عائلاتهم. إنّ نقلًا ضخمًا كهذا، دائمًا بحسب وكالة سبوتنيك، سيسمح بإعادة إطلاق هجومٍ جهاديٍّ ضد المواقع التي يسيطر عليها نظام الأسد في تدمر وفي دير الزور.  لم يتوان المتحدّث باسم وزير الخارجيّة الروسي لتأكيد صحّة تلك الادّعاءات، واصفًا النقل الذي يتمّ التفاوض عليه للجهاديّين من العراق في اتّجاه سورية بالجريمة، ولم يكن مهمًّا، في تأكيده، غياب أيّ عنصر إثبات لمناورة من تلك الحجم، أو حتّى حقيقة الصلات بين وكالة الاستخبارات المركزيّة وداعش. كان كافيًا لـ “مصدر دبلوماسي وعسكري روسي” أن ينفث سمّه في خبرٍ كهذا، ليتضخّم صداه بطريقةٍ متوقّعة، على شبكات التواصل الاجتماعي.

وكما هي العادة في كذبات الدولة، تسمح ذرّة من الحقيقة في التحقق من ضخامة الخداع. نعم، في الحقيقة، قام سلاح الجو الأميركي، بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، بقصف مواقع حكوميّة في دير الزور، وقد أقرّت واشنطن بخطئها، والذي استفاد منه مباشرةً مقاتلو داعش في تلك المنطقة المُتنازع عليها بشدّة مع القوّات الموالية للأسد. ونعم أيضًا، في الحقيقة، لقد تمّ تحرير تدمر، في شهر آذار/ مارس 2016، بفضل تدخّلٍ روسي حاسم، ولكن تلك الواحة الواقعة على بعد 200 كم من نهر الفرات لم يكن عليها أن تسقط في أيدي القوّات الخاصّة الجهاديّة في شهر أيار/ مايو 2015، وذلك لأنّ تقدّمهم في اتّجاهها قد تمّ بطريقةٍ مكشوفة، ومن دون أيّ دعمٍ جوّي.

 

إنقاذ حلب لإنقاذ سورية أم لإنقاذ الأسد؟

00

كانت الحملة الجويّة التي قادتها روسيا، خلال أسابيع طويلة، ضدّ الجزء الشرقي لمدينة حلب ومحيطه ذات شدّة غير مسبوقة، مع استهدافٍ ممنهج للمؤسسات المدنيّة والتعليميّة والطبيّة، إضافة إلى أنّ الجدل الدائر حول جرائم حرب كتلك لم يُغلق حتّى الآن. لكنّ نظرةً بسيطة على الخريطة الواضحة في الأعلى، للضربات الروسيّة التي جرت مؤخّرًا، تُثبت أنّها قد تجنّبت استهداف الأراضي التي تسيطر عليها داعش (باللون الرمادي على هذه الوثيقة الصادرة عن معهد دراسة الحرب لواشنطن).

لقد تمّ تحرير الجزء الشرقي من مدينة حلب من داعش منذ كانون الأوّل/ يناير 2014، وذلك على أيدي القوّات الثوريّة نفسها التي تستشرس عليها روسيا اليوم. إضافة إلى ذلك، سيسمح الانتصار الضخم الذي حقّقته الميليشيّات السوريّة، والمدعومة من تركيا، ضدّ داعش بإغلاق الممر الذي يسلكه الإرهابيّون من جهادستان في اتّجاه أوروبّا، أخيرًا. لذلك، لا تكتفي روسيا بقصفها للحلفاء الذين قد يكونون الأشدّ صلابةً في الكفاح ضدّ داعش، بل إنّها لا تساهم، بأيّ شيءٍ، في النجاحات المحقَّقة ضدّ أنصار البغدادي على بعد عدّة كيلومترات لطيران عصفور من مواقعه.

نتفهم جيّدًا أن يكون الكرملين في حاجة لإنعاش سياسته الإعلاميّة (البروباغندا) في مواجهة التكذيب اللاذع الذي تتعرّض له من جهة الواقع السوري، في إمكاننا أن نتوقّع، منذ الآن، “مبادرات “إنسانيّة” أخرى من روسيا في حلب، كما أنّنا سنقرأ على موقع سبوتنك، وغيره، “تجلّيات” أخرى عن صلات منفعيّة معقّدة أخرى بين داعش وواشنطن والرياض.

لربّما تكون اللحظة مناسبة لإعادة إطلاق فكرة وقف إطلاق نار غير مشروط في حلب، كما كنت قد فعلت، مسبقًا، الصيف الماضي بدعوتي لبعوث الأمم المتّحدة بالتوجّه إلى هناك، على الأرض، لتحقيق ذلك الغرض. إنّ وقف إطلاق النار هذا يجب أن يكون مبنيًّا على الإخفاق المؤكّد لكلّ الخيارات العسكريّة المتبنّاة من جميع الأطراف، وأن يرتكز إلى صيغة لـ”سلام الشجعان” بين السوريّين في الجزئين الشرقي والغربي للمدينة. كما يجب تحييد كلّ التدخّلات الخارجيّة، الروسيّة والإيرانيّة والميليشيّات المتواطئة لمصلحة الأسد، ولكن أيضًا الجهاديّين الأجانب من جهة الثوّار (تمّ بدء الهجوم المعاكس للثوّار، بتاريخ 28 تشرين الأوّل/ أكتوبر، بوساطة هجوم انتحاريّ ثلاثي نفّذه جهاديّون من جنسيّات سعوديّة ومصريّة وتركيّة.)

يجب إنقاذ حلب، وبأيّ ثمنٍ كان، والآن.

اسم المقالة الأصليPoutine déterminé à miser en Syrie sur la carte jihadiste
الكاتب  – جان بيير فيليوJean-Pierre Filiu
مكان وتاريخ النشرمدوّنة جريدة اللوموند

Le Monde blog2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016

رابط المقالةhttp://filiu.blog.lemonde.fr/2016/11/02/poutine-determine-a-miser-en-syrie-sur-la-carte-jihadiste/
المترجمأنس عيسى




المصدر