حل سياسي أم حرق سياسي؟


نعيم مصطفى – ميكروسيريا

صحيح أن سورية دولة صغيرة بمساحتها وسكانها ولكنها كبيرة بشعبها العظيم الذي سجل سطوراً من البطولات يجب أن تكتب بحروف من ذهب وتعلق في جميع متاحف الدنيا متحدثة عن شعب صبر قرابة ست سنوات  على كافة صنوف الظلم من القتل والتجويع والتنكيل والتعذيب والاعتقال ، ومازال صامداً وسيبقى إن شاءالله حتى تتحقق أهدافه المنشودة في الحرية والعدالة والديمقراطية .

يمكن أن تسأل قبل عام 2011شخصاً في أمريكا – بل أشخاصاً – أو في ألمانيا أو في السويد أوفي روسية عن دولة اسمها سورية هل سمعت باسمها ؟ فيقول لك لا، فلن تستغرب جوابه ويكون الأمر لديك طبيعي ولكن بعد العام المذكور إذا سألت السؤال نفسه وفي البلاد الآنفة الذكر نفسها وجاء الرد ب لا، فإنكستستهجن  وتدهش، وقد سئل  أحد المرشحين لرئاسة أمريكا عن حلب فلم يعرف أين هي فانهالت عليه رشقات من قذائف السخرية عبر وسائل الإعلام غزيرة ورأى الأمريكيون أنه لا يصلح لقيادة بلادهم .

كان شعب سورية متنوع الأعراق والإثنيات والأديان فهو كشكول إن صح التعبير وكان مع ذلك متعايشاً متحاباً لا تؤثر في مسيرة حياته تلك الألوان بل تزيده ألقا أُلفة وانسجاماً ، وكان يحكمه رئيس مراهق في السياسة بل صبي وُلد كما يُقال وفي فمه ملعقة من ذهب ورّثه أبوه دولة كاملة فلم ينظر إلى شعبه وأوضاعهم وآلامهم وآمالهم ويتحسس أوجاعهم بل فهم من نظريات والده أن الشعب يجب أن يخدمه ويطبل ويزمر له مهما فعل به من حماقات فهو سيد وهم عبيد ، وجعل مقدرات الدولة كلها في يد عائلته الصغيرة وحكم الدولة بالحديد والنار وقد صبر الشعب سنين عديدة عليه وتجرع كؤوس العلقم لكنه تمادى حتى كاد أن يصل إلى  كاليجولا القائد الروماني المعروف باستبداده وظلمه والذي أذلّ شعبه بل لا نغالي إذا قلنا إنه تجاوزه ، مما دفع بالشعب للقيام بثورته المجيدة رغم إدراكه أنه سيدفع فاتورة كبيرة لأنه أمام رجل قوي ولديه أسلحة فتّاكة وفي الوقت نفسه مريض نفسياً ، يجد سعادته في قتل شعبه واعتقالهم وإذلالهم .

بدأت الإرهاصات الأولى للثورة في بعض المدن السورية ثم اندلعت وتفجرت لتشمل كافة المدن والقرى، وبدأ مسلسل المأساة السورية فهجّر النظام الملايين واعتقل مئات الآلاف وحاصر وجوّع الملايين وجعل من سورية ساحة تجارب لأسلحة الدول كلها ومكاناً فسيحاً لشذاذ الآفاق ليمارسوا هواياتهم وتفننهم في قتل الشعب السوري ، ويستمر هذا الوضع على هذا الحال منذ نحو ست سنين ومع ذلك فعندما تجتمع دول العالم من أجل حلّ القضية السورية دائماً يخرجون ببيان يوقع عليه الجميع” الحل في سورية لا يمكن أن يكون إلا سياسياً” !! وبعد أن ينفضّ الاجتماع وأثناء انعقاده تجد أصوات وأزيز ودوي الأسلحة بكافة صنوفها الثقيلة والخفيفة والبرية والجوية تدك المدن السورية ، والغريب في الأمر أن كل الجهات الدولية والأطراف ذات الصلة بالصراع الذين مع النظام أو مع المعارضة يعزفون على هذه القيثارة ولا يملون “الحل سياسي”.

الحقيقة أن هذه التصريحات خلطت الأوراق  عندنا وجعلت الرؤية غامضة وغائمة في مفهومنا للسياسة وقراءتنا لها .

نحن نعلم أن السياسة هي الدبلوماسية والنظريات والمقاربات والآراء التي تحل الأمور المعقدة  من خلال الألسن والأقلام والطاولات ، لكن الذي نراه في المأساة السورية مخالف لما عرفناه عن السياسة ، كلما اجتمعت الدول الكبرى أو الصغرى من أجل حل الصراع تخرج بالبيان الذي أصدرته عشرات المرات ذاته خلال السنوات الخمس الخالية “الحل سياسي” وبعد أن ينفضّ الصراع تزداد وتيرة الصراع العسكري وغالبا ما تكون هذه الدول مشاركة في الحل العسكري .

متى تصحو هذه الدول من سكرتها وتشعر أنّ ثمة أناس مثلهم لهم لحم ودم وروح يجب أن تُرفع عنهم يد الفتك الآثمة ويعيشوا في أمن وأمان؟!!

والآن نجد أن روسية  المتوحشة قد أصابها الجنون والهيستريا أمام  صمت العالم عن أشنع مأساة في تاريخ البشرية،مما دفع بها وبحليفها ذاك الإبليس المسمى بشار لتحويل الحل السياسي(وهو ميت أصلا) إلى حرق سياسي فصبوا جام أسلحتهم على رؤوس الشيوخ والنساء والأطفال حتى لاحقتهم أسلحة روسية الفتاكة الجديدة إلى ملاجئهم ومخابئهم تحت الأرض من خلال قنابلها الارتجاجية التي أحدثت هزات أرضية فماذا فاعل المجتمع الدولي والمجرم بمقولة “الحل السياسي”…إنه الحرق السياسي.