on
خالد الخشن: في وسع الرمادي والخافت
للوهلة الأولى تبدو لوحات معرض الفنان والأكاديمي جمال الخشن، الذي أقيم مؤخراً في “غاليري مصر” تحت عنوان “نهاية فصل”، تأطيراً لتحوّلات نفسية وذهنية، لكن نظرة مدققّة تظهر أن المُحتفى به في هذه الأعمال هو في الحقيقة سعة المسافات البينية وسيولة الحدود الفاصلة واتساع المناطق الرمادية؛ ذلك ما توحي به التكوينات اللونية للوحاتٍ تتنازعها درجات من الألوان الكابية والأسود بتدرّجاته الناعمة والحادة. وعلى هذا التناقض تلعب لوحات الخشن في المسافات الفاصلة.
يقول الخشن في حديث إلى “العربي الجديد”، إن الأساس المفاهيمي الذي بنى عليه معرضه يتمثّل في “أن نهاية أي مرحلة هي نهاية مشاعر واندفاع نحو تجارب جديدة، كان تحوّل الفصول الأربعة هو المعادل الجمالي لما أفكر فيه، من هنا بدأت في لوحات المجموعة”.
وعبر اعتماد الوسائط المختلطة من رسم وطباعة، قدّم الخشن أعماله مستخدماً الجسد الأنثوي كعنصر تكراري وأساسي في كل لوحاته، ومرتكزاً في تنفيذها بألوان الباستل والأكرليك الخافتة، ما منح لوحاته تلك الضبابية والشفافية المميزة لتحوّلات الفصول.
وإن كانت أعمال الفنان السابقة اعتمدت التصوير والطباعة والتجهيز، وارتكز في أغلبها على التصميم الرقمي، لكنه فضّل في هذا المعرض الانطلاق من احترافه الأساسي كرسّام؛ ما يفسّر الأوضاع التشريحية لغالب الأجساد الأنثوية في لوحات الخشن، التي تبرز مسيطرة على مركز اللوحات وتكوينها الكلّي، متوسّلة التشريح الجسدي للوحات عصر النهضة، ذلك “الجسد الغربي” كما وصفه الخشن نفسه، والذي قال إنه كرسّام ابتداءً يحاول أن ينطلق من الأساس الكلاسيكي الذي درسه متوخيّاً عصرنته.
العصرنة التي تحدّث عنها الخشن تظهر في لوحاته من خلال عنصر تكراري آخر هو الورد البلدي. يمكن هنا للعصرنة أن تكون مرادفاً للمحلية، الوردة تخدم هنا كعنصر فاعل في الجسد: باقة ورود مكان الرأس الأنثوي مرة، ومرة أخرى بين ذراعي امرأة أو قد يحلّ الورد محل العضو الأنثوي. وكما كل العناصر هامسة في لوحات الخشن، يبدو الورد كذلك بلونه الخافت.
ويمكن للبعض هنا اعتماد تأويلات مباشرة كانتظار ربيع العلاقات التي لم تأتِ بعد، أو المرأة التي تنظر وتنتظر ربيعها، وربما أيضا ربيع الأجساد الواعد (الأزهار) في مقابل شتاء المشاعر المولّي (الأجساد الشاحبة)، خصوصاً أن هذه التأويلات تنبني على حقيقة انكفاء الأجساد الأنثوية على ذاتها، لكن ما يبقى قابلاً للتساؤل بشأنه هو طموح اختيار الجسد الأنثوي كحاملٍ لهذه الأفكار.
رسم الفنان قبل ذلك أجسادًا ذكورية استعار فيها مفردات التصوير الكلاسيكي اليوناني والروماني لجسد الرجل مفتول العضلات، حتى وإن كان ذلك عبر رسوم المؤخرات، لكنه اعتبر أن استخدام الجسد الأنثوي في لوحات معرضه لأن الأنثى “الطرف الأكثر تأثراً في العلاقات الإنسانية، بمعنى الأكثر هشاشة وانهياراً”.
وبعيداً عن مباشرة الجواب واستهلاكيته حتى، فإن المفارقة هنا تكمن في استخدام الفنان الشاب للأبعاد الكلاسيكية الغربية في تشريح الأجساد، المستمدة من التراث اليوناني الروماني وفنون عصر النهضة، والتي مع ترجمتها التصويرية للخصائص المميّزة بين الجنسين، فإنها ساوت بشكل ما بين نعومة استدارات الجسدين الأنثوي والذكوري، لكنها اعتمدت ربط الهشاشة حصراً بذلك الجسد النسائي، ما يجعل الأعمال المعروضة تبرق بذكورية ما، وإذ تفعل ذلك فإنها تتخفّى خلف أجساد ووجوه أنثوية محجوبة خلف نثار من نقاط بيضاء، يمكن اعتبارها حواجز مانعة، أو تصورها- إذا ما استخدمنا مطرقة التأويل الثقيلة- ذلك “اليشمك” على وجوه النساء من زمن “سي السيد” في قاهرة ثلاثية نجيب محفوظ.
صدى الشام