ظاهرة التسول تطغى على شوارع إدلب


فارس وتي

انتشرت -في الآونة الأخيرة- ظاهرة التسول في معظم مناطق ريف إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، فلا يكاد يخلو سوق شعبي أو منطقة مزدحمة أو باب مسجد، إلا وكان حضور لكلمات (من مال الله،  الله يرزقك ويعوض عليك،  الله يخليك، والله انا أرملة وعندي عيلة كبيرة)، وفي العودة الى أسباب انتشار هذه الظاهرة؛ فان ذلك يعود إلى أسباب عدة، ربما أكثرها أهمية الغلاء المعيشي الوحشي الذي يجتاح البلاد، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بهبوط الليرة السورية أمام الدولار، إضافة الى وجود الآلاف من الأسر المهجرة والنازحة من المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، والتي خرجت بما تملك من مال استهلكته في فترة نزوحها، فضلًا عن وجود الآلاف من العائلات التي فقدت مُعيلها في هذه الحرب، وأصبح عبء الأسرة على الزوجة والأطفال، على الرغم من صغرهم، وحداثة سنهم؛ ولضحالة فرص العمل في المدن الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي تفتقر الى المنشآت الصناعية التي كانت تستوعب الآلاف من الأيدي العاملة، وتدني أجورها إن وجدت.

وللمقارنة في انتشار هذه الظاهرة، فقد نجدها شبه معدومة في الأرياف والقرى الصغيرة؛ لوجود تكافل اجتماعي محلي ضمن العائلة الواحدة، في حين نجد أعلى نسبة لها في المدن الكبرى؛ فعلى سبيل المثال في شارع الجلاء والأسواق الشعبية، في مدينة إدلب، لا تكاد تخلو زاوية إلا ويلاحظ فيها امرأة او اثنتين مع أطفال صغار، يتناقلون بين هذا وذاك، تمتد أياديهم طلبًا لما تيسر من مال، وذلك نتيجة لزحام المدينة؛ حيث تتناقص أواصر الصلة إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالريف، ومن الأسباب الأساسية لانتشار هذه الظاهرة عدم قدرة الأهل على تغطية نفقات أبنائها المدرسية؛ ما يدفعهم للتسرب من المدارس، وامتهان التسول؛ ليحصلوا على ما حرموا منه في طفولتهم.

عزة نفس مع حاجة

هنالك حالات عديدة ممن تأبى أنفسهم من مدِّ يدِ الحاجة للناس، تجدهم يضعون علبة بسكويت -مثلًا- أو بالونات، أو بعض السكاكر، يبيعونها بصمت، وبلا جدال؛ بغية قدوم “زبون دسم” يقدم أضعاف سعر القطعة التي يأخذها.

مصابو الحرب كان لهم نصيب من الوجود في الساحات والشوارع، تجد شابًا في مقتبل العمر مبتور القدمين أو اليدين أو كفيفًا، أو ملقى على كرسي أو سرير في قارعة الطريق، يطلب من الناس على استحياء، فهو أمرٌ طارئ عليه، وخارج عن سيطرته، وما اعتاد عليه في صحته وتمام بدنه.

في تصريح للأستاذ عبد الستار عبد الوهاب، الاختصاصي الاجتماعي في ريف إدلب، لـ (جيرون): “إن ظاهرة التسول ظاهرة قديمة في المدن الكبرى، وازدادت في الفترة الأخيرة؛ ما جعل منها مرضًا مجتمعيَا خطرًا، حيث أصبحت تُمارس هذه الظاهرة كمهنة عمل، وليست في سبيل الحاجة، خصوصًا مع استغلال الحالات الإنسانية؛ جلبًا لاستعطاف الناس. ودليل كثرتها في المدينة على أنها ممارسة مهنة أكثر منها طلبًا للحاجة”.

وأوضح عبد الوهاب لـ (جيرون): “إن النزوح، وتوقف العملية التعليمية في بعض المناطق، أدى إلى استغلال الأطفال بممارستها، وهو ما ينذر بانحلال مجتمعي، و لكي نتفادى هذه الظاهرة، فإنه من الواجب العمل على إعادة الأطفال إلى مدارسهم، وتأمين حاجاتهم لإكمال تعليمهم، وخصوصًا بعد ازدياد الجمعيات والمنظمات الراعية للأنشطة التعليمية، أو إدخالهم الى ورشات تدريب مهنية، وتوعية الأهالي من خطورة هذه الظاهرة عبر حملات التوعية والإرشاد، والمساهمة في حل هذه الظاهرة، أما بالنسبة للنساء الممتهنات التسول، واللواتي  فقدن أزواجهن، أو لديهن عجز رب العائلة عن العمل، فيجب العمل على إدخالهن في مجالات عمل تخص المرأة، وتأمين لقمة العيش لهن بكرامة؛ بعيدًا عن سؤال الآخرين، وذلك من خلال تدريبهن في ورشات عمل، وهي موجودة ونشطة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ولها جهاٍت داعمة، بحيث تدرب المرأة، ويؤمن لها عمل يكسبها لقمة عيشها، ويغني الأرامل أو المحتاجات عن الاستغلال من خلال ضعاف نفوس، وخصوصًا في المجال الأخلاقي، بعد غياب أجهزة رقابة مركزية عن مثل ممارسات كهذه، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ثم أردف قائلًا: ” على المسؤولين الأمنيين ملاحقة هذه الظاهرة، والحد منها؛ كي لا تنتشر وتصبح أمرًا روتينيًا في شوارعنا، ووضع كل من يمتهن التسول ضمن مخيمات مخصصة لرعاية الأرامل والأطفال، تتكفل بتأمين مستلزمات المعيشة الأولية بعيدًا عن الحاجة وسؤال الناس .




المصدر