أطفال مخيم الرقبان بين مأساتين


عاصم الزعبي

لم تكن هناك خطط مسبقة لإنشاء أي مخيم في منطقة الرقبان، فهي ليست مُجهّزة -نهائيًا- بأي بنية تحتية لهذا الغرض، إضافة إلى الجغرافيا الصحراوية الصخرية، ذات المناخ القاسي جدًا، ولكن في عام 2014 باتت المنطقة محطة توقف للسوريين الهاربين من جحيم القصف والقتل، وتحولت مع الأيام إلى مخيم كبير، يقطن فيه -حاليًا- زهاء 71 ألف لاجئ.

يُشكّل الأطفال والنساء غالبية سكان المخيم، وتتعدد المشكلات التي يتعرضون لها، وخاصة الأطفال، وأبرزها صعوبة التعليم في ظل الأوضاع القاسية من كل الجوانب، إضافة إلى بروز مشكلة لا تقل أهمية عن مشكلة التعليم، وهي تسجيل الأطفال في ما يشبه دائرة الأحوال المدنية تسجيلًا قانونيًا.

خوف من وجود أطفال مكتومي القيد

هناك خوف حقيقي لدى سكان المخيم، من أنهم لا يستطيعون تسجيل أطفالهم المولودين حديثًا، أو حتى الأطفال الذي أتوا معهم من مدنهم وقراهم، قبل أن يُسجَّلوا في دوائر السجلات المدنية، ويتنامى هذا الخوف مع ازدياد عدد الولادات في المخيم غير المهيأ أصلًا للعناية بهم.

يقول شكري شهاب، مدير المركز الطبي الوحيد في المخيم، لـ (جيرون): “بلغ عدد الأطفال غير المسجلين في سجلات رسمية حوالي 2000 طفل، حيث لا يوجد تسجيل نهائيًا، إلا الولادات التي تتم في المركز الطبي، وفي هذه الحالة تُسجَّل أسماء الأمهات وحسب؛ لأن السجلات الموجودة في المركز تمكننا من توثيق حالات الولادة، من حيث اسم الأم، وجنس المولود، وتاريخ الولادة فحسب”.

حاولت مجموعة من سكان المخيم التواصل مع جهات عدة، من أجل مساعدتهم في تسجيل أبنائهم، من خلال إنشاء مكتب للتوثيق، كما يقول شكري شهاب: “نحاول العمل على إنشاء مكتب للتوثيق؛ لتسجيل الولادات في المخيم، وجرى تقديم عدد من الوعود، من جهات عدة، لتزويدنا بجهاز كومبيوتر واحد فحسب، وطابعة، وبرامج خاصة بتسجيل المواليد، ولكن -حتى الآن- لم نحصل على شيء على الإطلاق”.

مدرسة في مهب الريح

تم افتتاح مدرسة في مخيم الرقبان منذ أيام عدة، أطلق عليها اسم “مدرسة عودة الأمل”، وهي عبارة عن خيمة كبيرة نسبيًا، مصنوعة من قماش الشادر، ومهترئة، تُبرع بها من أحد الأشخاص؛ لتكون مدرسة لأطفال المخيم.

هناك حوالي 4000 طفل، أُحصوا في سن التعليم الأساسي، وسُجلت أسماؤهم، كمرحلة أولى في فكرة للبدء بمشروع تعليمي بسيط؛ يهدف إلى محو الأمية لدى أطفال المخيم.

يقول شكري شهاب: “سُجل 800 طالب حاليًا في المدرسة، في التعليم الأساسي، حيث يوجد صفان في المدرسة فقط، ويُقسم الدوام إلى دفعة محددة من الطلاب لكل 3 ساعات، من الصف الأول وحتى الصف السادس، وكل صف مقسم على هذا الأساس، ويعمل المدرسون ما لا يقل عن 10 ساعات يوميًا، من الساعة السابعة صباحًا؛ وحتى الساعة السادسة مساءً”.

يبلغ عدد المدرسين 15 مدرسًا، يقومون بعملهم تطوعًا؛ خدمة لأبناء المخيم، حتى القرطاسية اللازمة للتعليم هم من يقومون بجلبها وتوزيعها على الأطفال، ويُدرّس المنهاج الدراسي المتبع في مناطق سيطرة النظام، ولكن دون وجود كتب، حيث يعتمد المدرسون على المعلومات العالقة في أذهانهم من هذا المنهاج، حيث لم يتمكنوا من تأمين نسخة كتب واحدة على الأقل، ولم يُقدّم أي نوع من الدعم للتعليم في المخيم.

من الممكن أن تصمد الخيمة التي نُصبت كمدرسة لأطفال المخيم لأيام مقبلة فحسب، مع اقتراب الشتاء يومًا بعد يوم، لكنها لن تستطيع مقاومة الرياح التي تهب عادة على المخيم وتقتلع خيامه، لتكون عرضة لأن تقتلع، وتذرو الرياح حلمًا عند هؤلاء الأطفال.

لذلك يفكر سكان المخيم، ويحاولون بناء مدرسة مكونة من أربع غرف من الطين، ودورة للمياه لتكون مدرسة لأبنائهم، ولكن -حتى اليوم- لم يُنجز أي شيء من هذه الفكرة، فالإمكانات شبه المعدومة لسكان المخيم من الناحية المادية تحول دون إنجاز بهذا العمل.

من العنف إلى الأمل

أثرت قسوة النزوح واللجوء على الأطفال في مخيم الرقبان، إضافة إلى ما شاهدوه من حرب ودمار وقتل، فقد نسي هؤلاء الأطفال القراءة والكتابة التي تعلموها في الصفوف الدراسية الأولى، وهم اليوم كما يقول شهاب: “يمضون معظم وقتهم وهم يحملون العصي، ويعدّونها بنادق، ويقلدون ما يجري في سورية، يصطنعون المعارك التي غالبًا ما تنتهي بمشاجرات بينهم، من الممكن أن تتسبب لهم بالأذى الجسدي، إضافة إلى الأذى النفسي الذي لحق بهم من جراء هذه الأوضاع القاسية، أصبحت حياتهم مليئة بالعنف والعدوانية”.

لكن، كانت المدرسة بمنزلة بارقة الأمل؛ لتغيير هذا الواقع الصعب، فمنذ اليوم الأول لافتتاح المدرسة لوحظ الفرق، بالنسبة للأهالي في المخيم؛ وحتى بالنسبة للأطفال أنفسهم، فقد وجدوا شيئًا جديدًا أثار اهتمامهم إثارة كبيرة، ويتابع شهاب: “كان هناك إحساس لدى الأطفال والأهالي في المخيم، على حد سواء، بأن أهم ما ينقصهم هو التعليم، لقد سئموا التفكير بالماء، والطعام، والمعونات التي نادرًا ما باتت تدخل إلى المخيم، كان افتتاح المدرسة كيوم عيد بالنسبة لهم ولأطفالهم، على الرغم من أنه كان عملًا بسيطًا جدًا”.

هناك حاجات عديدة، تتعلق بالتعليم في مخيم الرقبان، الأطفال بحاجة إلى مدرسة حقيقية، ولو كان بناؤها من الطين، يحتاجون للكتاب المدرسي، للدفاتر والأقلام كأي طفل يرتاد أي مدرسة، لم يعد الأهالي يريدون الطعام والشراب، بقدر ما يرغبون في إنقاذ أبنائهم من مستنقع الجهل الذي يقود إلى طريق العنف والتطرف والانحراف الأخلاقي.

الناس في مخيم الرقبان الحدودي أرهقهم كل شيء، الجوع والعطش، الفقر والجهل، معظم هؤلاء الناس فروا من مناطق سيطرة تنظيم داعش، ومن مناطق نظام الأسد، هم لا يستطيعون العودة، فمن عاد منهم إلى مناطق داعش يعتقل بتهمة الصحوات، ثم يعدم، ومن يعود إلى مناطق سيطرة النظام هو عرضة للاعتقال أيضًا.

ناقوس الخطر يدق في المخيم، محاولات بسيطة تتم بصعوبة شديدة؛ لإنقاذ أطفال المخيم من الضياع، ضياع إذا لم يُسجَّلوا سينتج عنه أطفال مكتومي القيد، لن يتمتعوا بأي حقوق قانونية أو اعتراف من أحد في المستقبل، وضياع لا يقل قسوة إذا بقي هؤلاء الأطفال دون تعليم.




المصدر