‘عبد القادر عبد اللي يكتب: متاهة الرقة بين قسد وتركيا ..’
15 نوفمبر، 2016
عبد القادر عبد اللي
منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية نيتَها تحرير المناطق التي تحتلها داعش في سورية والعراق، ودخول تركيا بعملية تحرير منطقة غرب الفرات شمال حلب من هذا التنظيم، دخلت عملية تحرير الرقة ميدان النقاش بشكل حار جداً .
لقد أبدا الأتراك استعدادهم لتحرير المدينة في حال تقديم التحالف الدولي الغطاء اللازم، ولكنهم اشترطوا عدم مشاركة قوات سورية الديمقراطية “قسد” والتي تشكل وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” عمودها الفقري في العملية. المتابع لمواقف الولايات المتحدة من النظام السوري وقواته الرديفة، يدرك جيداً أن باراك أوباما لم يناقش معركة الرقة مع رجب طيب أردوغان عن طيب خاطر، فالإدارة الأمريكية منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سورية تعمل ضد ما تعتبره الحكومة التركية مصالحها الاستراتيجية، وحتى إنها تعمل على إسقاط حكومة العدالة والتنمية عقوبة لها على موقفها من الأسد وقواته الرديفة بشكل خاص دون السؤال عن البديل كما تفعل في القضية السورية، وهي تعرف تماماً أنه لا يوجد بديل حتى الآن .
ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لطلب العون من تركيا في معركة الرقة هو معرفتها بعدم إمكانية تحقيق هذا الأمر مع قسد وحدها. ولكن قسد ترى نفسها قادرة على القيام بهذه المهمة. ولكن هذه القدرة فيها شيء من الرومانسية أو الغرور، وقد شوهد الفرق بين معركة عين العرب (كوباني)، ومعركة منبج، فبينما كانت قوات سورية الديمقراطية تهاجم داعش في منبج، أدارت داعش لها ظهرها، وهاجمت مواقع الجيش الحر غرباً، ولكن داعش عندما قاتلت في عين العرب(كوباني) دخلتها القوات المشتركة (وحدات حماية، بشمركة، جيش حر) أرضاً شبه محروقة .
لم يكن الناطقون باسم تركيا متوترين من الأخذ والرد في هذا الموضوع كما كانوا في قضية الموصل، ويبدو أن هذا نابع من إيمانهم بأن معركة الرقة لا يمكن أن تتم إلا بدخولهم على الخط. ولكن أكثر من خط أحمر يقف أمام هذه القضية، وهي خطوط حمراء حقيقية وليست دعائية كخطوط أردوغان وأوباما من نظام الأسد .
فحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” يعتبر مشاركة تركيا خطاً أحمر بالنسبة إليه. وتركيا تعتبر دخول “PYD” في المعركة خطاً أحمر بالنسبة إليها. والولايات المتحدة تخشى من الفشل في حال دخول قسد دون تركيا، وتخشى على حلفائها الجدد قسد وبقية القوات الرديفة في حال دخلت تركيا دون تلك القوات . فما الحل ؟
المتابع لبرودة الموقف التركي من القضية لا بد وأن يثار في ذهنه السؤال التالي؟ هل تريد تركيا أن يتورط الاتحاد الديمقراطي في معركة تعرف جيداً أنها غير متكافئة، ولا يوجد لدى قوات التحالف نية الدخول بقوات برية يمكن أن تساعد في تحرير الرقة؟ لأنه لو كان لدى الولايات المتحدة ذرة يقين بقدرة قسد -التي دربتها وسلحتها- على القيام بهذه المهمة لما عرضت الأمر على تركيا أساساً .
ليس الكرد وحدهم من دفع أثماناً باهظة ضحية ألعاب القوى الفاعلة في سياسة المنطقة، بل هناك أنظمة ودول دفعت هذه الأثمان، ومنها مازال يدفع. ولو نظرنا إلى المكسب الوحيد الذي حققه الكرد بعد تضحيات بلغت عشرات آلاف المواطنين من مقاتلين ومدنيين اعتماداً على وعود القوى الفاعلة في سياسة المنطقة، لوجدنا أنه يتمثل فيما حصل في كردستان العراق، ولكن هذا أيضاً اليوم على شفا هاوية نتيجة تحالف أكثر من طرف كردي مع أطراف أخرى ضد برزاني، ولعل قضايا المنطقة الساخنة تؤجل حرباً أهلية تنشب هناك .
وعندما ألغى حزب العمال الكردستاني “الهدنة” مع تركيا، وعاد إلى العمليات العسكرية، فقد أقدم على هذه الخطوة بناء على وعود دول فاعلة، ولكن شيئاً من تلك الوعود لم يتحقق بعد، ولو كان لديه أمل بتحقيق هذه الوعود لما طالب في كل مناسبة بالعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل إلغاء الهدنة .
بقدر ما تشكل معركة الرقة فرصة لحزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” بقدر ما يمكن أن تكون فخاً يدفع فيه ثمناً باهظاً. بمعنى آخر، هل يمكن قراءة الموقف التركي البارد من مشاركتها بتحرير الرقة توريطاً لقسد بدخول هذه المعركة من أجل إنهاكها، والتخلص من الطرفين في آن واحد ؟
ولكن التغيير بالأولويات لدى داعش فرض شيئاً من التحالف غير المعلن أو غير المباشر بين هذا التنظيم من جهة وقسد التي اعتبرها النظام السوري قوة رديفة من جهة أخرى في شمال حلب، وانسحبت داعش لصالح القوات الرديفة من العديد من المناطق . ولم تكن تلك الانسحابات وحدها المؤشر على إمكانية نشوء هذا التحالف، فعملية ديار بكر بسيارة مفخخة الأسبوع الماضي أشارت إلى تناغم من نوع جديد، فقد تبناها كل من حزب العمال الكردستاني وداعش في آن واحد .
نعم ، يبدو أن قضية الرقة صراع نفوذ يدخل متاهة غاية في التعقيد ، وسيكون هناك خاسرون محتملون في هذا الطرف أو ذاك، و لكن الخاسرين بشكل مؤكد هم أهل الرقة البسطاء الذين لم يستطيعوا الهرب في البداية ، وسُدت السبل في وجوههم فيما بعد .
المصدر: الرافد
عبد القادر عبد اللي يكتب: متاهة الرقة بين قسد وتركيا .. على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –