مع تراجع "تنظيم الدولة" بالموصل..محل للحلاقة يعج بالزبائن والجثث بانتظار من ينتشلها من الشوارع


كان محل الحلاقة الذي يملكه علي بشار هو المحل الوحيد الذي فتح أبوابه حتى الآن بعدما شق الجيش العراقي طريقه في حي الانتصار شرق الموصل. وبداخل المحل اصطف رجال لحلق لحاهم الطويلة التي أُجبروا على إطلاقها في عهد تنظيم "الدولة الإسلامية".

وعلى بعد بضعة مبان كانت أربع جثث لمقاتلين من "تنظيم الدولة" ملقاة على الطريق مغطاة بالبطاطين ويحوم حولها الذباب. وقال رجل شرطة إنها متعفنة في ذلك المكان منذ عشرة أيام انتظاراً لإزالة الجيش للجثث.

ولم تعد الحياة بعد إلى طبيعتها في واحد من المناطق الأولى الصغيرة التي يستعيدها الجيش العراقي من آخر معاقل "تنظيم الدولة" في البلاد.

لكن السكان تحركوا بحرية في الشوارع التي تنتشر فيها رايات الاستسلام البيضاء والتي كانت قد رفعت لحماية منازلهم مع تقدم الجيش. كان هناك صبي يجلب غاز الطهي لوالده وأطفال يلهون على ساتر ترابي غير عابئين بأصوات إطلاق النار والانفجارات.

ومعركة طرد "تنظيم الدولة" من مدينة الموصل وهي أكبر بكثير من أي مدينة سيطر عليها التنظيم على الإطلاق، هي أكبر عملية عسكرية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وطوق تحالف يتألف من 100 ألف من القوات العراقية وتدعمه غارات جوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الموصل بصورة شبه كاملة. ولم يتم اختراق دفاعات "تنظيم الدولة" حتى الآن سوى في شرق المدينة.

واستعادت قوات مكافحة الإرهاب وهي من قوات النخبة عدة أحياء إلى الشمال مباشرة من حي الانتصار لكن ضباطاً عسكريين يقولون إن الوجود الكثيف للمدنيين في المناطق السكنية يبطئ تقدم القوات.

وكانت عربات همفي تابعة للجيش منتظرة أمام محل الحلاق الذي أعيد فتحه في مطلع الأسبوع. وملأ السكان وقليل من الجنود واجهة المحل الضيقة يوم الاثنين. ولم يتضح عدد الذين يريدون التزين ومن يريدون اتخاذ ساتر من إطلاق النار العشوائي في الخارج.

لكن أصوات أدوات الحلاقة الكهربائية والمقصات تغني عن الكلام في مدينة كان التنظيم قد أمر فيها بإطالة اللحى باعتبار ذلك إظهاراً لسيطرته على كافة أوجه الحياة خلال العامين ونصف العام منذ أعلنوا الخلافة من مسجد في الموصل.

وقال بشار الحلاق وهو يصف الحياة في ظل "تنظيم الدولة": "لمن فاتوا (عندما جاءوا) منعوا حلق اللحية (..) شوية شوية منعوا الزيان (التزين) منعوا القزع (حلاقة جزء من شعر الرأس فقط) والخيط. ويومياً يطلعولك بسالفة (شئ) يعني ممنوع (..) ما ظل شغل (لم يعد هناك عمل) (..) كله ممنوع. نحن كنا نشتغل لكن لا لحية فقط شعر، لكن قزع ما قزع، ممنوع."

وعرض منشوراً وزعه "تنظيم الدولة" يوضح القيود بالتفصيل. وقال إنه توقف عن العمل بعدما اعتقلته شرطة الأمر بالمعروف التابعة للتنظيم لفترة وجيزة بعدما قام بحلق لحية على هيئة اللحية المصغرة على الذقن الشائعة في معظم العراق.

وبعد 11 يوماً من إعلان الجيش دخول قواته حي الانتصار ذكر عقيد يوم الاثنين أن الجيش تمكن أخيراً من بسط السيطرة على المنطقة بالكامل وتقدم صوب حي السلام القريب.

وكان من الصعب تأكيد مدى سيطرة الجيش، وأوضح ضابط آخر أن قذائف المورتر لا تزال تسقط هنا وأن القناصة لا يزالون في مجال الرمي.

وبخلاف محل الحلاقة لم تكن هناك أي متاجر أخرى مفتوحة. فالمتاجر غير قادرة حتى الآن على جلب البضائع ولذلك يعتمد المدنيون على المواد الغذائية التي يوزعها الجيش بشكل يومي. وبيّن بعض السكان أنه لم تصلهم مساعدات حتى الآن.

وقال سعد وهو طالب يبلغ من العمر 22 عاماً: "لا يوجد أطباء هنا. إذا أصيب أحد بالرصاص فسيموت في بيته." وبينما كان يتكلم اهتزت الأرض بسبب انفجار كبير سُمع من بعيد داخل الموصل.

وبعد لحظات مرت عربة همفي مسرعة وهي تحمل جندياً مصاباً من خط الجبهة إلى مركز للإسعافات الأولية على أطراف المدينة.

وعند محل الحلاقة التقط أحد السكان صندوقي ذخيرة خشبيين فارغين تركهما الجيش. وقال الساكن إنهما سيشكلان حطباً جيداً للطهي.

وأخرج الرجل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أبناءه من المدرسة في ظل سيطرة "تنظيم الدولة". وقال إن الوظائف كانت قليلة في دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم. وأضاف "إذا كنت ترغب في عمل فعليك أن تنضم إليهم".




المصدر