“شروال” الأمير لا يصنع نصراً


من حيث المبدأ لا أحد يشكك بالنوايا الطيبة والسليمة لكل مقاتل ثائر يتواجد على جبهات القتال ويدافع عن أهله ووطنه ودماء الشهداء الذين سقطوا.

 ومن حيث المبدأ أيضاً لسنا في صدد سلخ الذات وفتح أبواب النقد وصفحات السلبيات الآن.

لكن بعد ما حصل في جبهات عدة بدءاً من معركة الراموسة انتقالاً إلى معارك الغوطة الشرقية وتل كردي وصولاً إلى معركة الكتيبة المهجورة في الجنوب وآخرها ملحمة حلب الكبرى نجد أن هناك أخطاءاً تتكرر وأن هناك ابتعاداً كاملاً عما يسمى فكر وخطط عسكرية وخطط دفاعية وتكتيكات تُتخذ عادة أثناء سير المعارك.

 

قد يخرج من يقول أن الطيران الروسي وطيران الأسد وحواماته تجهض الخطط عبر اتباعها سياسة الأرض المحروقة والقصف التسلسلي الذي يُبيد الأرض ليتقدم خلفها جبناء الأسد وحلفائه على أنقاض المناطق المدمرة، وهو أمر واقعي لكن لكل داء دواء ولكل خطة مقابل من الخطط العسكرية التي تستجيب لكل تغيرات الموقف العسكري ومستجداته وتقلباته.

لن ندخل في تفاصيل خسائر معارك الغوطة والجنوب لأنها تحمل عنواناً واحداً وهو فرقة الصف وغياب التنسيق والتعاون والخلافات البينية التي أودت إلى سلسلة من التراجعات أو فقدان خيرة الشباب المقاتل بين شهيد وجريح عدا عن خسارة بعض المواقع ذات البعد العسكري المؤثر على مجريات المعارك القادمة.

أما ما يخص معارك جبهة حلب وهي معارك تتصف ببعدها العسكري الهام إن كان من الناحية المعنوية والعسكرية أو من ناحية بعدها الاستراتيجي الذي ينعكس ليس فقط على جبهات حلب بل يمكن أن يكون لتلك المعارك انعكاسات وارتدادات تؤثر على مجمل تفاصيل الثورة السورية.

البداية من معركة الراموسة التي توسم فيها الحلبيون خيراً بعد أن استطاعت أن تفتح ثغرة في جدار الحصار الذي فرضته عصابات الأسد وحلفائها من قتلة إيران وروسيا وبقية المرتزقة التي تساندها من دول عدة. لكن وقبل أن تجف دموع فرح أهالي حلب عادت ميليشيات النظام وبدعم جوي روسي وأرضي إيراني وأعادت السيطرة على تلك المنطقة والحصار المفروض على أكثر من 350 ألف مدني في الأحياء الشرقية والممنوع عنهم أي من الإمدادات الغذائية أو الطبية وحتى إخلاء الجرحى.

الخرق الذي أحدثه الثوار في منطقة الراموسة والوصول إلى أطراف حي “الشيخ سعيد”  كان من الواضح أنه لا يؤمن العمق الدفاعي الذي يؤهل المقاتلين للبقاء والصمود والدفاع عن المناطق المحررة والحفاظ على ثغرة فك الحصار في منطقة الراموسة، وكان الأجدى والأفضل لو تم التوسع جنوباً نحو معمل الاسمنت تليه عمليات جادة وحاسمة لقطع إمدادات النظام القادمة من الساحل وحماه عبر طريق “إثريا- خناصر”, ومن ثم الاستدارة شمالاً للوصول إلى الأكاديمية العسكرية في منطقة الحمدانية للسيطرة عليها أو استنزافها على أقل تقدير وتنفيذ ضربات استباقية ضدها تجهض أي تحرك لها نحو إعادة فرض الحصار في منطقة الراموسة. على أن تترافق تلك الخطوات مع تدعيم وتمكين المقاتلين من استمرارية السيطرة على التلال الحاكمة التي تعطي الميزة النارية للطرف الذي يمتلكها والتي يمكن أن يستغلها نظام الأسد وحلفائه إذا ما سيطروا عليها خصوصاً مع امتلاكهم للأسلحة والثقيلة التي تؤثر على مجريات المعركة. لكن غياب معظم تلك النقاط عن ذهنية مخطط عمليات الفصائل المشاركة بالمعركة أو الفشل في تطبيقها كان له الأثر الكبير في قدرة النظام على إعادة الحصار مستفيداً من أخطاء وقع بها الثوار ومستفيداً أيضاً من الغطاء الجوي الروسي الذي أحرق المنطقة.

 

في معارك “ملحمة حلب الكبرى” قلنا أن أخطاء المعارك السابقة يجب أن يكون قد تم تلافيها وأن نقل المعركة من المناطق المكشوفة إلى المناطق الغربية والدخول في أزقة وشوارع الضواحي السكنية هو البديل والتكتيك الذي تم اللجوء إليه للتخلص من ضربات الطيران، وأن القتال القريب وخلق التماس مع العدو هو لإجهاض الرمايات الثقيلة. لكن بقدرة قادر عدنا لنتجرع من نفس كأس الراموسة. وأهالي حلب المحاصرين الذين كانوا ينتظرون جدار الحصار أن يتحطم عادوا ليتلقوا أخباراً عن تراجع فصائل المعارضة وانسحابهم لنفس النقاط التي انطلقوا منها وبسرعة غير معهودة في معارك الثوار وخاصة معارك المدن التي تتصف بالاستنزاف الشديد والقتال الصعب والتفاصيل التي يمكن أن يتحدد فيها التقدم بالشوارع والأبنية. لكن الانسحاب كان شاملاً وبدأ بخسارة مشروع 1070 شقة ومن ثم قرية منيان ولتلحق بهم الضاحية ومعمل الكرتون وعدنا إلى المربع الأول في معركة فك الحصار وكأنك “يا أبو زيد ما غزيت”.

من المؤكد أن التفريط بتلة “أحد” كشف ظهر المدافعين في مشروع (1070) شقة ومن ثم خسارة تلة “مؤتة” و”مدرسة “الحكمة” أكمل السيطرة النارية لحلفاء النظام ومهّد الطريق لإجبار فصائل المعارضة على الانسحاب، وكذلك خسارة معمل الكرتون وقرية منيان كشف ظهر ومجنبات المدافعين عن الضاحية وساهم بدفعهم نحو الانسحاب أيضاً.

المعارك “كر وفر” وهو أمر معروف في المعارك التي لا يملك أحد الأطراف فيها القدرة على حسم المعركة، والجهد الجوي الذي يساند نظام الأسد أيضاً أمر لا يمكن تجاهله. لكن المقلق هو عدم تطبيق كل مبادئ العلم العسكري لعمليات الدفاع والهجوم، وعدم الركون لاستخدام الأساليب التكتيكية الدفاعية المفترض تنفيذها في هذا النوع من القتال والذي يصب لمصلحة القوات المدافعة إذا ما  أُحسن استخدامه وتطبيقه. أين القتال التقهقري في مثل تلك الحالات وأين نظام الكمائن وأين تطبيق تكتيك مناطق القتل وأين قتال الإعاقة؟

ويبقى سؤال كل متابع لساحات المعارك لماذا يقاتل النظام وغرف عملياته بفكر عسكري متطور يستفيد فيه من خبرات الضباط الروس والإيرانيين وخبرات حزب الله، وحتى الجزائريين ذهب إليهم وزير خارجية الأسد “وليد المعلم” لاستنساخ تجاربهم والاستفادة منها في ساحات المعارك في حين يُصر أصحاب القرار وأمراء الحرب والتنظيمات على أن يقود المعارك ويخطط لها “شروال الأمير” الذي ما كان يوماً مفتاحاً للنصر.

 

عندما تم اختيار القائد والصحابي الجليل “خالد بن الوليد” ليكون قائداً لجيش المسلمين لم يكن اختياره لأنه من حفظة القرآن الكريم وليس لأنه من رواة وحفظة الحديث عن رسول الله بل تم اختياره لحنكته وخبرته العسكرية، ولو كان الأمر عكس ذلك لكان من المفترض أن يقود جيش المسلمين “أبو هريرة” كأكثر من روى الحديث أو الصحابي سعد بن عبيد كأول حافظ للقرآن الكريم.

التاريخ علمنا أن للساحات والمعارك فرسانها وللمنابر فرسانها أيضاً ولا يجب الخلط بينهما. بينما في واقعنا أصبح الشيخ هو قائد المعركة وهو قائد الإغاثة وهو مخطط العمليات وهو من يشغل كل المناصب العسكرية وإذا ما استشهد استلم مهامه ابنه أو أخوه.

الرايات لن تنصرنا، والشعارات البراقة لن تحقق لنا الفتوحات، والخطب الرنانة قد تكون سبباً في رفع المعنويات لكنها ما كانت يوماً بوابة تحقيق الانتصارات. للنصر أسباب وموجبات تبدأ من معرفة خصوصيات مسارح الأعمال القتالية ومعرفة تكتيك استخدام العتاد والسلاح والاستفادة القصوى من خصائصه التكتيكية وتوظيفه الجيد جغرافياً وعسكرياً في أرض المعركة وفي القدرة على استخراج الطاقات الكامنة للمقاتلين وفي رسم الخطط العسكرية الناجعة التي تحقق أفضل وأقصر الطرق للانتصار وتحفظ دماء المسلمين أو تقلل منها. وبنظرة اختصاصية محايدة نجد أن العلوم العسكرية والتكتيكات وفن الحرب لا يتقنه إلا الضباط فهم الأكثر دراية والأكثر معرفة واتقاناً في تطبيق تلك الفنيات في أرض المعركة.

الضباط المنشقون والذين رفضوا البقاء في صفوف القتلة واختاروا الانحياز إلى جانب شعبهم في قضيته المصيرية وثورته المباركة لِمَ يُمنع عليهم قيادة المعارك وتوظيف خبراتهم فيها؟؟

آلاف الضباط وفكرهم العسكري ممنوع عليهم اجتياز الحدود؛ عشرات آلاف العسكريين المنشقين وصف الضباط وأصحاب المعارف والمهارات في استخدام السلاح تم ركلهم ورميهم خارج الحدود فهم إما بعثيون وأسديون بنظر أمراء الحرب أو كفرة ومرتدين بنظر بعض التنظيمات والغاية هي إبعادهم فقط.

 

عندما قاد الجيش الحر والضباط والعسكريون وبعض القادة الثوريين كتائب وفصائل الثورة السورية وصلوا قبل نهاية عام 2012 إلى تحرير ما يقارب 65% من مساحة سورية والآن بعدما تم استبعادهم ونزول أصحاب الشراويل والذقون من منابرهم إلى قيادة الكتائب والفرق والجيوش أصبحنا لا نسيطر على أكثر من ثلث المساحة فقط.

أعطوا الخبز للخباز فالمنابر لرجال الدين، والمبضع والمقص في غرف العمليات للأطباء والبناء والحسابات للمهندسين، وساحات المعارك للضباط والعسكريين.

غرف العمليات وخطط الأعمال القتالية تحتاج لخبرات ضابط الاستطلاع الذي يوظف معارفه وخبراته في تقدير العدو وإمكانياته القتالية، وتحتاج لخبرات ضابط المدفعية لرسم أقواس النيران وأماكن توضع سلاح المدفعية والهاونات ونوع الطلقات المستخدمة ووقت استخدامها إن كان في التمهيد الناري أو الدعم أو المرافقة النارية، وغرف العمليات وساحات المعارك بحاجة لخبرات ضابط المشاة وضابط الدبابات وضابط الهندسة العسكرية وضابط الدفاع الجوي وضابط الكيمياء وضابط الصواريخ وكل الاختصاصات.

لا بد من القول أخيراً أن دماء المقاتلين أمانة في أعناق القادة، وحسن النية لن يكون المنجي عند الوقوف بين يدي الله عز وجل، والرمي بخبرات ومقدرات آلاف الضباط والعسكريين المنشقين خارج الحدود ومنعهم من الدخول لم ولن يكون يوماً إلا من ضمن التآمر على الثورة، وإن من يمنعهم من العودة لمكانهم الطبيعي ما هو إلا شبيح بلباس الثورة.

غرف عمليات النظام تجمع كل خبرات القتلة في العالم واستقدمت كل ما تستطيع لهزيمة الثورة، فما حكم من يمنع على الثورة الاستفادة من خبرات العسكريين المنشقين؟

 

 

 



صدى الشام