on
في البدء كان الحب
تهامة الجندي
لاجئانِ
في بلدٍ باردٍ.
أسّترقُ النظر إلى عينيّكَ
ألمحُ شغفي.
هل كانت الحياة أجمل قبل ولادتي؟ هل ستغدو كذلك بعد وفاتي؟ لا أدري. جئت في زمن الأحلام البيضاء، والطغيان الأسود. عشتُ بين ناريين، لم يضئني اللّهب، لسعني، ولسعني؛ حتى انطفأتْ شعلتي.
أعرف أن التقوقع في رحّم أمي، لم يرق لي، فخرجت إلى الحياة قبل موعدي، وكنت أصغر من راحة اليد، وأضعف من عصفور، زرقاء أتعثّر بأنفاسي، لم أصرخ، فتحتُ عينيّ، وابتسمتُ لانتصاري الأول على الطبيعة. ظنّ أهلي، أني أسحب هوائي الأخير، وأدخلوني إلى الحاضنة الزجاجية، حينها بكيتُ بأعلى صوتي، لا أطيق الأماكن المغلقة ولا القيود، وكنت أزقزقُ من الفرح، كلّما نزعوا عني ملابسي. أحبُ العُريَ، خصلة ورثتها عن أمّنا حواء.
كنتُ طفلة وادعة، ولم أكن بريئة تمامًا، أتأمل، أفكر وأجادل مثل الكبار، وكنت أميل إلى جاري، وتستهويني لعبة العروس والعريس.
لا تقربي التفّاح، قالوا. سألتُ: لماذا، أرضنا تفّاحة، ونحن أولاد التفاح!. لم يجبني أحد، واكتفيتُ بلاء الأمرِ والنهي. تعلّمتُ أن أحيا خارج رغبتي، أكره الحب العذري، وأقع فيه. أصبحتُ أكثر طواعية للاستلاب، وصرتُ أخشى جسدي، وأخاف عليه، بنيت الحاجز بعد الحاجز بيني وبينه، أنهكته واستنزفني في حروب طاحنة، وكلانا لم يعرف الصلّح مع ذاته، ولا هدأة البال.
كانت الحرب في داخلي، وكانت في كل مكان من حولي. كنا شعبًا مقموعًا، يقارع الإمبريالية وإسرائيل، نعيش في مزاد الشعارات والوعود، يؤرق ليلنا كابوس الاعتقال، وتطحن نهارنا كسّرة الخبز.
لا تقربي السياسة، قلتُها لنفسي، وتعلمتُ الصمت. نّصبتُ خيمتي على حدود الهامش، خارج أدوار العائلة والعشيرة والقائد المفدّى، وكانت تروق لي عزلتي، تروق لي نعمة النبذ.
مطالبي صغيرة، يكفيني أن أضعَ صوتي في صناديق الاقتراع، أرشف قهوتي في مقاهي الرصيف، أدخن وأكتب، من دون أن تتبعني عين الرقيب، وكنت أحلم -أيضًا- بالرعاية الصحية، ودار عُجّزٍ نظيف، يؤويني حين أَشيخ.
وأنا أبلغ خريف العمر، بلغت اليقين، أن أيًا من مطالبي العادلة، لن يتحقق في دار الحرب والخوف. ما من خلاص، زمننا نحن -السوريين- معطّل، ومعلّق بين أحكام الطوارئ وأحكام الشريعة، وسيبقى بلا حراك، إن لم تنتصر ثورة الربيع.
من يومها وأنا أشعلُ شمعة الحب.
الوحش أمامي
وفي دمي يتمدد القتلى…
…
هل سمعتكَ تناديني؟
أم كان صوتي.
هل تصغي إليّ؟
أم أنني أحادثُ نفسي.
المصدر