روسيا تحارب الإرهاب بالانتقام من المدنيين


حافظ قرقوط

مع استمرار انتشار القطع البحرية الروسية قبالة الشواطئ السورية في المتوسط، بدأت الطائرات الروسية بتصعيد غاراتها على مدن وبلدات وقرى سورية عديدة، فإضافة إلى الحملة الشرسة على حلب وريفها، فقد طال العدوان الروسي كلًا من محافظتي حمص وإدلب، واستهدف الأحياء المدنية غارات جوية عدة، وبقصف صاروخي من البوارج البحرية.

جاء التصعيد الروسي بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية، عن مشاركة حاملة الطائرات “أميرال كوزنتسوف” في العمليات العسكرية ضد الثوار السوريين، حيث نقلت وكالات أنباء عدة عن وزير الحرب الروسي، سيرغي شويغو، قوله: “هذه هي المرة الأولى منذ تأسيس الأسطول البحري الروسي التي تُشارك فيها حاملة الطائرات في الحرب”، يُشار إلى أن حاملة الطائرات الروسية تحمل مقاتلات حديثة عديدة، منها “ميغ 29، وسوخوي 33″، وبعض طائرات الهيليكوبتر.

يُذكر أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت سقوط طائرة حربية من نوع “ميغ 29” في مياه البحر المتوسط، ونقلت وكالات الأنباء، نقلًا عن بيان صادر من وزارة الحرب الروسية، أن الطائرة سقطت؛ بسبب خلل فني خلال تنفيذها طلعة تدريبية؛ انطلاقًا من حاملة الطائرات، وأن الطيار لم يُصب بأذى، بينما ذكرت مواقع إخبارية سورية أن الطائرة قد سقطت في أثناء عودتها من قصف لبعض المناطق المدنية السورية.

إلى ذلك، أحصى مركز إدلب الإعلامي عشرات الغارات على مدن وقرى إدلب، وقد طالت كل من “سراقب وخان شيخون ومرديخ وكنصفرة والتمانعة وأريحا، وإحسم وقمة النبي أيوب وجبل الأربعين وجوباس وترملا، والغسانية وجسر الشغور والشغر وأطراف إدلب ومعرة النعمان وأطراف كفرنبل وجوزف وخان السبل، والحامدية”، وكل هذا القصف كان يستهدف المدنيين، حيث لا توجد أي فصائل عسكرية داخل المدن والبلدات، ولا توجد أي مظاهر مسلحة كما ادعت القيادة الروسية، فقد أعلن وزير الحرب الروسي شويغو في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن القوات الروسية بدأت حملة عسكرية واسعة النطاق على مواقع لتنظيم الدولة “داعش”، وعلى “جبهة فتح الشام” في كل من محافطتي إدلب وحمص، بينما ذكرت وكالات الأنباء أن الغارات استهدفت الأحياء السكنية، هذا ما أكده (مركز إدلب الإعلامي)، والمرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث أدى القصف إلى وقوع ضحايا مدنيين عديدين، بين قتيل وجريح، أغلبهم نساء وأطفال، مع دمار شديد في لأبنية والممتلكات.

أما في محافظة حمص، فقد تعرض حي الوعر المحاصر إلى قصف شديد، ويُعد هذا تصعيدًا جديدًا بعد الاتفاق الذي أبرم مع لجنة الحي، وذكر مركز حمص الإعلامي، أن القصف استهدف أيضًا ريف حمص الشمالي وطال القصف الرستن وتلبيسة وبلدات أخرى عديدة.

يأتي هذا التصعيد في العدوان الروسي، مع مشاركة قوات النظام بقصف محافظتي إدلب وحمص، متزامنًا مع تصعيد عنيف على الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب، حيث قالت وزارة الحرب الروسية: إنها استأنفت غاراتها على أحياء حلب، بعد توقف دام نحو شهر، ولكن الأنباء التي كانت تأتي من تلك المدينة، كانت تُشير إلى أن القصف الروسي، لم يتوقف خلال الفترة الماضية، بل كان توقفه لا يتعدى التصريحات الإعلامية التي لا تمت للواقع بصلة، فيما أعلن الدفاع المدني في محافظة حلب، أن هذه الحملة العسكرية هي الأعنف منذ أسابيع، فيما خرجت مستشفيات عدة عن الخدمة، بعد أن كانت تقدم خدماتها للسكان؛ بسبب استهدافها المباشر.

وكانت إليزابيت ترودو، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، قد قالت: إن الولايات المتحدة “تدين بشدة استئناف الغارات الجوية من روسيا، وكذلك الهجمات التي تتعرض لها المستشفيات من النظام السوري” وعدّت الخارجية الأميركية أن هذا الأمر “انتهاك للقانون الدولي”، بينما علّقت ترودو على توضيح روسيا عن أنها كانت ملتزمة بالهدنة، بقولها: إن روسيا “تركت المدنيين في أحياء حلب الشرقية يعانون الجوع، وسعت لتنال الثناء من المجتمع الدولي على وقف القصف العشوائي، لمدة 3 أسابيع” وتابعت أيضًا: “كان لدى روسيا فرصة لتسهيل مرور المساعدات والأغذية والدواء إلى المحاصرين، ولكنها تقاعست”.

مع دخول العدوان الروسي على سورية شهره الثاني من السنة الثانية، يبدو أن النتائج التي حصدتها -حتى الآن- جاءت بعكس ما ترغب، بحيث لا يمكن إدراج هذا التصعيد من البحر والجو، سوى في خانة الخيبة الروسية من وعود غربية قد تكون اقتصادية، أو غيرها فيما يتعلق بأوكرانيا، فروسيا لكي تعلن انتصارًا في سورية، يجب أن تكون لها أرض، تستطيع الاحتفاظ بها، وليس من البطولة بمكان استعراض العضلات عن بعد، وإن الاستعراض العسكري في البحر المتوسط، هو برسم الأوروبيين قبل غيرهم.

إن الاستعراض العسكري الروسي على أجساد المدنيين، تحصد نتائجه، في بعض أحياء مدينة حلب، الميليشيات الطائفية الإيرانية وبقية المرتزقة من تلك التنظيمات، في ظل غياب الحضور الفاعل لقوات النظام، وبهذا يُصبح القفز الروسي نحو المنطقة، عبارة عن حركات بهلوانية، لكنها للأسف على دم السوريين، بينما ينظر بعضهم إلى أن روسيا تُحاول استغلال الوقت الضائع في مراكز القرار الأميركي، مع وجود رئيس جديد، يرى آخرون أن الرئيس دونالد ترامب، هو رجل أعمال، وصفقاته التي قد يعقدها مع روسيا، هي ضمن المصلحة الأميركية، التي قد تجعل الروس أكثر حذرًا في التعاطي مع التفاؤل من وجود ترامب في البيت الأبيض، فقد جاء على لسان سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أنه “ليس بودنا أن تتشكل لدى الرأي العام الروسي انطباعات توحي بأننا نعلق آمالًا كبيرة على نتائج الانتخابات الأميركية”، وأضاف: “لا بد من الإشارة إلى تبني ممثلي حملة ترامب، وعدد من الشخصيات المحيطة به، مواقف متشددة جدًا تجاه روسيا، افصحوا عنها”.

يخشى السوريون أن يستمر هذا الانتقام الذي تقوم به القوات الروسية من المدنيين بذريعة محاربة الإرهاب، فهي بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن لا تجد رادعًا دوليًا لها ، وخاصة مع غياب الجدية عن دول العالم المؤثرة في العمل على إنهاء هذه الجرائم التي تُرتكب ضد السوريين، وإن هذه الضربات الجوية والصاروخية من البحر لمناطق إدلب وغيرها مؤشر عن مرحلة جديدة من هذا العدوان الانتقامي؛ بسبب فشلها العسكري الميداني، وسيدفع ثمنه المدنيون في هذه المناطق؛ ليزيد من حجم المأساة الإنسانية، وكله بذريعة محاربة الإرهاب، بينما العالم يُبقي على رأس الإرهاب المنظم بلا أي مُحاسبة، وهو النظام السوري وحلفاؤه.




المصدر