مضامين تصريحات ترامب الخاصة بالوضع السوري


آلاء عوض

انتقد كثير من السياسيين والزعماء العرب الإدارة الأميركية الجديدة التي وصلت للجمهوريين، بزعامة دونالد ترامب في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، وعدّ بعضهم أن تسلُّم هذا الرجل دفة حكم الدولة المركزية سيُفاقم أوجاع الشرق الأوسط عامة، وسيزيد من تعقيد المشهد السوري خاصة، وعلى الرغم من صدور بعض التصريحات المُبشّرة بالخير على لسانه، ومنها تعهّده بإعادة جميع اللاجئين السوريين الذين تقبلهم بلاده إلى سورية، إلا أن صدور تصريحات جديدة، على الطرف النقيض، يثير الشكوك ويجعلنا نتساءل عمّا إذا تراجع الرئيس الأميركي عن كلامه الأول، حيث قالت صحيفة (الغارديان) البريطانية: “إن ترامب أكدّ مجددًا أن تحالفًا مع روسيا وسورية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو السياسة التي يُفضّلها؛ للتعامل مع الأزمة السورية، ونقلت الصحيفة عن ترامب قوله: “إنه لا يُحب الأسد مطلقًا، لكن تعزيز نظامه هو الطريق الأفضل؛ للقضاء على التطرّف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية، والذي يهدد أميركا”، كما نقلت -أيضًا- تأكيد ترامب تحسين العلاقات مع روسيا، وهنا يدور التساؤل كيف سيعيد ترامب اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في الوقت الذي أكدّ فيه الإبقاء، ولو موقتًا- على نظام الحكم الحالي.

في سياق متصل، عدّ المحلّل السياسي والعسكري، محمود إبراهيم، أن كثرة التشاؤم من الإدارة الأميركية الجديدة ليست في مكانها، وقال لـ (جيرون): “يأتي كلام ترامب ضمن سياسة واحدة وثابتة، وهي سياسة انتخابية تبدّت في مواقف المُرشّحَيْن كليهما، سواءً أكان هو أم نظيرته كلينتون، ومفادها عدم الوضوح من القضية السورية، والاشتباكات الحاصلة على الأرض السورية، فهناك فرقاء عديدون على الأرض في سورية، سواءً من الجانب المؤيد للنظام أم المعارض، وهم مختلفو المصالح، ولكنهم جميعًا يلتقون عند محاربة تنظيم الدولة (داعش)؛ لهذا وجد المُرشّحان أن التركيز على قتال التنظيم، من دون الوضوح بشأن إقالة الرئيس بشار الأسد، هو الأسلم في المرحلة الراهنة، كما يندرج التركيز الأميركي على محاربة الإرهاب في إطار إيجاد حل بديل وواقعي للأزمات الداخلية التي يعيشها، ولإزاحة نظر عموم الشعب الأميركي عن الصعوبات التي يعانيها الاقتصاد الأميركي، وسياسات الأمن الداخلية الأميركية”.

يعتقد إبراهيم أن وصول ترامب للسلطة، ربما يصبّ في مصلحة السوريين أكثر ممّا لو وصلت كلينتون، “فالأخيرة كانت تسعى إلى إدارة ملف الإرهاب، دون التورّط في الملف السوري، بينما تعهّد الأول بإزالة الإرهاب ومحاربته، وهذا مؤدّاه أن ترامب سيتدخّل في سورية، ومن الممكن أن يتعامل مع النظام السوري عن طريق إعادة تدوير بعض الشخصيات الموالية؛ من أجل إنتاج قوة جديدة تحارب الإرهاب، بحسب المفهوم الأميركي، وبحسب السياسات الدولية، سواء الإسرائيلية في الشرق الأوسط أم الأميركية، بوصف أميركا دولة لها مكانتها، وقادرة على إدارة ملفات شرق أوسطية، ابتعدت عنها في عهد باراك أوباما”.

رأي آخر يفيد أن ترامب صرّح -أكثر من مرة وبطرق مختلفة- برغبته في استكمال نهج الرئيس السابق، باراك أوباما، في الابتعاد عن التدخل العسكري، مشيًرا إلى أنه ليس دائمًا الخيار الصائب، إلا أنه وارد الحدوث في حال اشتدّت الموجات الإرهابية التي تهدد الأمن والسلام العالميَّيْن.

بينما يعدّ إبراهيم أن هذا الرأي غير دقيق؛ مشيًرا إلى أن “ترامب سيكون له خط ناري في سورية، بعيدًا كل البعد عن نهج أوباما، وبحسب إعلانه وسياساته، والمقروء من تاريخه في النشاط الاقتصادي الأميركي؛ فإنه سيُضطّر لسحب أميركا؛ لتمد يديها جديًا في النار السورية، ولكن لا يمكننا أن ننكر أنه مُحاط بمجموعة من السياسيين والاستشاريين وصنّاع القرار الأميركيين الذين لن يسمحوا له بالتمادي كثيرًا، لذلك؛ من المُحتمل أن تكون هذه التدخلات محدودة”.

في السياق ذاته، هناك من يرى أن سياسة ترامب قد تتحول تحولًا إيجابيًا تجاه سورية؛ انطلاقًا من تصريحاته تجاه تركيا وأردوغان؛ ما يدفعه لتبني رؤية تركيا للحل في سورية، وبحسب ما نُقل عن السفير الأميركي السابق، جيمس جيفري، فإن “الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يمتلك القدرة الكافية على إقناع الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، لتغيير استراتيجية واشنطن المُتّبعة في مكافحة تنظيم (داعش)”.

من جهة ثانية، أثارت تصريحات ترامب الأخيرة -بخصوص ترحيل اللاجئين- مخاوف السوريين الذين رأوا أن هذا القرار لن يقتصر على ترحيلهم من الولايات الأميركية، المحدودِ وجودهم فيها فحسب، بل سيكون له تأثير ممتدّ على باقي الدول الأوروبية. في هذا المعنى، قال إبراهيم: “ترامب رجل متطرّف، يدخل في خضم السياسات المتطرفة التي بدأت تظهر بوضوح، سواءً في الاتحاد الأوروبي أم الولايات المتحدة، أو بعض دول الشرق الأوسطـ، ومن هذا المنطلق؛ فإن  سياساته الجديدة لن تكون خطرة على اللاجئين السوريين، بقدر ما ستكون خطرة على العالم بأكمله، أما من ناحية موضوع اللجوء السوري، فلن يتبدل شيء؛ فالسياسات الأميركية لم تكن يومًا مؤيدة ومُناصرة لحقوق اللاجئين، أو تعزّز وجودهم في الدول الغربية، وخصوصًا الولايات المتحدة، لذلك؛ لن يختلف على السوريين شيء في هذا المنحى؛ فالسياسات الأميركية الماضية كانت سيئة مع السوريين والمقبلة ستكون كذلك”.

المثير للجدل، واللافت في التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي الجديد هو قوله بإيقاف تسليح المعارضة السورية المعتدلة؛ حيث نقلت صحيفة (الغارديان): “إن ترامب عبّر عن عزمه إنهاء الدعم للمعارضة السورية المسلحّة، على الرغم من طلبها منه المساعدة”.

حول هذا التصريح، قال إبراهيم: “لم يكن هناك أي دعم حقيقي للسوريين من الجانب الأميركي، فأميركا دعمت الميليشيات على الأرض السورية، ولم تدعم الجيش السوري الحر، دعمت تشكيلات تتبع أجندات خاصة بها، على رأسها ميليشيا (حزب الاتحاد الديمقراطي)، وهذه الأجندات لم تكن لصالح الشعب السوري”.

وأوضح أنه لن تأتي سياسة أميركية أشدّ سوءًا من سياسة أوباما، التي تميزت بالابتعاد عن قضايا الشرق الأوسط، والنأي بالنفس، وأردف بقوله: “لا يمكن لدولة قوية تتزعّم العالم أن تنأى بنفسها عن الصراع السوري، وصعود ترامب قد يحمل أوجه جديدة ومختلفة عن الطريقة التي أدارت بها الولايات المتحدة الأميركية الصراع داخل سورية، وقد تنتقل أميركا في عهده من حالة إدارة الصراع إلى الاشتراك فيه، ورسم مساراته، وهي سياسة مُرتقبة بعد دخوله المُرتقب إلى البيت الأبيض”.




المصدر