قبض الزَبَد: الجيّد من وسائل الإعلام السورية البديلة سيستمر ويُحدث أثرًا


آلاء عوض

أصدر معهد (WEEDOO) المُتخصّص في المجال الإعلامي دراسة تحليلية، تحاول قياس مدى فاعلية الوسائل الإعلامية السورية، حديثة العهد، التي واكبت الثورة السورية، وكانت على تماس مباشر مع أحداثها، منطلقةً من أسس تنامي المنابر الإعلامية السورية الثورية، المكتوبة والمسموعة، وتعدّد توجهاتها، مستفيدةً من استخلاص مدير معهد الشرق الأوسط للدارسات، مارك لانش، القائل: “إن الحرب السورية هي الحدث الذي حاز أكبر عدد من التعليق الإعلامي، على الإطلاق عبر التاريخ”.

أوردت الدراسة مقتطفات من تقرير صادر عن الوكالة الفرنسية للإعلام، في أيلول/ سبتمبر عام 2015، يؤكد أن “وسائل إعلام المعارضة السورية لم تبدِ أي ميل جدّي لانتهاج سياسات تحرير مهنية، بل عكفت على النقيض من المتوقّع منها، وأعادت إنتاج نمط الإعلام الحكومي من وجهة نظر مضادة، مرسّخة منطلق: من ليس معنا فهو ضدنا”.

كما صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود”، في تقريرها السنوي، سورية في المرتبة 177، بين ما مجموعه 180 دولة؛ من حيث حرية الصحافة، وهو ما يشير إلى فداحة الصعوبات، وخطورة الواقع على الأرض.

حاولت الدراسة تسليط الضوء على الأسباب الرئيسة التي تحول دون عمل هذه المنابر الإعلامية بطريقة أكثر احترافية، وكانت الأسباب -في مجملها- أن وسائل الإعلام التي نشأت في عهد الثورة لا تتمكن من النشاط العلني في عديد المناطق من الأراضي السورية، ومنها: مناطق سيطرة النظام، الميليشيات القومية الكردية، والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وهناك قيود في مناطق أخرى ومحافظات أخرى، منها ريفا حماة واللاذقية، وحلب وريفها، إضافة إلى القصف المستمر، والاستهداف الممنهج لمواقع ومراكز المؤسسات الإعلامية، حيث تتمتع أقل من 10 جهات بحرية العمل، ولديها مقارّ رئيسة، بينما تعمل الأخرى، والتي بلغ عددها 400، في مراكز موقتة، وبصورة مبعثرة.

17 موقعًا منافسًا بين 405

رصدت الدراسة أعداد المواقع الإخبارية الالكترونية السورية التي نشأت بعد الثورة، إضافة إلى القديمة منها، والبالغ عددها -إجمالًا- 405 موقعًا، وكانت النتيجة أن 17 منها -فقط- ينافس المواقع المفهرسة على (News Google) الذي يُعدّ من أهم المصادر للروابط الإخبارية، وتتقدّم إليه وكالات الأنباء العالمية، والمواقع الأكثر رصانة ودقة.

كانت المواقع “الناجية” التي ظهرت في صدارة (News Google) -في معظمها- ليست من الطيف الجديد، بل مواقع مؤسسات إعلام رسمية، كالوكالة السورية للأنباء (سانا)، وموقع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وموقع جريدة الوطن الخاصة.

كشفت الدراسة -أيضًا-عن وجود سببين أساسيين يشاركان في إضعاف المواقع السورية الحديثة: الأول، عدم توافق هذه المواقع مع الشروط التي تضعها محركات البحث، فهذه المحركات تستطيع ملاحظة الكمية الكبيرة من الأخطاء التقنية في عمل المواقع السورية، ما يحرمها من فرص الظهور في عمليات البحث بالكلمات المفتاحية، إضافة إلى عدم احترام قواعد النشر الخاصة بمحركات البحث، وغياب الإدارة الفاعلة للكلمات المفتاحية، بما يضمن توافقها مع محركات البحث.

أما السبب الثاني، فكان اتباع طرق ملتوية للترويج، وهي عوامل هدّامة، حيث يعمد عدد متزايد من المواقع السورية إلى اللجوء للترويج المدفوع، وهو الترويج الوهمي وغير القانوني والمهني، فهناك تقنيات عالية في محركات البحث تكشف وتفرّق بين الزيارات الحقيقية والزيارات الوهمية الناجمة عن الترويج المموّل.

خلل واضح في عمل الإذاعات

أكدت دراسة لمنظمة الوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي (CFI) أن “ممولي الإعلام الجديد اتجهوا لدعم محطات الراديو في سورية، بصفتها الأقدر على تلبية حاجات الخدمة العامة في المناطق المشتعلة، مع انقطاع، أو تقطّع، جميع وسائل الاتصال”.

بناءً عليه؛ نشأت -في عقِب الثورة- 42 إذاعة جديدة، وكانت تبثّ إما على موجة الـ (FM)، أو على الإنترنت فحسب، ودعم ممولو المبادرات المستقلة من رجال أعمال وحكومات وجهات أخرى غير حكومية إطلاق إذاعات بديلة؛ للرفد بالمعلومة الضرورية في وضع الطوارئ.

اجتمعت هذه الإذاعات -إجمالًا- على محدودية الجودة، وضعف نسب الاستماع، وضيق مساحات التغطية بما لا يتجاوز منطقة، أو مدينة أو مدينتين في معظم الحالات.

أوردت الدراسة الصعوبات والعقبات التي تواجه سير عمل هذه الإذاعات، وكانت كالآتي:

  1. عمليات القصف الممنهج الذي تتعرض له مراكز البث تعرضًا دائمًا.
  2. المحلية؛ فأغلبها لا تستطيع البث في نطاق واسع، وتكون محدودة بمنطقة أو محافظة واحدة.
  3. محدودية نطاق مشارف البث التي يمكن نصب الأبراج فيها، حيث تُحتّم ضرورات الحرب مصادرة الجهات العسكرية القمم العالية، حارمةً الإذاعات من إمكانية بث أكثر تمكّنًا.
  4. عدم الشفافية؛ ففي بعض الأحيان تُعلن الإذاعات عن تردّداتها في محافظات معينةـ، في حين لا يكون لها أي تردد فعلي أو بث حقيقي.

أما بالنسبة للبث على الأنترنت؛ فأثبتت الدراسة أنه غير مجدٍ، ولم يصل إلى المستوى المطلوب، ويوجد تقطّع كبير فيه، وعدد مستمعيه قليل.

كما تنشر 23 إذاعة سورية محتواها على موقع ((SoundCloud، ولكنها -أيضا- لا تفي بالغرض؛ بسبب غياب الاستراتيجية لدى المسؤولين عن إدارة حساباتها، وغياب الخطط الترويجية الواضحة، وهو ما يمكن وصفه بنقص إلمام العاملين على نشر هذه المواد بقواعد الترويج الإلكتروني؛ ما يتمثّل -في بعض الأحيان- بعدم استخدام كلمات مفتاحية للكلمات المنشورة، وهذا من أبسط مبادئ ترويج مادة على الانترنت.

لذلك؛ فإن الإذاعات التابعة للفصائل العسكرية، سواء تلك التابعة للنظام السوري، أو لحلفائه، أو تلك التابعة لفصائل المعارضة، أو للميليشيات الكردية، تحظى بنسب متابعة أعلى، وتكون فاعليتها أقوى؛ بسبب عدم مواجهتها الصعاب الآنفة الذكر، وتمتعها بأوضاع عمل جيدة، من حيث القدرة على البث في رقع جغرافية أوسع، واستحواذها على معدّات عالية.

خلُص التقرير إلى أنه، وعلى الرغم من صعوبة المشهد، وعدم وضوح مآلاته، وتوقف نحو 200، من أصل 600 وسيلة إعلامية سورية خلال عامين، إلا أن هناك ما يبشر خيرًا، ولا سيما أن هنالك قلّة من المنابر الإعلامية التي أثبتت حرفتيها وصدقيتها، فكانت متابعاتها مثالية، واعتُمدت مصدرًا للمعلومة، واختتم تقرير (قبض الزبد) بالآية القرآنية الكريمة: “فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.




المصدر