جيفري كمب يكتب: الزلزال الأميركي


جيفري كمب

فجّر الانتصار الانتخابي الحاسم والمفاجئ لدونالد ترامب، يوم 8 نوفمبر الجاري، «تسونامي سياسياً» في العالم أجمع، ووضع نهاية للسياسة الأميركية الوطنية بطريقة لم نشهد لها مثيلاً منذ أكثر من قرن. وخلال الأسابيع المقبلة، سوف تكون الهزات الارتدادية لنتائج الانتخابات أكثر وضوحاً عندما يقوم ترامب بتعيين أعضاء إدارته الجديدة التي ستشرع في عملها رسمياً يوم 20 يناير 2017.

وكانت أهم التعيينات التي أعلن عنها ترامب حتى الآن هي تكليف «راينس برايبوس» بمنصب رئيس فريق البيت الأبيض، و«ستيف بانون» رئيساً للسياسات الاستراتيجية وكبير مستشاري الرئيس. ولا يمكن لهذين الرجلين أن يختلفا عن بعضهما في أي شيء، لا من حيث الخلفيات ولا من حيث المواقف السياسية. و«برايبوس» محامٍ عن الشركات في ولاية وسكونسن، وهو يشغل منصب رئيس اللجنة الجمهورية الوطنية منذ عام 2011، وتُعرف عنه علاقته الوثيقة برئيس مجلس النواب «بول ريان». كما أن «برايبوس» حزبي متعصب وأحد أعمدة المؤسسة الحزبية الجمهورية. ويبدو بوضوح أن ترامب أدرك أنه لن يتمكن من الحكم ما لم يعتمد على أشخاص أكفاء يعرفون كيف يتعاملون مع الكونجرس. أما «بانون» من جهته، فأقل ما يمكن أن يقال عنه إنه سياسي متطرف، وقد كان خبيراً مالياً في بورصة وول ستريت. وقبل انضمامه إلى حملة ترامب كان يدير مؤسسة «برايبارت نيوز» الإخبارية ذات التوجهات اليمينية المتطرفة والتي ترفع شعار «القومية البيضاء»، وقد كشفت عن أيديولوجيتها العنصرية جهاراً أثناء حملة ترامب الانتخابية.

ويمكن للطريقة التي سيتفاعل بها ذانك الرجلان مع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أن تحدد الخطوط العريضة لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة التي بدأت بالفعل بإظهار مؤشرات التمسك بمجموعة أطروحات سمعنا عنها الكثير أثناء الحملة الانتخابية. وعلى سبيل المثال، كان أحد أهم عناصر حملة ترامب الانتخابية الإسراع بإلغاء واستبدال قانون توفير الرعاية الصحية «أوباماكير»، الذي أفرط ترامب في انتقاده. ومن المعروف أن عدداً كبيراً من المواطنين الأميركيين استفادوا من هذا القانون، وخاصة منهم أولئك الذين يعانون ظروفاً صحية حرجة، ولم تكن تغطية نفقات علاجهم ممكنة من طرف معظم شركات التأمين قبل تطبيق القانون. وجاء أوباما ليعلن أن ممارسات شركات التأمين غير قانونية. ونتيجة لجهوده تلك أصبح هذا الإنجاز يحظى بشعبية واسعة وحساسية سياسية بالغة، للدرجة التي يبدو أنها دفعت ترامب إلى الإبقاء على هذا العنصر في أي برنامج معدل للرعاية الصحية يمكن أن يعمل عليه في المستقبل القريب.
وهناك قضية أخرى مثيرة للجدل والقلق تتعلق بالدور المقبل لأبناء ترامب الثلاثة البالغين، وهم: «دونالد الابن» و«إريك»، وابنته «إيفانكا» التي كانت أقرب المستشارين إليه خلال الحملة الانتخابية. وقد أعلن ترامب عزمه تسليم أبنائه مسؤوليات رعاية مصالحه وشركاته العالمية كافة، إلا أن هناك أحاديث متداولة حول عزمه منحهم حصانة أمنية ومواصلة الاستفادة منهم كمستشارين للرئيس. ولو حدث هذا، فسوف يؤدي إلى تضارب كبير في المصالح بين دور ترامب كرئيس للولايات المتحدة ودوره كرئيس لإمبراطورية مالية عالمية كبرى. ولا يعلم الرأي العام الأميركي أي شيء عن التفاصيل المتعلقة بهذا التشابك في المصالح.

والأخطر من كل ذلك هو أن ترامب رفض تقديم كشف بمداخيله الخاضعة للضرائب ليثير بذلك شكوكاً كبيرة فيما يتعلق بالحجم الحقيقي لثروته وحجم الديون المترتبة عليه لمصلحة الكيانات المالية والعقارية الدولية وخاصة منها البنوك الأجنبية. وهذا الافتقار الكبير إلى الشفافية سوف يسبب له مشاكل سياسية كبيرة خلال الأشهر المقبلة. ولا شك أنه سيعاني أيضاً الصداع إذا لم يتمكن من تقدير المدى الحقيقي لضخامة العمل في الوظيفة التي تنتظره، خاصة بسبب افتقاره إلى الاستعداد الكافي لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة.

ولعل ما يثير السخرية أن الرجل الأكثر فهماً لخطورة ترامب، والذي دعا الأميركيين من خلال تصريحاته إلى الصبر أثناء ولاية الرئيس الجديد ترامب، هو باراك أوباما ذاته. وقد قام أوباما بزيارة رسمية إلى أوروبا وسيقوم بأخرى إلى أميركا اللاتينية قريباً، ربما تكون الأخيرة، على أمل إقناع حلفاء الولايات المتحدة الغاضبين بأن ترامب هو «رجل عمل وليس رجل فكر»، وبأنه لن يُقدم على اتخاذ إجراءات غير مسؤولة، مثل الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أو من معاهدة باريس حول المناخ.

وخلال الأيام المقبلة، سوف يعتمد الحكم على صحة أو خطأ تطمينات أوباما على طبائع وتوجهات الأشخاص الذين سيختارهم ترامب لإدارة حكومته. وإذا كان أوباما على خطأ، وأصبحت إدارة ترامب محكومة بنفس الأطروحات المتطرفة التي ميّزت حملته الانتخابية، فعلينا أن نتوقع عندئذ الكثير من المشاكل والمتاعب التي ستواجه أميركا والعالم أجمع.

المصدر: الاتحاد

جيفري كمب يكتب: الزلزال الأميركي على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا