زواج المُحلّل في دمشق


عمر ديب زرزور

برز حضور مجموعة من النخب السياسية المتصدرة للساحة السياسية السورية، والتي تشكلت خلال الفترة السابقة من الثورة، متمثلة في معارضة الداخل والخارج، بفرض حضورها الإعلامي المكثف على شاشات الفضائيات، بوصفها متحدثة شرعية ووحيدة  بلسان طيف الشعب السوري، معظمها كانت له محاولات في استغلال الثورة لمصالح شخصية جدًا، بالعمل على حصد رضا سفارات الدول المهتمة بالشأن السوري، كل بحسب لونه وصلاته، وما يتقارب إليه من هذه الدول، وبدل أن تتوجه هذه النخب السياسية إلى الجماهير؛ لقيادة ثورتها الصعبة، والوصول إلى أهدافها في الحرية وبناء دولة العدل والقانون، عمل جميعها على المناكفات الميكيافيلية.

تأطّرت معارضة الداخل، ومنحت نفسها شرعية وحيدة، وأحقية في تمثيل المعارضة الوطنية، وعدّت من هم خارج سورية مجرد معارضة خارجية غير شرعية، علمًا بأن قسمًا منهم خرج من سجون النظام، وفر إلى الخارج كذلك، وكثيرون ممن أعطوا أنفسهم هذه الشرعية، لم يكن لهم وزن في مقارعة النظام قبل الثورة، بل أن بعضهم كان في السر على موائد مخابرات النظام، وفي دائرته الخاصة، وبعض من في الخارج، كان يبحث في طرق التصالح مع النظام؛ للعودة إلى حضن الوطن.

قسم لا بأس به منهم له تاريخ في المناورات السياسية، يرفعون شعارات الوطنية والحرية والقومية، ويُعرّفون أنفسهم بأنهم معارضة تاريخية، ذات دور مميز عن سواهم؛ لأن بعضهم، وبأشخاصهم، كانوا قد قدّموا الشرعية الجماهيرية لحافظ الأسد، عندما انقلب على رفاقه، حين شاركوا في الجبهة الوطنية التقدمية، ثم انسحبوا منها بضغط من قواعدهم التي اكتشفت حقيقة النظام وتغوله على الدولة والمجتمع، وحينها برر بعضهم أن تلك التجربة مع نظام الأسد كانت “غلطة شاطر”.

بعدها بدأ النظام يضيق على كوادر هذه الأحزاب المنسحبة من الجبهة، بالسجن وتضييق سبل الحياة؛ ما دفع كثير منهم إلى الهجرة خارج البلاد، إلى أن أصبحت هذه الأحزاب في أضعف حالاتها، متروكة لتعيش ترف ديكور مُعارض في الداخل.

بعد قيام الثورة شكلت هذه النخب الأخيرة “هيئة التنسيق الوطنية في الداخل”، وتشكل المجلس الوطني خارجًا، وظهر أمام العالم أن المعارضة تنقسم على نفسها، بين داخل وخارج، بتنازع شكلي على أحقية تمثيل الشعب السوري.

بقي نظام الأسد سلطة واحدة ذات شرعية دولية، مستمرًا في جرائمه، ومسؤولًا أساسيًا عن التدمير والقتل والتهجير الممنهج، وحين بدت علامات التهالك، عسكريًا وشعبيًا، على النظام دخلت إيران بأذرعها العسكرية في احتلال أجزاء من سورية، وأخيرًا تدخل الروس بطائراتهم ومستشاريهم، وأصبحت سورية محتلة، يكسب النظام مناطق واسعة ميدانيًا، مع هذا الثقل في الدعم العسكري، وهكذا تحول عمل القوى الثورية المسلحة من مواجهة النظام الدكتاتوري وحده، إلى محاربة الاحتلال الإيراني الجاثم على أرض سورية، وصار الشعب السوري بين شهيد وأسير وجريح ومُهاجر في أنحاء العالم، أما في دمشق، فيتربع الأسد ممثلًا عن السلطة؛ ليبرر الاحتلال، ويضفي عليه شرعية بوجوده الدبلوماسي.

لم تكتف هذه النخب السياسية بتبني خطاب مُخجل، يحدد الصراع القائم بين نظام ومعارضة، وليس بين شعب ثائر ومحتلين، على الرغم من كل النداءات الشعبية، الموجهة إلى تلك النخب، لتُعلن سورية محتلة، وتُشكّل جبهة سياسية مُوحّدة، تقود الفصائل المقاتلة وتوحدها نحو هدف التحرير، بل يفاجأ الناس بمن يخرج عليهم -أخيرُا- ويدعوا إلى عقد مؤتمر للمعارضة في دمشق، يفاوض النظام بمشاركة معارضة الداخل (هيئة التنسيق الوطنية)، ودعوة معارضة الخارج إلى حضور المؤتمر بضمانات دولية، أي: بضمان دولتي الاحتلال: روسيا وإيران، في تحليل تاريخي للاحتلال ووجوده، متجاهلين أن كل من يدعوا أو يشارك في مؤتمر كهذا، لا يمثل إلا دور الزوج المُحلّل، الذي سيذكره التاريخ جيدًا، وستذكره دماء الشهداء التي دافعت عن كل شبر ومنزل وقطعة أرض سُلبت من هذا الشعب اليتيم.




المصدر