عبد القادر الصالح الثائر الذي نال احترام السوريين


حافظ قرقوط

لم يكمل الثالثة والثلاثين من عمره، ولم يمهله القدر ليرى لحظة انتصار الثورة التي انتمى إليها منتفضًا مع أبناء وطنه على الاستبداد والظلم، فنال الشهادة مبكرًا، ونال معها احترام السوريين.

عبد القادر الصالح أو “حجي مارع”، كما لقبه رفاقه، كونه ابن مدينة مارع في محافظة حلب، من مواليد 1979، وقد تميز بالتواضع والود في تعامله مع الجميع، وعلى الرغم من أنه لم يكمل تعليمه، إلا أنه كان متحدثًا جيدًا، ويمتلك رؤية الثائر الذي انتمى إلى وطنه بقوة، كإحدى الشخصيات الوطنية السورية.

انتسب في بداية شبابه إلى حركة الدعوة، وأصبح داعيًا إسلاميًا؛ فتنقل بين الأردن وتركيا وبنغلادش، ثم عاد إلى مارع، وتفرغ للعمل التجاري الخاص، ومن تاجر حبوب ومواد غذائية، قبل انطلاقة الثورة، إلى قائد للواء التوحيد بعد أن دفع النظام الناس إلى التسلح؛ للدفاع عن نفسها.

مرت مسيرة حياة الصالح، بوصفه شابًا سوريًا ثائرًا، بعدة مستويات، وتطورت مع تطور مراحل الثورة، فمع انطلاق المظاهرات الأولى المطالبة بالحرية، كان عبد القادر الصالح وهو (أب لخمسة أطفال) أحد الشباب المنظم لها، وخلال تلك المرحلة من العمل السري، أُطلق عليه لقب “حجي مارع”؛ كي لا يُعمم اسمه، وذلك لضرورات أمنية، ولحمايته من الاعتقال، وبقي ذلك اللقب يرافقه حتى بعد أن عُرف اسمه بين الناس.

عندما انتقلت الثورة إلى القتال المسلّح، بدأ ينظم مع شباب مارع بعض العمليات العسكرية السريّة، والكمائن لقوات النظام في مدينته، ثم أصبح قائد أول كتيبة تشكلت فيها، وابتدأ -بعد ذلك- يقود المعارك مباشرة ضد قوات النظام.

بعد تطور القتال ضد جيش النظام، وقوى أمنه والميليشيات التي سلّحها، ازداد انتشار وعدد كتائب الثوار المسلحة ازديادًا واسعًا في ريف حلب الشمالي، فابتدأ العمل على توحيد تلك الكتائب باسم “لواء التوحيد”، في تموز/ يوليو 2012، بقيادة عبد العزيز سلامة، وبرز في ذلك الوقت اسم عبد القادر الصالح، بوصفه قائدًا للعمليات في هذا اللواء.

استطاع الصالح -من خلال شخصيته الهادئة والمتواضعة- أن يجعل الشباب المقاتل يلتف حوله، فلم يميّز نفسه قائدًا عسكريًا عنهم، بل كان يشاركهم في كل التفاصيل اليومية، وهذا ما جعله يكسب ثقة واسعة في محيطه؛ ليقود العمليات العسكرية ضد النظام بنجاح، وقد قال عن نفسه في إحدى المقابلات الإعلامية: إنه لم يكن يعرف كيف تُستعمل البندقية، وأضاف “أنا رجل بسيط، وليس تواضعًا مني، بل هي الحقيقة، كل ما في الأمر أنني رأيت ظلم النظام يشمل الجميع، فوقفت مع الثائرين ضده”.

خاض الصالح معارك عديدة في الريف الشمالي لحلب، وساهم في تحرير مدن إعزاز والراعي وجرابلس وغيرها، كما ساهم في معارك الريف الجنوبي، كمعركة السفيرة، وكذلك الريف الغربي، ويُعدّ -من خلال لواء التوحيد- أبرز المُشاركين في معركة الفرقان، وبقية المعارك التي أعلنها الجيش الحر في مدينة حلب، وساهم في تحرير أحياء عدة من المدينة، والسيطرة على بعض القطع العسكرية والمقرات الأمنية للنظام، داخل المدينة وبجوارها، ومنها مدرسة المشاة.

لم يقتصر قتال عبد القادر الصالح على مدينته حلب، بل انتقل إلى الريف الحموي، وساهم في عمليات معركة “قادمون يا حماة”، كما شارك مع رفاقه بفك الحصار عن مدينة القصير الحمصية قبل أن يُضطر الثوار والأهالي إلى إخلائها.

ظهر الصالح شخصيةً وطنية سورية، تعمل للصالح العام، وأكد أنه بعد انتصار الثورة سيلقي السلاح، ويعود لممارسة عمله الطبيعي في التجارة، كما أعلن أنه لا يطمح للعمل السياسي مستقبلًا. بقي حديثه في الشأن الوطني سوريًا، ولم يتحدث -خلال مسيرته النضالية- بأي كلام طائفي أو مناطقي.

نجا الصالح من محاولتي اغتيال؛ فقد استُهدف في أثناء مقابلة تلفزيونية مع إحدى المحطات التلفزيونية، ولم يُصب بأذى، بينما استُهدف مرّة أخرى برصاص مجهول أمام مكتبه؛ فأصيب في كتفه؛ ما أدى إلى كسره، حيث خضع لعلاج استمر لفترة.

تعرض عبد القادر الصالح، وبعض قادة لواء التوحيد، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، لغارة جوية من طيران النظام، وذلك في أثناء اجتماع لهم بمدرسة المشاة العسكرية في حلب، أدت إلى استشهاد عدد من القادة العسكريين، وإصابة آخرين، منهم الصالح حيث أصيب بجروح خطرة، ونُقل إلى أحد مستشفيات مدينة غازي عينتاب التركية، ليُعلن نبأ استشهاده في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وقد نعاه الجيش السوري الحر، وعديد من الهيئات والقوى السورية، ونُقل رفاته إلى مدينته مارع؛ ليُدفن فيها، حيث قال رفاقه: إنه حفر قبره بنفسه، وأوصى بأن يُدفن فيه.




المصدر