لماذا صوتت 42 بالمئة من نساء أميركا ضد هيلاري كلينتون


توفيق الحلاق

غريب!! كيف خذلت 42 بالمئة من النساء الأميركيات امرأة ناضلت لثلاثين سنة من أجلهن؟ وكيف تجاهلن، بل وقبلنَ وصوتنَ لشخص اعترف بتسجيل صوتي -عام -2005 ذكر فيه عبارات تمسّ عقل المرأة وكرامتها، حين قال لمحدثه المذيع بيلي بوش: تعرف أنني أنجذب تلقائيًا للنساء، وأبدأ بتقبيلهن وكأنهن مغناطيس، أقبّل فقط دون أن أنتظر. وعندما تكون نجمًا يسمحون لك بفعل ذلك، يمكنك فعل أي شيء. وهل كلمة غريب تكفي للتعبير عن حال الدهشة والفزع التي بدت على وجوه ملايين الأميركيات والأميركيين ذلك المساء الفارق في تاريخ الولايات المتحدة، الثلاثاء الثامن من أيلول/ سبتمبر 2016، بعد إعلان النتائج؟

بعض هؤلاء حذّروا هيلاري من قبل: لن تصبحي رئيسة؛ لأنك امرأة، لكن هيلاري رودهام كلينتون ليست تلك المرأة التي تتراجع عن قرار اتخذته مهما كلفها من ثمن، بما في ذلك مواجهة “الجرافة” دونالد ترامب، كما تصفه الصحافة الأميركية. هي كانت متأكدة من تصويت معظم النساء الأميركيات لها، هي تعرفهن عن كثب، وهي واحدة من ملايين الأميركيات اللاتي عانين من شظف العيش والتمييز بين الجنسين، وكرست حياتها للدفاع عن حقوقهن بعدما حصلت من كلية “ييل” في ولاية ميشيغان على شهادة دكتوراه في القانون عام 1973.

حين شاهدت هيلاري على الشاشة مؤيدات ومؤيدي ترامب شعرت بالتقزز، وقالت بصراحة: هؤلاء بائسون، وهو تعبير قاس في القاموس الغربي، ويعني التحقير والجهل والتفاهة. ولعلها توقعت أنهم لا يُمثّلون 20 بالمئة من الناخبين، وفي أسوأ الأحوال لن تصل النسبة إلى 40 بالمئة، ولن يكون بينهم أكثر من 10 بالمئة من النساء.

الزائر للولايات المتحدة ستطالعه النساء في كل مكان يذهب إليه، وكذلك المقيم الجديد، سيجدها تحتل النسبة الأكبر من الموظفين في الدوائر الحكومية، وفي المراكز الصحية، إضافة إلى الشوارع والأسواق. عمومًا هي تشكل 46.5 بالمئة من عدد العاملين في البلد. وهناك منظر مُلفت يمكن رؤيته كل يوم لأم علّقت على كتفيها حمالةً تتدلى نحو بطنها أو ظهرها، تُجلس فيها طفلها الوليد، فيما تُجلس طفلها الأكبر في سلة التسوق، وهي تعدو بهما بين ممرات السوق؛ لتأخذ حاجاتها بسرعة، ثم تمضي إلى سيارتها؛ فتقودها إلى البيت؛ لتطبخ وتُطعم زوجها وأطفالها، ثم لتُشرف على تدريسهم؛ حتى تصل إلى الإنهاك، قبل أن تنام لتصحو باكرًا؛ فتُلبِسهم وتُطعِمهم، وتنتظر معهم حافلة المدرسة؛ لتهرع بعد ذلك إلى عملها، ولتستمر فيه حوالي 10 ساعات.

السيدة كلينتون الصغيرة كانت واحدة منهن، منذ عام 1975، حين دخلت القفص الذهبي مع بيل كلينتون؛ لتضع عام 1980 مولودتها الوحيدة تشيسلي. في عام زواجها نفسه كانت قد غادرت الحزب الجمهوري الذي بدأت منه نشاطها السياسي، عام 1964، وانضمت إلى حملة المرشح الرئاسي الديموقراطي يوجين مكارثي؛ لأنه كان مثلها ضد الحرب في فيتنام، وأصبحت -بعد تلك الحملة- إحدى أهمِ شخصيات الحزب الديمقراطي الفاعلة.

كانت كلينتون، إلى جانب موقفها الرافض للحرب في فيتنام، مسكونة بتحقيق حلم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، هكذا يشي تاريخ عملها السياسي الذي حمل عنوانًا رئيسًا هو: الدفاع عن حقوق المرأة والطفل، ولذلك؛ شكّلت نسبة المقترعين من النساء لترامب 42 بالمئة صدمة لهيلاري؛ إذ إن أقسى ما يواجه المرء في حياته هو عداء من يُدافع عنه.

لعلَّ هيلاري -حتى اللحظة- تبحث عن الإجابة: لماذا؟ الروائي الأميركي دوجلاس كنيدي -ربما- أعطى جوابًا حين وصف هيلاري بأنها امرأة ذكية، ثم عقب قائلًا: هي في الواقع أذكى من الآخرين، وهذا أمر صعب في الولايات المتحدة، فهناك 20 بالمئة فقط من الشعب الأميركي يتمتع بثقافة رفيعة. كلام دوجلاس هذا يشمل الجنسين طبعًا، ويبدو مثال ذلك في دفاع بعض النساء عن ترامب قائلات: إن أغلب الرجال يقولون في مجالسهم الخاصة ما قاله ترامب لصديقه في الشريط المسجل، ومعظم الرجال يقومون بمغامرات عاطفية مثله وأكثر.

يحلل رجل يتسكع في الشارع، ظهر على التلفزيون، سبب تقبّل النساء لترامب بالقول: معروف عن المرأة الأميركية أنها تميل إلى الرجل المنفعل والقوي، وبعضهنّ ينتشين بترامب حينما يظهر مزمجرًا ومنفعلًا بشدة في إطلالاته التلفزيونية. شاب مراهق علق على ذلك بالقول: ترامب ملياردير، والنساء يملن للرجل الغني، ويسعين للتقرب منه. إحدى السيدات، في الاستطلاع ذاته، قالت: إن هيلاري تكذب كثيرًا وتخفي أمورًا فاضحة، بينما ترامب يعترف بأخطائه، ويعتذر عنها، وأضافت: أنا لا أثق بالنساء، ولن أعطيهن صوتي ليحكمن أميركا.

حتى اللحظة لم نسمع رأي السيدة كلينتون في سبب عزوف 42 بالمئة من نساء أميركا عن انتخابها، لعلها لا تريد أن تُسجّل على نفسها كلامًا جارحًا يخصُّ المرأة، بل قد تقول لنفسها: حسنًا، لقد حظيت بتصويت 54 بالمئة من النساء، وهذا يكفيني في هذه المرحلة.

هيلاري بالتأكيد قرأت تاريخ النضال السياسي للمرأة الأميركية، وتعلم أنَّ السيدة السوداء، ومنذ 60 سنة فقط، كان عليها -وفق القانون- أن تترك مقعدها ليجلس مكانها رجل أبيض في الحافلة أو القطار. هذه النظرة الدونية لم تقتصر على المرأة السوداء فحسب، بل شملت كل بنات جنسها. كتبت هيلاري في مذكراتها عن أول فشل لها في الانتخابات، وكانت؛ للحصول على رئاسة فصلها في المدرسة الثانوية عام 1964، قد قالت: إن الخسارة لم تفاجئني لكنها آلمتني، خاصةً عندما وصفني زملائي بالغباء الشديد؛ لأني ظننت أن فتاة يمكن أن تُنتخب للرئاسة.

منذ ذلك التاريخ تحاول كلينتون، كما حاولت قبلها إحدى عشرة سيدة، الوصول إلى البيت الأبيض، ومنينَ بالفشل، ودائمًا كان لنسبة كبيرة من النساء الأميركيات دور حاسم في ذلك الفشل!! لماذا؟ هل لأنَّ المرأة الأميركية لا تزال تشعر بالدونية، وعدم أهلية بنات جنسها لقيادة دولة بحجم أميركا؟ ربما. لكن هذا السؤال قد لا يظل مطروحًا مع تنامي وعي المرأة الأميركية لقدرتها ومكانتها في المستقبل.




المصدر