محمد برهومة يكتب: صاعد ومتراجع


محمد برهومة

سعى “ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث” الذي نظمه “مركز الإمارات للسياسات” في الثالث عشر والرابع عشر من الشهر الحالي، إلى مقاربة تحولات النظام الدولي، والتطورات الجيوسياسية الإقليمية، وقضايا منطقة الشرق الأوسط، ومنها منطقة الخليج، فضلاً عن مستقبل السياسة الخارجية الأميركية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً.
ويحاول هذا المقال أن يقدّم ملخصاً لواحدة من جلسات الملتقى التي كانت بعنوان “القوى التقليدية والصاعدة والمتراجعة في نظام دولي متغيّر”؛ إذ خلصت إلى أن النظام الدولي الحالي يتسم بالسيولة وعدم الوضوح واللايقين. وهذا ما تؤكده أحداث مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتنامي الاتجاه اليميني والنزعة الشعبوية المعادية للمؤسسات في الكثير من أجزاء العالم، فضلاً عن نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة؛ ثم إن هناك تحولات هائلة ومتسارعة على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم. وهذه التحولات تعمل بشكل تلقائي على التأثير في موازين القوى الدولية، وتجعل العلاقات بين القوى الدولية تتخذ طبيعة هُلامية إلى حد كبير. وقد برزت مظاهر خريطة جديدة للقوى في العالم، في ظل بروز دور الجماعات الإرهابية والشركات المتعددة الجنسيات والفاعلين دون الدولة، ووجود عوامل متعددة تدفع باتجاه ضعف هيمنة الحكومات بسبب التحديات الهيكلية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتراجع قدرة الحكومات على توفير ما يحتاجه الأفراد والمجتمعات.
لكنّ الملتقى أكّد أن الولايات المتحدة تظل أقوى اقتصاد في العالم، وأكثر دولة قادرة على التحرك العسكري السريع والواسع الانتشار، وأكثر دولة تمتلك التكنولوجيا وتسهم في إنتاج المعرفة؛ ما يعني أنها ستبقى تلعب دوراً محورياً في النظام الدولي في المدى المنظور، وستظل محتفظة بصدارة القوى العالمية، ولا تنافسها أي دولة أو طرف في ميدان “القوة الناعمة” الذي تتفوق فيه بما لا يُقاس مع الصين وروسيا. وهذه الأخيرة تنامت قوتها العسكرية في السنوات الأخيرة، وعززت سياساتها التوسعية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وآسيا، إلا أنه تواجهها تحديات عدة، مثل ضعف اقتصادها ومحدودية مساهمتها في الثورة التكنولوجية والمعرفية، لاستعادة مكانتها في النظام الدولي.
ولفت الملتقى إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر من القوى المتراجعة بسبب تنامي التحديات الداخلية أمامه، لاسيما تحدي الهجرة والهوية والشيخوخة الديمغرافية، فضلاً عن تنامي نزعات الخروج من الاتحاد بين شعوبه، مثلما حصل مع بريطانيا. في حين أن الصين والهند تعتبران من أبرز القوى الصاعدة في العالم. وأشير إلى أنه ما يزال مستبعداً أن تتحول العلاقة بين الصين وأميركا إلى مواجهة عسكرية كنتيجة لتعزيز القوتين دورهما في منطقة آسيا و”الهادئ”، وذلك على اعتبار أن قادة البلدين يدركون التحدي الكامن في تغيير موازين القوى، وهم حريصون على تجنب هذه المواجهة المضرة لكليهما. ويدرك الصينيون التحديات الداخلية والخارجية التي يجب عليهم مواجهتها، وهم مهتمون بتحقيق أهداف الفرصة الاستراتيجية المتاحة خلال هذه الفترة من التاريخ التي تشهد انعدام صراع القوى الكبرى المباشر. مع ذلك، فإن الصين لا تطمح إلى دور القوة العالمية العظمى، ولا تريد تحمل أعباء مثل هذا الدور حالياً، والأرجح أنها تريد الاستمرار كقوة إقليمية عظمى في محيطها كما هو حالها الآن.
وخلص “مركز الإمارات للسياسات” إلى أنه من المتوقع أن يستمر التزام أميركا تجاه منطقة آسيا-الهادئ في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، وأن تبقى اليابان ملتزمة بإعادة تحديد دورها في المنطقة والعالم، وأن تواصل كوريا الجنوبية الحفاظ على اقتصاد قوي، وستبقى كلتاهما تدعمان الموقف الأميركي في آسيا. ومن النقاط المهمة التي ناقشها الملتقى تأكيده أنّ هناك عجزاً على مستوى القيادات على نطاق واسع في العالم؛ إذ يعاني عالم اليوم ضعف ميكانيزمات إنتاج القيادات.

المصدر: الغد

محمد برهومة يكتب: صاعد ومتراجع على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا