on
معزوفات لقيم وأخلاق لا تنسى
صبحي دسوقي
) هي محاولة لإعادة تدوين وترسيخ مجموعة القيم والأخلاق التي كانت سائدة في مجتمعنا والتركيز عليها مجددًا تمهيدًا لإعادة إحيائها، وهي معزوفات متغيرة لقيم متوارثة، نركز عليها من أجل عدم نسيانها).
الوطن
(العين بعد فراقها الوطنا/ لا ساكنًا ألفت ولا سكنا).
هو مطلع من قصيدة كررناها مرارًا في مدارسنا دون أن نستوعب مغزاها، كانت مجرد كلمات جميلة معبرة حفظناها وما مست يومًا شغاف قلوبنا إلى أن أرغمنا على الرحيل عن وطننا حاملين في دواخلنا شوقنا وحنيننا وحبنا لذرات ترابه.
ما كان الوطن ولن يكون يومًا مجرد تضاريس وجغرافية، بل هو تلك الأحاسيس التي تتماهى مع شهيق روحنا له، هو دماؤنا التي تسري في أجسادنا وترفض التوقف والسكون إلا به وله.
الوطن ذاك الرغيف من الخبز الذي نستنشق رائحته العذبة؛ فتسري كفراشة في أوردتنا قبل أن نتناوله بشغف المحب. هو ذاك التوق العاصف الذي يخلخل دماءنا وأرواحنا وأنسجتنا التي تتماسك به، وتتشظى حين يبتعد عن مرأى عيوننا.
الوطن أنا وأنت، يتكامل بنا معًا، ويرفض أن نكون يا أنا/ يا أنت، بل كلنا معًا في مواجهة الأخطار التي تحيط بالوطن، رامية قضمه وتقزيمه وتمزيقه واقتسامه. إنسانيتنا لا تظهر إلا عبر تضاريسه من جبال وسهول وأودية وأنهار وبحار…، شوقنا يتعاظم ويموت الصوت في دواخلنا من كثرة مناداتنا ومناشداتنا له.
هل نصرخ به ارجع إلينا؛ كي نعود أقوياء، نفرح بك ونشمخ؛ وحتى حزنك يتحول إلى فرح، أم نناشده أن يتلمس لنا سبل العودة إلى أحضانه؛ كي نريق دموعنا ندمًا على فراقنا له وتقصيرنا.
ترابك أنقى وأغلى من ذهب يتلألأ في ليالي ابتعادنا عنك، هي الغربة، وآه كم تغتال ما تبقى في دواخلنا من أفراح، كنا نخبئها ونداريها؛ كي ننثرها على ترابك حين عودتنا.
وهل نعود …. هل نعود …؟؟؟؟!!!!
تساؤل جارح يدمي أفواهنا وحناجرنا التي ما توقفت يومًا عن ترداد الحنين والاشتياق إليه.
سنعود إليك؛ كي نبني ما تخرب وتهدم، نحول ترابك إلى لؤلؤة تشع بحبها على الدنيا.
من دمائنا التي أسالوها على ترابك نشيد أهرامات بأسماء شهدائنا، تظل ساطعة في تواريخ وأزمنة مقبلات.
وطننا ذاك الشامخ، المتربع في قلوبنا سيدًا على كل الأوطان والمنافي التي أجبرنا على تجربتها، فحملنا، انكسارنا، راية لخذلان العالم لنا، ولاجتماعه من أجل تكريس ابتعادنا واغترابنا، وإرغامنا على اعتياد ذل الأمكنة وانكسارات الفرح في دواخلنا.
كلما سمعنا ضحكات تنطلق في الفضاءات من حولنا نتكوم على قهرنا ونلتحفه، بدلًا من أغطية العالم الوثيرة.
تشهق في دواخلنا تلك الصباحات العذبة التي فتحنا عيوننا عليها، وصار مسراها يتدفق في شراييننا وأوردتنا التي تنقل ما تبقى في دواخلنا من دماء من وإلى القلب. وطننا عصيّ على كل محاولاتهم إفنائه، وقادر -كما طائر الفينيق- أن ينهض ويولد من جديد من رماده.
صقيع الغربة يقتات كل ما تبقى من دفء الوطن الذي حملناه في دواخلنا زوادة أمام قسوة الحياة، وذل الحاجة، وتنكّر الأصدقاء.
ومنذ بداية ثورتنا، انطلقت مقولة “الموت ولا المذلة”، واستُبدلت -تلقائيًا- بهتاف وشعار “سورية وبس”؛ لأنها تريدنا بين أحضانها أحياء كرماء، مرفوعي الرأس، متخلصين من مذلة لحقت بنا، ورافقتنا طوال فترة الحكم الدكتاتوري الأسدي.
سنظل نسترجع إحدى مقاطع أغانينا الشعبية الثورية التي عزفت على الوتر نفسه، ونرددها حتى عودتنا الأكيدة إليه….. (حتى ترابك جنة).
المصدر